عزى بعض الناس ما حدث في العراق من أحداث نهب وسلب وحرق وتدمير للممتلكات العامة والخاصة؛ بعد التسيب الكبير الذي أحدثه الاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003 واختفاء المنظومات الأمنية، عزوا ذلك إلى أن الأثر الذي تركته أيام الحصار السوداء على الشعب؛ هو الذي دفع العامة إلى نهب كل ما طالته أيديهم لا فرق بين ما هو مدني أو عسكري وما بين ما هو أهلي وشخصي أو حكومي.
إن النهب عادة من طباع الإنسانية لدى كثير من الشعوب المضطربة التي تتعرض إلى أزمات وأوقات حرجة تعصف براحتها وأمنها وتضعف أواصر الإنسانية بين مجاميعها، وهو أمر تكرر وقوعه، يحدث عادة مزامنا لأغلب الثورات الشعبية، وحتى أثناء التحولات التاريخية والانعطافات الحادة والخطيرة في حياة الشعوب والجماعات، حيث ينشط المجرمون والمحرومون للكسب غير المشروع وللانتقام ممن سامهم سوء العذاب وحرمهم لذيذ العيش ورغد الحياة، وقد تشترك فيه عناصر من النظم الساقطة نفسها لتشويه صورة الثورة أو الحدث، أو للتأثير على معنويات الناس، وربما إسهاما في بث الفوضى.
أما في العراق فالحال يختلف كثيرا عما وقع في المناطق الأخرى ولدى الشعوب والجماعات الأخرى ربما لأننا عشنا على مر التاريخ في حالتي نقيض حيث قلة متنعمة وكثرة محرومة، حيث قلة حاكمة وكثرة محكومة.
ويكاد ما حدث بعد فشل حركة رشيد عالي الكيلاني الموالية لألمانيا في مايس 1941 وهو ما عرف بالفرهود الذي بدأت أحداثه يوم 1 حزيران أن يكون أشهر عمليات الفرهود الحديثة في تاريخ العراق، وطبقاً للإحصائيات الرسمية كان عدد القتلى نتيجة أحداث الفرهود 110 قتيلا و240 جريحا، وتم سلب ونهب أكثر من 586 مبنى تجاريا يهوديا فضلا عن 911 بيتاً.
فهل لحالات الفرهود المتكررة جذورا تاريخية لها علاقة بالتركيب النفسي للإنسان العراقي أم أنها تأتي ردة فعل لفعل أقسى منها، وهي حالة مشتركة بين الشعوب؟
وأترك الإجابة على هذا السؤال إلى المتخصصين بعلم النفس، ولذا أحلته إلى الدكتور قاسم حسين صالح منتظرا إجابته عنه، أما في حدود معرفتي فأرى أن الإنسان العراقي لم يحظى بحياة طبيعية على مر التاريخ، وعلى مر التاريخ كانت علاقته بالحاكم مأزومة مشدودة متوترة، وقد يكون هذا التوتر سببا لحالات الفرهود التي وقعت قديما، حيث أورد مسكويه في الجزء الرابع من كتابه كتاب تجارب الأمم أنموذجا لما حدث في سنة ثمان وأربعين ومائتين حين عين المماليك الأتراك المستعين أميرا للمؤمنين فلما خرج وقد بايعه من حضر الدار من أصحاب المراتب متجها إلى قصر الهاروني، دخل الغوغاء والمنتهبة دار العامة، فانتهبوا الخزانة التي فيها السلاح والدروع والسيوف والتراس الخيزران، ثم جاءهم جماعة من الأتراك فيهم القائد بغا الصغير ابن بغا الكبير فأجلوهم من الخزانة وقتلوا منهم عدة، وخرج العامة والغوغاء، وكان لا يمر بهم أحد من الأتراك يريد باب العامة إلا انتهبوا سلاحه، وقتلوا جماعة منهم.
وبعد عام واحد أي في سنة تسع وأربعين ومائتين، اجتمعت العامة ببغداد بالصراخ والنداء بالنفير، وانضم إليهم الأنباء والشاكرية، مطالبين بالأرزاق، ففتحوا السجون، وأخرجوا الصعاليك من أهل الجبال والمحمرة وغيرهم، وقطعوا أحد الجسرين، وضربوا الآخر بالنار، وانتهبت الدواوين، وقطعت الدفاتر، وألقيت في الماء، وانتهبت عدة دور.
وبعدها بزمن يسير دخل العامة الجوسق فاستخرجوا أوتامش التركي من الموضع الذي توارى فيه فقتلوه هو وكاتبه شجاع بن القاسم وانتهبت دورهم بما فيها من متاع وآنية وفراش. ولا زال الترقب الحذر يرصد رغبات بالفرهدة لدى الناس.
إن تأثير الفرهود على الموروث الشعبي بدا واضحا عبر التاريخ، ومما تركته لنا حالات الفرهود أنه في فرهود الأربعينات، قام العامة بمهاجمة بساتين الحمضيات في ديالى، وكان برتقالها ناضجا متروكا على أشجاره كما هو ديدن أهل ديالى الذين لا ينزلون برتقالهم إلى السوق إلا في أواخر الموسم ليكون عزيزا، فقاموا بقطافه وهم يرددون أهزوجة:
أصفركم ليش محيلينه
للموت جنكم ضامينه
وبعد أن انتهى فرهود سنة 2003 وتنعمت بعض الأسر المحرومة بما كسبته من مال وفراش وأثاث وشعرت أنها انتقمت لسنوات الحرمان وقف أحدهم هازجا؟
اشحلو الفرهود
كون يصير يومية
كفانا الله وإياكم شر الفرهود والفرهدة وحرس شعبنا وأهلنا من كل ما يضطرهم إلى الفرهود.
اضف تعليق