افرز عصرنا الذي نعيشه الكثير من المصطلحات والمفاهيم، والتي ساهمت في احداث الكثير من الاشكاليات على تعريفها وتفسيرها، ومدى انسجام ذلك مع المرجعيات الفكرية والثقافية الحاكمة لوعي المسلمين..
تثور الاشكاليات عادة اذا كانت استعارة المصطلح والمفهوم تتم حرفيا ودون فهم له، مع استعارة اليات تطبيقه والعمل به دون النظر الى الشروط الاجتماعية والثقافية والدينية..
المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي عمل على مايمكن تسميته بـ(تبيئة) المصطلح او المفهوم وجعله متناسبا مع فكر المسلمين وحاجاتهم. من ذلك مصطلح او مفهوم (الوعي السياسي) والذي تناوله الامام الراحل تارة تحت نفس التسمية وتارة اخرة تحت تسمية الفهم السياسي..
يعد الوعي (الفهم) السياسي في المدونة الشيرازية، العنوان الاول من المقدمات الاساسية للتغيير (راجع كتاب: ممارسة التغيير لانقاذ المسلمين) اذ بدونه لا يتمكن الانسان من الشروع في العمل، وان بدأ فانه لا يتمكن من الاستقامة في امره، وان تجلد وقاوم فانه لا يتمكن من السير بالحركة الى شاطيء السلام والهدف المنشود.
والسياسة، في نظر الامام الراحل، معرفة واعية لابد منها لمن يريد السير بالأمة الى الامام، وهي معرفة تتطلب الوعي بكل الامور والجوانب، والاطراف والخصوصيات، والحوادث والارتباطات، والاسباب والمسببات.
والمعرفة بالسياسة عند الامام الشيرازي اشتراط بشقين، شق التنظير وشق التطبيق، لان العلم وحده لاينفع، كالذي يعرف الدواء لكن لا يستعمله، فهو لا يبرأ ولايفيق من مرضه.
المختارات التالية محاولة لتسليط الضوء على افكار ورؤى الامام الراحل حول ماكتبه عن الوعي (الفهم) السياسي.
يقول الامام الشيرازي في كتاب كل فرد حركة وفلسفة التأخر:
• (حيث ضَعُف في المسلمين الحسّ السياسي، ضعف فيهم كل شيء، اقتصاداً واجتماعاً، وديناً ودنياً، وتربية وعائلة، وأخلاقاً وآداباً، وغيرها).
* لابد (من تشكيل لجان لتقوية الوعي السياسي في الناس، بجعل دروس السياسة، وطبع ونشر الكتب السياسية الهادفة وما أشبه من الأشرطة السمعية والبصرية، وتنظيم المؤتمرات والاجتماعات السياسية، وتشكيل المؤسسات الدستورية إلى غير ذلك).
* (لا السياسة بمعنى: المراوغة والكذب والاحتيال مما يسمى في الاصطلاح الغربي بـ"المكيافيلي" وإلاّ فمثل هذه السياسة، ليست إلاّ شيطنة، وتوجب تأخيراً وإفساداً في الأمة).
* (ان ّ كل شيء ــ إلاّ النادر النادر ــ مبني على السياسة، ولذا فانحرافها يوجب انحراف كلّ شيء، إلاّ بالنسبة إلى من حفظهم الله تعالى).
* (لقد أكثر الحكام المرتبطون بالغرب عمالةً أو فكراً، من القوانين الكابتة لمختلف مناحي الحياة التجارية والزراعية والصناعية والمعمارية والسياحية والعائلية وغيرها).
* يجب (على اللجان المحرِّرة تغيير الأسس الثقافية التي أقامها الغرب والشرق في بلادنا إلى الأسس الإسلامية المحرِّرة، وبذلك يُرجى النجاة بإذنه سبحانه وتعالى).
* (ليعلم أنّ القوانين الكابتة تكون على خلاف القوانين التي تهم الشورى)
يقول الامام الشيرازي في كتاب الفهم السياسي:
• (من أهم مقومات الفهم السياسي هو: التثقيف والتوعية، وهي إحدى الأسس الرئيسية لنهضة الأمة الإسلامية، وترسيخ مبادئها وتطبيقها على أرض الواقع بشكل تام وصحيح).
• (إذا أردنا المعرفة والحصول على الفهم السياسي، فعلينا بالجهاد الفكري والجهاد العلمي ضد الجهل، وبكل الوسائل المتاحة المشروعة، بالقلم واللسان، وبمختلف الوسائل العصرية؛ لتصل تعاليم الإسلام وأهدافه الإنسانية إلى كل قرية قرية، قريبة أو بعيدة، وكل بيت بيت، صغير وكبير، وكل فرد فرد، فتبدأ الأمة بالنهضة من جديد بامتلاكها الحجة من جرّاء رشدها وفهمها السياسي).
• (نعم السياسة تعتبر من واقع الإسلام؛ باعتباره الدين الذي يريد من الأحكام الشرعية والعبادات أن تظهر على مختلف جوانب حياة المسلم وأفعاله وأفكاره، وأنه دين للدنيا والآخرة، فإن كل فعل من الأفعال قد جاء حكمه وبيانه في الكتاب والسنة، وقد أثبتنا عدم انفصال السياسة عن الدين من النصوص الشرعية -الكتاب والسنة-).
• (يلزم على طلبة العلوم الدينية ـ كما يلزم على غيرهم ـ التحلي بالفهم السياسي، وإننا إذا رجعنا إلى الكتاب والسنة وعرفنا ما فيهما من أحكام ولوازم حياتية، فسنعرف السياسة بشكل واضح، فلا تنطلي علينا ألاعيب المستعمرين والحكام الظلمة، وإلى جانب ذلك نحتاج أيضاً إلى قراءة مختلف الكتب السياسية، ومعرفة محتواها، ومتابعة الأحداث التي تجري من حولنا في بلادنا وفي جميع أنحاء العالم، من منشئها إلى هدفها).
• (إن الحصول على الفهم السياسي لا يحتاج إلى جهد كثير، ولكن المسلمين ـ على الأخص رجال الدين ـ تركوا العمل بها واعتبروا السياسة من شؤون الدولة المتسلطة وليست من شؤون الدين، وهذا من أهم أسباب عدم وجود الفهم السياسي بالمقدار الكافي في أوساط المسلمين، حيث تصور البعض أن السياسة هي شأن الطغاة حفاظاً على الحياة الدنيا، متناسين أنهم مسؤولون في الآخرة عن الناس الذين يعتبرون رجال الدين والعلماء أسوة وقدوة لهم).
• (يلزم على جميع المسلمين وخاصة الحوزات العلمية والعلماء التحلي بالفهم السياسي وذلك للحفاظ على الأمة من الضياع ومن مخططات الأعداء).
• الفهم بصورة عامة (إنه الإدراك والعلم والمعرفة. وواسطة هذه المعرفة والعلم هي العقل، أي إن الإنسان بواسطة عقله يفهم الأشياء، ومن هذا الباب نجد أن بعض الناس الذين يملكون عقلاً سليماً لهم نبوغ في مختلف مجالات الحياة؛ وذلك لرجاحة عقلهم، وحسن تعاملهم مع القضايا والأحداث التي تدور حولهم، بينما نجد البعض الآخر لا يمتلك هذه الخاصية –الفهم- أو المعرفة والفطنة، إما لخلل عقلي، وهذا خارج عن إرادة الإنسان وإمكانه عادةً، أو لتقصير منه، وذلك لعدم تحصيله للعلوم والمعارف ومعرفته بالأوضاع التي توصله إلى الفهم والإدراك).
• (بإمكان الإنسان أن يصبح فاهماً، وبإمكانه أن يكون كثير العلم والإدراك، وذلك بجده واجتهاده، وأيضاً بيده أن يصبح أبلهاً أو بليداً أو شخصاً عادياً لا يهتم ولا يعي لما يجري حوله من القضايا والأحداث).
• (السياسة ليست من العلوم الحديثة، بل لعلها وجدت بوجود الإنسان في هذه المعمورة، وبواسطتها ينظم الإنسان حياته)
• (كل إنسان يحتاج إلى السياسة، وفي جميع المجالات، سياسة مع نفسه، سياسة في تعامله وتعايشه مع عائلته، سياسة مع صديقه، سياسة مع عدوه، وسياسة مع جميع أفراد المجتمع. ومن هذا الباب، فإن أغلب الناس سياسيون، ولكن بدرجات متفاوتة).
• (السياسة ليست من العلوم الحديثة، بل لعلها وجدت بوجود الإنسان في هذه المعمورة، وبواسطتها ينظم الإنسان حياته، وكل إنسان يحتاج إلى السياسة، وفي جميع المجالات، سياسة مع نفسه، سياسة في تعامله وتعايشه مع عائلته، سياسة مع صديقه، سياسة مع عدوه، وسياسة مع جميع أفراد المجتمع. ومن هذا الباب، فإن أغلب الناس سياسيون، ولكن بدرجات متفاوتة).
• (من أهم مقومات الفهم السياسي هو: التثقيف والتوعية، وهي إحدى الأسس الرئيسية لنهضة الأمة الإسلامية، وترسيخ مبادئها وتطبيقها على أرض الواقع بشكل تام وصحيح).
• (يلزم على جميع المسلمين وخاصة الحوزات العلمية والعلماء التحلي بالفهم السياسي وذلك للحفاظ على الأمة من الضياع ومن مخططات الأعداء).
• (إن الفهم السياسي بحاجة إلى مقومات عديدة، فالسياسي مثلما يحتاج إلى معرفة الدين يحتاج إلى معرفة الاجتماع، وقد أشرنا إلى لزوم معرفة الإنسان بالدين والاجتماع والتاريخ والاقتصاد، ليكون واعياً في كل جوانب الحياة). وكما ذكرنا سابقا، إن الغاية من تحقيق هذا الهدف (الفهم السياسي)
• (على المسلمين إذا أرادوا النهوض والتخلص من هذه الأنظمة القمعية والاستبدادية، إيجاد الوعي العام والفهم التام بكل الجوانب السياسية والإدارية والاقتصادية والدينية).
يقول الامام الشيرازي في كتاب الفقه الاجتماع ج2:
كل جديد في المجتمع المتصاعد يزيد الاجتماع تصاعداً وتحركاً إلى الأمام، في المجتمع الراكد يركد كل شيء، ويسير الزمان بتؤدة وبطؤ وتخلو الحياة عن التجدد، ويكون كل فكر جديد وحركة جديدة موضع الإعراض والازدراء والاستهزاء، وإن لم ينفع الإعراض في ردع من أتى بتلك الفكرة، وتلك الصنعة، حكم المجتمع عليه بالسجن والقتل ونحوهما.
وبينما المجتمع المتحرك المتصاعد يجعل للتقدم جوائز ويشوق، سواء من اكتشف فكراً جديداً أو صنعة جديدة، يقف المجتمع الساكن ضد أولئك بالتكفير والتشهير والعقوبات الجسدية وما إلى ذلك.
(لقد وضع المقننون البريطانيون قانوناً يقتضي بمنع استعمال الفحم الحجري، وقد عاقبوا بالإعدام بعض من استعمله ـ في أول زمان كشفه ـ وإلى القرون الأخيرة كان الغرب يمنع المرأة حقوقها، وكان من يتفوه بلزوم إعطائها حقوقها يطرد ويهان، ويعاقب، وقصة توبة [غاليلوا] معروفة، إلى غير ذلك).
يقف الراكدون دون التجدد، لعدة أسباب:
1 ـ التقدم يوجب تحطم امتياز أصحاب الامتيازات، ولذا لما ظهر القطار خالفه أصحاب السيارات، أشد المخالفة… وكذلك في أصحاب الامتيازات الاجتماعية والسياسية، وغيرها.
2 ـ يخاف الراكدون من أنهم إذا أجازوا الجديد، أن يجد المجتمع سبيلاً إلى جديد آخر، مما يوجب تحطم الاجتماع بزعمهم.
3 ـ وقد يكون المنع لخوف أنه إذا انفتح الباب يصل الأمر إلى ما لا يحمد عقباه، مثل أنه إذا استوردت بضاعة من بلد فلاني، خيف من انفتاح الطريق أمامه، مما ينجر إلى استعمار البلد المصدّر للبلد المستورد، ولذا كان الإمام يحيى في اليمن يمنع استيراد البضائع الأجنبية خوفاً من استعمارهم لليمن.
4 ـ لأن الإنسان يعتاد عمله، بينما لا يعتاد الشيء الجديد، وكذلك في الفكر.
اضف تعليق