أزمة النفايات في لبنان والتي كانت سببا في اطلاق موجة من التظاهرات والاحتجاجات الشعبية ضد السلطة، لاتزال محط اهتمام وترقب خصوصا وان هذه الأزمة وكما يقول بعض المراقبين قد تكون بداية لحملات وتظاهرات تخص ملفات اخرى، مثل الفساد في قطاع الكهرباء والأملاك البحرية وغيرها من الملفات التي تفاقمت بسبب حالة الفراغ التي يعيشها لبنان واستمرار الخلافات والنزاعات بين القوى والاحزاب الأساسية، يضاف اليها المشكلات والازمات الاقليمية التي اثرت بشكل سلبي على هذا البلد العربي.
ويرى بعض الخبراء ان الحراك الحالي يمكن ان يسهم ومن خلال الضغط المتواصل، بتغير الواقع الحالي ويدفع السلطات الى ايجاد حلول واصلاحات مهمة، وتطورت الأزمة في شهر يوليو/تموز 2015 بفعل تراكم نفايات العاصمة وضواحيها، فكانت سببا في بروز تجمعات من الناشطين منها تجمع طلعت ريحتكم الذي يعد إحدى أهم المجموعات التي أطلقت تحركات وطالبت باستقالة وزير البيئة محمد المشنوق باعتباره المسؤول عن هذا الملف وبحل الأزمة جذريًّا، لتتطور الاحداث فيما بعد للخروج احتجاجات على الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي ما فتئت تتحول إلى الأسوأ تبعًا للتحولات السياسية التي شهدها لبنان.
من جانب اخر استبعد بعض المراقبين ان تسهم هذه التحركات بإيجاد الحلول بسبب تفاقم الفساد والانقسام الطائفي والسياسي الذي كان سببا في تدمير البلد، وقد حل لبنان كما تنقل بعض المصادر، على مؤشر منظمة الشفافية الدولية لمدركات الفساد لعام 2014 في المرتبة 136 من بين 175 دولة والمرتبة 14 على 19 بلدًا عربيًّا، وهو ما يُلحظ صداه في تردى خدمات الدولة وشيوع الرشوة في مؤسساتها، التي تخضع إدارتها في الغالب لنخب حزبية اعتادت أن تتبادل المنافع مع رجال أعمال محليين وغير محليين، وأن تحتمي بطوائفها بعد أن تُشركها أحيانًا ببعض مغانمها التي لم تعد مجدية وكافية لتمويل هذا الكمِّ من الفساد الذي تراكم.
احتجاجات مستمرة
وفي هذا الشأن فقد لجأت قوات الأمن اللبنانية إلى الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه لتفريق احتجاج مناهض للحكومة في العاصمة بيروت وأجل الزعماء السياسيون محادثات تهدف إلى حل الأزمة السياسية التي تغذي مشاعر الاستياء الشعبي. وانتشر الجنود وقوات الأمن الداخلي وأفراد شرطة مكافحة الشغب في شوارع وسط بيروت التجاري لمنع المحتجين من الوصول إلى ساحة النجمة المحيطة بمبنى مجلس النواب.
وبدأ المحتجون بالتجمع في وسط بيروت التجاري احتجاجا على سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية وعلى ما يصفونه بأنه استفحال للفساد في دوائر الدولة. وشارك مواطنون وناشطون ينتمون إلى نقابات عمالية وجمعيات للمجتمع المدني مثل "بدنا نحاسب" و"طلعت ريحتكم" وغيرها في الاحتجاجات. وقدرت اعددهم ببضع مئات.
وتمكن المتظاهرون من إحداث ثغرة في الحواجز الاسمنتية التي وضعتها قوات الأمن عند مداخل الشوارع المؤدية إلى مجلس النواب والشوارع التجارية الرئيسية في وسط بيروت مما دفع قوات مكافحة الشغب إلى استخدام المياه والغاز المسيل للدموع لتفريقهم. وقال مسعفون إن نحو 36 شخصا نقلوا إلى المستشفى يعانون من الاختناق نتيجة استنشاق الغاز. وقال مسؤول أمني إن ستة من الشرطة أصيبوا أيضا.
وأظهرت مشاهد بثتها وسائل إعلام محلية متظاهرين وهم ينقلون زملاء لهم إلى سيارات إسعاف توقفت في الشوارع الجانبية قرب منطقة الاحتجاجات. وذكرت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية أن "القوى الأمنية تعرضت لعملية رشق كثيف بالحجارة وإلقاء مفرقعات مما أدى إلى إصابة عدد من عناصر مكافحة الشغب". وأشارت إلى أن أحد المتظاهرين دعا قوات الأمن عبر مكبر الصوت إلى "التوقف عن رمي القنابل المسيلة للدموع ورش المتظاهرين بخراطيم المياه كي يتوقف المتظاهرون عن رمي الحجارة" باتجاهها. وأضافت الوكالة أن "قوات الأمن نقلت عددا من الموقوفين إلى ثكنة الحلو ومخفر زقاق البلاط" في بيروت.
وذكرت الوكالة أيضا أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أجل جلسات الحوار الوطني التي تهدف إلى مناقشة سبل التوصل إلى حلول للمأزق السياسي الذي يواجه البلاد بعد عجز السياسيين عن احراز تقدم في عدد من المواضيع التي تشمل الاتفاق على تعيينات في مناصب أمنية رفيعة. ودعا بري إلى جلسات حوار لكنه أجلها إلى 26 اكتوبر تشرين الأول. بحسب رويترز.
وبدأت الاحتجاجات قبل أسابيع مطالبة في بادئ الأمر بحل لأزمة تراكم القمامة في بيروت وحولها عندما أغلق مكب نفايات دون الاتفاق على فتح بديل. ومع استئناف عمليات جمع القمامة لم يتم ايجاد حل. وتطورت مطالب المحتجين بعد ذلك لتشمل استقالة وزراء البيئة والداخلية ثم الحكومة بأكملها واجراء انتخابات نيابية تليها انتخابات رئاسية. وتضم حكومة تمام سلام أحزابا لبنانية متنافسة بينها تيار المستقبل الذي يقوده الزعيم السني سعد الحريري وجماعة حزب الله الشيعية وبعض الجماعات المسيحية المتنافسة. ومنصب الرئاسة شاغر في لبنان منذ العام الماضي. ويواجه لبنان - الذي لا يزال في طور إعادة الإعمار من الحرب الأهلية بين عامي 1975 و 1990- أزمة اقتصادية وسياسية بسبب امتداد آثار الحرب السورية عبر الحدود بما في ذلك العنف السياسي وأزمة اللاجئين الكبيرة.
ويتخوف اللبنانيون مع استمرار تكدس النفايات عشوائيا في المناطق السكنية وفشل الحكومة في اتخاذ اجراءات عملية، من انتشار الامراض لا سيما الكوليرا. وقال احد المشاركين في التظاهرة "القضية ليست سياسية بل قضية صحة بلد باكمله" متوجها الى اللبنانيين بالقول "الا تخافون على اطفالكم من انتشار الامراض؟". واعلنت بلدية بيروت سلسلة ارشادات لـ"تجنب إلتقاط الأمراض المتنوعة، ولا سيما الواقية من مرض الكوليرا" جراء استمرار ازمة النفايات داعية السكان الى التقيد بها. وانتقد احد الناشطين في كلمة القاها باسم حملة "طلعت ريحتكم" احدى ابرز المجموعات المدنية المنظمة للتظاهرات، تقاعس المسؤولين عن ايجاد حلول لازمة النفايات. وقال "يماطلون (السياسيون) ويناورون حتى حل الشتاء منذرا بكوارث بيئية"، مؤكدا رفض اللجوء الى المطامر التي تفتقد للشروط الصحية في المناطق.
فساد قطاع الكهرباء
من جانب اخر أقدمت مجموعة من الناشطين اللبنانيين على إغلاق مدخل وزارة الطاقة والمياه في بيروت بالقوة وبشكل مفاجئ، احتجاجا على الفساد المتفشي في قطاع الكهرباء منذ عقود وعدم توفر الخدمة بشكل دائم. وتجمع العشرات من ناشطي حملة "بدنا نحاسب" وهي إحدى مجموعات الحراك المدني التي شاركت في المظاهرات على خلفية أزمة النفايات في الفترة الأخيرة، بشكل مباغت أمام وزارة الطاقة في منطقة كورنيش النهر في بيروت في محاولة لمنع الموظفين من الدخول إلى مكاتبهم رافعين لافتة كبيرة كتب عليها "بدنا نحاسب".
وعند إقفال الناشطين مدخل الوزارة بالقوة، عملت القوى الأمنية التي حضرت سريعا على منعهم وحدث تدافع بين الطرفين أدى إلى تحطيم زجاج أحد أبواب الوزارة، قبل أن يتمكن الموظفون من الدخول إلى الوزارة مع استمرار تجمع الناشطين خارجها. كما اشتبك عدد من الموظفين مع المتظاهرين، ظنا منهم أنهم يريدون اقتحام الوزارة.
واعتبرت ناشطة مشاركة في التحرك أن "هذه الوزارة شأنها شأن أي وزارة أخرى تسرق أموال اللبنانيين منذ ثلاثين عاما" مؤكدة أن هدف التحرك إيصال رسالة وليس اقتحام الوزارة. وقال ناشط آخر "سنفاجئ السلطة في كل مرة في أماكن الفساد وسنستمر في المطالبة بمحاسبة المسؤولين والفاسدين" معلنا عن تنظيم تحركات مماثلة وبشكل مباغت أمام الوزارات. ورفع محتجون لافتة كتب عليها "فاتورة مش فاتورتين" في إشارة إلى تحمل المواطن اللبناني فاتورة مزدوجة، الأولى يسددها لحساب شركة الكهرباء الوطنية والثانية لصالح أصحاب المولدات الخاصة. بحسب فرانس برس.
وتصل معدلات التغذية بالكهرباء خصوصا خلال فترة الصيف إلى حدود ثلاث ساعات يوميا في المناطق كافة باستثناء بيروت الكبرى، حيث مقار الإدارات الرسمية والمؤسسات. وهو ما يدفع المواطن إلى تأمين الكهرباء على حسابه من خلال الاشتراك في خدمات المولدات الخاصة. ويعد قطاع الكهرباء الأسوأ في لبنان بسبب عدم توفر الخدمة بشكل دائم، وفشل الحكومات المتعاقبة منذ مطلع التسعينيات في تطبيق إصلاحات للنهوض بهذا القطاع على الرغم من الأموال الضخمة التي رصدت لهذه الغاية. ويقدر خبراء كلفة العجز السنوي في قطاع الكهرباء بنحو ملياري دولار سنويا. وقالت إحدى المشاركات في الاعتصام أمام وزارة الطاقة "ليست وزارة الطاقة وحدها مستهدفة بتحركنا بل كل الوزارات وسنحاسب كل الفاسدين".
خطة لحل الازمة
من جانب اخر وافقت الحكومة اللبنانية على خطة لحل أزمة التخلص من النفايات ويعطي هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه في اجتماع طارئ للحكومة دعا إليه رئيس الوزراء تمام سلام البلديات دورا رئيسيا في التعامل مع النفايات المحلية بمساعدة خبراء وتحت إشرافهم كما تخصص مكبين للقمامة في عكار وفي منطقة المصنع قرب الحدود مع سوريا.
وقال وزير الزراعة أكرم شهيب الذي قاد فريقا لوضع الخطة للصحفيين عقب اجتماع الحكومة إنه يرى أن هذه الخطة تفي بالشروط وإن الحكومة اتفقت على حل بيئي مستديم وآمن. ولم يتضح بعد ما اذا كانت الخطة تتطلب موافقة البرلمان أو ما إذا كان اللبنانيون الذين خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج سيقبلون بها.
وتنص الخطة على تحويل مكبين عشوائيين إلى مطرين صحيين وتأهيل مكب برج حمود ومساحته 330 ألف متر مربع. ووافق مجلس الوزراء بحسب وزير الزراعة على تحويل مكب في عكار وآخر في منطقة المصنع في سلسلة لبنان الشرقية إلى مطمرين صحيين، كما قرر الاستعانة بمعمل معالجة النفايات في صيدا ومكب رأس العين في صور. وطلب مجلس الوزراء أيضا من وزارتي المالية والداخلية صرف مستحقات البلديات من عائدات الهاتف الخلوي.
وعبر سلام عن غضبه من إخفاقات حكومته التي واجهت صعوبات في حل مشكلة النفايات التي سببها إغلاق مكب القمامة الرئيسي في بيروت في يوليو تموز. وهدد الشهر الماضي بالاستقالة حين تحولت الاحتجاجات التي تدعو الى حل أزمة النفايات الى دعوات للحكومة لتقديم استقالتها. بحسب رويترز.
وقال مروان معلوف أحد مؤسسي حملة (طلعت ريحتكم) في مقابلة مع تلفزيون الجديد إن هذه الحكومة تخاف شعبها وتغلق الطرق للبرلمان وهو المؤسسة الدستورية للبلاد. ومثل مؤسسات أخرى في البلاد مارس البرلمان عمله بالكاد في السنوات الأخيرة في ظل أزمة سياسية مرتبطة بالاضطرابات الأوسع في المنطقة بما في ذلك الحرب في سوريا. وتضم حكومة سلام جماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران وتيار المستقبل إلى جانب أحزاب مسيحية متنافسة. ولا يزال مقعد الرئاسة التي يجب أن يتولاها مسيحي ماروني شاغرا منذ أكثر من عام في ظل الفشل في الاتفاق على من يجب أن يشغله. وكانت هذه القضية على رأس الموضوعات التي طرحت خلال الحوار الوطني.
اضف تعليق