ليس الحرب ضد داعش في سوريا وتكاليفها الضخمة هي التي تجهد الحكومة السورية، بل هناك مشكلة اخرى متفاقمة تتمثل بتدفق بعض السلع الاجنبية الى السوق السورية لتنافس السلع السورية بما في ذلك المواد الزراعية، وهذا يعني اضعف الاقتصاد السوري الامر الذي ينعكس سلبا على امور كثيرة في حياة السوريين، فقد ساهمت عوامل عدة في نجاح منافسين آخرين مثل الصين وتركيا على حساب المنتجات السورية، ومن بينها ارتفاع كلفة الانتاج وتراجع اليد العاملة في سوريا، فضلا عن قلة التصدير والعقوبات المفروضة عليها من اوروبا.
وقبل اندلاع النزاع في اذار/مارس 2011، كان تاجرا سوريا يصدر سبعين في المئة من منتجاته الى اوروبا، الا ان تلك النسبة تراجعت اليوم الى عشرة في المئة فقط، على حد قوله. ويلقي منتجون اللوم ايضا على العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على سوريا على خلفية قمع النظام للحركة الاحتجاجية التي بدأت ضده في 2011 قبل ان تتطور الى نزاع دام اسفر عن مقتل ما يزيد عن 260 الف شخص وتدمير هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد اكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
ولا شك أن خسائر الحرب السورية التي تحملتها الحكومة والشعب كبيرة جدا، بلغت عشرات المليارات كما تؤكد هي الارقام جهات مستقلة، فقد اشارت تقديرات نشرها البنك الدولي الى ان الكلفة الاقتصادية للحرب في سوريا وانعكاساتها على دول المنطقة بلغت نحو 35 مليار دولار. وتشمل هذه الكلفة خسائر الاقتصاد السوري وخمس دول مجاورة هي العراق ومصر ولبنان والاردن وتركيا التي تاثرت بدرجات متفاوتة مباشرة من النزاع السوري الذي خلف نحو 260 الف قتيل في خمس سنوات.
اما في مجال العمالة والصناعات التي يحتاجها السوريون او تلك التي يتم تصديرها الى الخارج، فقد حدث فيها تراجعا واضحا كما في صناعة النسيج، حيث تشكل هذه الصناعة 63 في المئة من القطاع الصناعي في سوريا، ويعمل فيها حوالى عشرين في المئة من اليد العاملة وتؤمن 12 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. وبلغت الصادرات قبل النزاع حوالى 3,3 مليار دولار سنويا لتتراجع بنسبة خمسين في المئة العام 2014، وفق تقرير للمنتدى الاقتصادي السوري، ومع ذلك تستعد سوريا لتصدير ما يقرب من 700 ألف طن من الحمضيات الى روسيا بعد ان رفضت روسيا شراءها من تركيا بسبب ازمة اسقاط الطائرة الروسية.
وفي ظل ازمة الحرب انتشرت البطالة بين السوريين على نحو واسع جدا وتوقفت الصناعة في القطاع الخاص او ضعفت كثيرا مما حدا بالدولة ان توظف ملايين العمال حيث توظف الحكومة السورية حاليا اكثر من نصف اليد العاملة في البلاد بعدما دمر النزاع المستمر منذ نحو خمس سنوات جزءا كبيرا من قطاعها الخاص، وفق ما اوردت نشرة "سيريا ريبورت" الاقتصادية. وتستند النشرة الالكترونية في تقديرها لهذا العدد الى تصريحات لوزير العمل السوري خلف العبدالله في نهاية تشرين الاول/اكتوبر قال فيها ان الدولة توظف حاليا 2,2 مليون شخص. وافادت النشرة الاقتصادية بانه "في حال كان الرقم صحيحا، فهذا يعني ان عدد موظفي القطاع العام ارتفع بنسبة61 في المئة خلال اربع سنوات، اذ انه في العام 2010 بلغ عدد الموظفين 1,36 مليون من اصل 5,5 ملايين يد عاملة". وقد اثر ذلك على العملة السورية على نحو كبير.
500 ليرة مقابل الدولار
في هذا السياق هبطت العملة السورية إلى مستوى قياسي منخفض دون 500 ليرة مقابل الدولار في السوق السوداء بفعل شكوك في إمكانية حل سريع ينهي الحرب التي تعصف بالبلاد منذ خمس سنوات والتي تشير تقديرات إلى أنها كلفت البلاد حوالي 260 مليار دولار. وتعكس أسعار الليرة يوم الخميس -التي قال مصرفي ومتعامل في النقد الاجنبي إنها تباينت من محافظة إلى اخرى في سوريا- هبوطا يزيد عن 90 بالمئة في قيمتها منذ تفجرت الأزمة في مارس أذار 2011 لتهوي بالبلاد إلى حرب أهلية.
وفشلت محادثات في جنيف بدأت قبل أسبوعين سعيا إلى تسوية سياسية في إثارة أجواء تفاؤل تذكر. وقال مصرفي مقره دمشق طلب عدم نشر إسمه "الدولار أصبح عملة ملاذ آمن.. توجد آمال قليلة بأن محادثات جنيف ستضع نهاية للصراع... لا يبدو أن القتال توقف." وتشير تقديرات من منظمة تساندها الامم المتحدة جرى تحديثها هذا الشهر إلى أن التكلفة المادية لخسائر الحرب حتى الان تبلغ 89.9 مليار دولار. وقدمت الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا تقديرا آخر قدره 169 مليار دولار "لتكلفة الفرص الضائعة" الناتجة عن الهبوط الحاد لمستويات الناتج المحلي الاجمالي منذ 2012. ومازالت الليرة تعاني بسبب مخاوف من تأثيرات الخفض الكبير للقوات العسكرية الروسية في سوريا على الرغم من مكاسب حققها الجيش السوري منذ الاعلان عن الانسحاب الروسي في الأسبوع الماضي.
وقال علاء ديرانية رئيس جميعة الصرافيين الأردنيين في البلد الجار لسوريا "الخوف بعد الانسحاب الروسي من أن النظام قد يسقط أثار مشتريات مذعورة للدولارات في السوق وهذا عامل نفسي مهم يؤثر على الليرة منذ ذلك الحين." وأضاف قائلا "ما الذي يدفع أحدا للاحتفاظ بالليرة السورية؟ الناس يرون أن مدخراتهم تتبخر أمام أعينهم. مليون ليرة كانت تعادل 21 ألف دولار .. والان قيمتها لا تزيد عن ألفين دولار." وقال ديرانية -وهو على إتصال يومي بصيرافة في سوريا- إن الليرة سجلت 500 مقابل الدولار في السوق السوداء في دمشق يوم الخميس وبدأت التداول عند 495 في حلب. وحدد البنك المركزي السوري سعر العملة عند أقل قليلا من 443 ليرة بحسب رويترز.
كلفة الحرب في سوريا 35 مليار دولار
من جهتها اشارت اشارت تقديرات نشرها البنك الدولي الى ان الكلفة الاقتصادية للحرب في سوريا وانعكاساتها على دول المنطقة بلغت نحو 35 مليار دولار. وتشمل هذه الكلفة خسائر الاقتصاد السوري وخمس دول مجاورة هي العراق ومصر ولبنان والاردن وتركيا التي تاثرت بدرجات متفاوتة مباشرة من النزاع السوري الذي خلف نحو 260 الف قتيل في خمس سنوات.
ولا تشمل هذه الكلفة الموارد التي خصصتها الدول المجاورة لسوريا لتقديم الخدمات الاساسية للاجئين الذين تدفقوا خصوصا على لبنان والاردن، بحسب البنك. وجاءت هذه الارقام في تقرير البنك الدولي الفصلي حول الشرق الاوسط الذي نشر في اليوم ذاته الذي تعهد فيه المجتمع الدولي خلال اجتماع بلندن بتوفير اكثر من عشرة مليارات دولار لمساعدة سوريا وذلك حتى 2020. وبحسب البنك الدولي فان كلفة الاضرار المادية في ست مدن سورية بينها حمص وحلب، تتراوح بين 3,6 و4,5 مليارات دولار. واشار التقرير الى ان دول الجوار تواجه "ضغطا هائلا على الميزانية" في الوقت الذي تواجه فيها اقتصاداتها اصلا صعوبات. وقدر البنك كلفة اللاجئين سنويا على لبنان وحده ب 2,5 مليار دولار بحسب رويترز.
خفض اعتمادات الدعم الاجتماعي في ميزانية 2016
في سياق مقارب انخفضت اعتمادات الدعم الاجتماعي في موازنة الحكومة السورية لعام 2016 بنسبة 14 في المئة مقارنة عما كانت عليه العام الحالي، في وقت يعيش نصف السكان في فقر شديد مع استمرار النزاع الذي تشهده البلاد منذ نحو خمس سنوات. وذكرت وكالة الانباء الرسمية (سانا) ان الرئيس السوري بشار الاسد اقر الاثنين قانون الموازنة لعام 2016 بمبلغ اجمالي قدره 1980 مليار ليرة سورية (5.8 مليار دولار)، مقابل 1554 مليار ليرة سورية عام 2015.
ويبلغ سعر صرف الدولار الاميركي مقابل الليرة السورية حاليا 340 ليرة سورية مقابل مئتي ليرة سورية في الفترة نفسها من العام الماضي. وتخصص قرابة نصف اعتمادات موازنة 2016 (49 بالمئة) اي ما قيمته 973.25 مليار ليرة (2.86 مليار دولار) للدعم الاجتماعي، وخصوصا الكهرباء والمحروقات والخبز والارز والسكر. وبلغ اعتماد الدعم في موزانة 2015 نحو 983.5 مليار ليرة اي ما يعادل 63 في المئة من الموازنة. ويأتي خفض الدعم للسلع الاساسية بعد ايام من اعلان جمعية حماية المستهلك تراجع القدرة الشرائية للفرد في سوريا بنسبة ثمانين في المئة منذ اندلاع النزاع في اذار/مارس 2011، بحسب ما نقلت صحيفة الوطن الخميس.
وحافظت الموازنة على اعتمادات الاعمار واعادة تاهيل المنشات العامة والتعويض عن الاضرار التي لحقت بالمنشآت الخاصة بمبلغ 50 مليار ليرة سورية (147 مليون دولار). وشكلت اعتمادات العمليات الجارية 74.2 في المئة من موازنة 2016 مقابل 73.6 في المئة من موازنة 2015. وارتفعت قيمة الاستثمارات الى 510 مليار ليرة (1.5 مليار دولار)، اي ما يشكل نسبة 25.7 في المئة من الموازنة مقابل 410 مليار ليرة عام 2015.
ولم تشر الوكالة الرسمية الى العائدات والديون والعجز، كما لم تورد حجم عائداتها. وتقتصر موارد الدولة راهنا على الضرائب المحصلة من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام. ويفيد تقرير صادر في ايار/مايو 2014 عن المركز السوري لبحوث السياسات، وهو مركز غير حكومي تستند اليه الامم المتحدة في اصدار تقاريرها، بأن ثلاثة أرباع السوريين اصبحوا من الفقراء، وأكثر من نصف السكان يعيشون في فقر شديد. وتمر سوريا بازمة اقتصادية لا سابق لها نتيجة النزاع الذي تسبب بمقتل 250 الف شخص وتدمير هائل في المباني والبنى التحتية بحيب فرانس برس.
زيادة كبيرة في الوظائف العامة
من جهتها توظف الحكومة السورية حاليا اكثر من نصف اليد العاملة في البلاد بعدما دمر النزاع المستمر منذ نحو خمس سنوات جزءا كبيرا من قطاعها الخاص، وفق ما اوردت نشرة "سيريا ريبورت" الاقتصادية. وتستند النشرة الالكترونية في تقديرها لهذا العدد الى تصريحات لوزير العمل السوري خلف العبدالله في نهاية تشرين الاول/اكتوبر قال فيها ان الدولة توظف حاليا 2,2 مليون شخص. وافادت النشرة الاقتصادية بانه "في حال كان الرقم صحيحا، فهذا يعني ان عدد موظفي القطاع العام ارتفع بنسبة61 في المئة خلال اربع سنوات، اذ انه في العام 2010 بلغ عدد الموظفين 1,36 مليون من اصل 5,5 ملايين يد عاملة".
واضافت "باعتبار ان جزءا كبيرا من الـ5,5 ملايين غادروا البلاد او فقدوا وظائفهم منذ ذلك الحين، فان الرقم الذي اعلنت عنه الحكومة يعني ان غالبية اليد العاملة تعمل او تعتمد على الحكومة مقابل ربعها فقط في العام 2010". وبحسب "سيريا ريبورت،" فان هذه الزيادة المتمثلة بـ840 الف شخص خلال اربع سنوات ناتجة في جزء منها عن احتساب الحكومة الجنود في عداد موظفيها، الامر الذي لم تكن تفعله سابقا. وبلغ عديد الوحدات المقاتلة في الجيش السوري 300 الف قبل بدء النزاع العام 2011 بحسب محللين، لكن الرقم انخفض خلال سنوات الحرب بسبب الخسائر البشرية التي مني بها.
ويتحدث التقرير كذلك عن زيادة بمعدل 75 الف موظف سنويا في قطاع الخدمات العامة، بمعدل 300 الف وظيفة خلال اربع سنوات. وبحسب التقرير، ليس واضحا اذا كان هذا الرقم يتضمن المقاتلين الموالين للنظام الذين يساندون الجيش في عملياته العسكرية، الا ان ذلك يبقى محتملا، اذ من المستبعد جدا من وجهة نظر اقتصادية ان تتمكن الدولة من استحداث وظائف في غياب اي استثمارات عامة بحسب فرانس برس.
مساهمون في بورصة دمشق يحلمون بمرحلة ما بعد الحرب
في هذا السياق واظب محمد الحراكي على التوجه الى مقر بورصة دمشق التي تحتضر منذ بدء النزاع قبل نحو خمس سنوات، معولا على انتعاش قيمة تداول الاسهم والاوراق المالية، في حلم طال انتظاره. ومنذ افتتاح البورصة قبل ست سنوات، اشترى الحراكي البالغ من العمر 52 عاما والذي يعمل في قطاع الاسهم والشركات منذ ثلاثين عاما، أسهما بملايين الليرات السورية، آملاً بجني الأرباح. لكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن وتدهورت الاوضاع تدريجيا مع بدء الحرب التي تشهدها سوريا منذ اذار/مارس 2011.
ويقول الحراكي لوكالة فرانس برس "بدأت الحضور إلى البورصة منذ اليوم الأول لإنشائها في آذار/مارس 2009، كنت حينها أعدّ أرباحي بشكل يومي. أما الآن فآتي لأحسب خسارتي الكبيرة"، مضيفا "لا أنوي بيع أيّا من الأسهم التي اشتريتها سابقا، لأنني حينها سأخسر حتما مرة أخرى". ويتابع الحراكي وهو يجلس على كرسيه الخاص في صالة سوق دمشق للأوراق المالية "البورصة شغفي الكبير"، قبل ان يضيف "حتى انني احيانا آتي الى هنا وأنام على هذه الأريكة".
وتم تداول 17,7 مليون سهم بقيمة 7,8 مليار ليرة سورية العام 2011، مقابل التداول بـ25 مليون سهم العام 2014 ولكن بقيمة 3,3 مليارات ليرة سورية فقط. وارتفع تداول البورصة من 83 مليار ليرة سورية العام 2011 الى 125 مليار ليرة سورية العام 2014. لكن تلك الزيادة تبدو "وهمية" بسبب انخفاض قيمة العملة السورية مقابل الدولار، اذ بلغت قيمة الدولار الواحد 240 ليرة سورية في العام 2014 مقارنة مع ستين ليرة قبل ثلاث سنوات.
وفي صالة تتسع لحوالى 150 مقعدا مريحا من الجلد الاسود وامام شاشة عرض كبيرة لمؤشرات البورصة غالبا ما تكون سلبية، يلتقي الحراكي اسبوعيا، بين يومي الاثنين والخميس، بصديقه القديم عامر طعمة (50 عاما). ولم يمنع سوء الاوضاع الامنية وقذائف الهاون التي تسقط مرارا على دمشق لقاء الصديقين هذا. ويقول طعمة لوكالة فرانس برس "لم أتغيّب عن جلسة واحدة من جلسات التداول. قبل الحرب كانت القاعة مليئة بالمستثمرين والمضاربين والوسطاء، أما اليوم فلا يوجد إلا نحن الاثنين وبعض الموظفين. لقد رحل الجميع".
وافتتحت بورصة دمشق أبوابها في آذار/مارس العام 2009 في إطار سياسة "تحرير الاقتصاد" التي اطلقت إثر اعتماد "اقتصاد السوق الاجتماعي" خلال انعقاد المؤتمر القطري لحزب البعث الحاكم في سوريا في حزيران/يونيو العام 2005. وبدأت بورصة دمشق العمل مع ادراج اسهم تسع شركات للتداول، ثم ارتفع العدد الى 24 شركة مع نهاية العام 2015، ومعظمها عبارة عن مصارف وشركات تأمين. لكن المداولات تتم عمليا عبر ست شركات ناشطة فقط.
ويعتبر المدير التنفيذي لسوق دمشق للأوراق المالية مأمون حمدان أن "مجرّد بقاء أبواب البورصة مفتوحة في دمشق هو انتصار على رغم ظروف الحرب". ويوضح لوكالة فرانس برس "كانت البورصة حلما يراود الاقتصاديين السوريين منذ سنوات طويلة (...) لكن الأزمة كبحت جماحنا في العام 2011، ونحن الآن جميعا بانتظار أن تضع الحرب أوزارها كي نبدأ مشروعنا الاقتصادي من جديد". ويرى المحلل الاقتصادي السوري جهاد يازجي أن استمرارية سوق دمشق للأوراق المالية "لا يتعدى كونه محاولة من محاولات الحكومة السورية إظهار أن كل شيء على ما يرام والاقتصاد يسير وفق حركته الطبيعية". ويضيف يازجي "تعطي البورصة انطباعا بالحداثة، وتُدخل اقتصاد الدول في معايير الأسواق العالمية، لذلك من المهم للحكومة السورية أن تحافظ على هذا المعيار الذي تعده جزءا من شرعيتها".
ويوضح ان الشركات تهتم ايضا بأن تبقى مدرجة في البورصة على رغم تدني مستوى التداول. ويعود ذلك بحسب قوله الى كون "البورصة إضافة علمية ووزن إضافي في السوق أمام المستهلكين وباقي المستثمرين".
وعلى رغم الخسائر المتراكمة التي مني بها، يصر الحراكي على شراء المزيد من الاسهم. ويقول "يعتبرني البعض مجنونا لأني مستمر بشراء الاسهم بعد خمس سنوات من الحرب، كما انني احتفظ بأسهمي القديمة" مضيفا "لدي أسهم في كافة الشركات المدرجة في البورصة، وأنا مستعد لشراء أسهم في أي شركة جديدة يمكن أن تدخل اليها". ويمسك الحراكي بنظارته وينظفها بقطعة من القماش، ويبرر تمسكه بالبورصة بان "سعر الأسهم رخيص نسبيا في الوقت الحالي، ويجب أن أستفيد من هذه الفرصة. عندما تنتهي الحرب ستعود الأسهم الى قيمتها الحقيقية، وحينها أبيع أسهمي وأربح فيها مجددا (...)".
ويقر رجل الاعمال بأن "هذا النمط من الاستثمار يتطلب صبرا ونفسا طويلا". ويبدو أن باقي المستثمرين يتبعون الخطة ذاتها فيتمسكون بأسهمهم رافضين بيعها. وفي هذا الصدد يقول ضياء حجازي، المدير العام لشركة ضمان الشام للوساطة والخدمات المالية، "كل المستثمرين يحتفظون بأسهمهم على أمل بيعها حين تنتهي الحرب وتبدأ فترة إعادة الإعمار". ويشرح طعمة من جهته أن "قيمة الأسهم في شركات البورصة وهمية، لأنها أدنى من القيمة الحقيقية، ولهذا السبب أيضا يحافظ المستثمرون على الأسهم الخاصة بهم دون بيعها".
سوريا تستعد لارسال 700 الف طن من الحمضيات الى روسيا
من جهتها تستعد دمشق لارسال اكثر من 700 الف طن من الحمضيات الى موسكو التي توقفت عن استيراد المحاصيل التركية عقب اسقاط احدى طائراتها، وفق ما اعلن رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية فارس الشهابي لوكالة فرانس برس.
وقال الشهابي "جهزنا 700 الف طن من الحمضيات، معظمها من البرتقال، لكي نرسلها الى الاسواق الروسية، بهدف تغطية النقص الذي سينتج عن فرض العقوبات على الحمضيات المستوردة من تركيا". واشار الى ان "الشحنة الاولى انطلقت الى روسيا" من دون تحديد الكمية، مضيفا ان منتجات اخرى سيتم ارسالها ايضا، بينها النسيجيات والالبسة.
وفرضت موسكو التي بدات حملة جوية في سوريا منذ اكثر من شهرين، عقوبات بحق تركيا استهدفت اساسا السياحة والزراعة والطاقة والمقاولات والاشغال العامة، بعد اسقاط انقرة طائرة روسية على الحدود التركية السورية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر.
وقال رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها سامر الدبس، وفق تصريحات نقلتها وكالة الانباء السورية الرسمية "سانا" الثلاثاء، ان العقوبات التى فرضتها موسكو على انقرة "تركت فراغا مهما وبالتالي فرصة حقيقية للمنتجات السورية كي تملأه". واكد "بدء الاستعدادات لتنظيم زيارة وفد اقتصادي من رجال الاعمال والصناعيين السوريين الى روسيا لبحث فرص التعاون". وبحسب وزارة الزراعة، يتجاوز انتاج الحمضيات في سوريا 1,05 مليون طن سنويا، وتزرع بشكل خاص في المناطق الساحلية تحت سيطرة قوات النظام وتحديدا في اللاذقية وطرطوس. وتعد روسيا حليفة رئيسية للنظام السوري، وتوفر له منذ بدء النزاع عام 2011 دعما دبلوماسيا وسياسيا واقتصاديا بحسب فرانس بريس.
صناعة الالبسة والنسيج في سوريا
في هذا السياق تقف ريم ابو دهب في الزاوية المخصصة لها في معرض مخصص للالبسة السورية في بيروت، وحولها منتجاتها من ثياب نوم سوداء وزهرية اللون، معولة على جذب زبائن تفتقدهم في بلادها الغارقة في الحرب منذ خمس سنوات. وتقول ابو دهب لوكالة فرانس برس "كان التجار يأتون من كل دول العالم، لكنهم باتوا يخافون بعد الحوادث، ولم يعد يأتي احد الى سوريا". وشكلت صناعة النسيج والالبسة قبل اندلاع النزاع في سوريا واحدة من ابرز القطاعات الانتاجية في البلاد، وتخطت صادراتها الدول العربية الى اوروبا. لكن الانتاج تدهور منذ العام 2011 شأنه شأن باقي القطاعات الاقتصادية التي انهكتها الحرب، لا سيما مع تعرض المصانع للتدمير ونزوح العاملين بالاضافة الى تداعيات العقوبات الغربية على دمشق.
وكانت عائلة ابو دهب تملك مصنعها الخاص وزبائنها الكثر في مدينة حرستا، التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة المعارضة في الغوطة الشرقية في ريف دمشق. لكن الحرب دفعت العائلة الى ترك هذا المصنع الكبير واستبداله بمشغل صغير في العاصمة. وتقول ابو دهب بأسى "كان لدينا مئة موظف اما الآن فلم يعد هناك سوى ثلاثين"، مضيفة "اضطررنا لان نذهب الى خارج البلاد ونشارك في معارض خارجية في بيروت ومصر مثلا" لتعويض نقص الطلب على المنتجات في سوريا. وسيدة الاعمال هذه واحدة من نحو مئة من منتجي الالبسة السوريين الذين جاؤوا الى بيروت نهاية الشهر الماضي للمشاركة في معرض بعنوان "سيريامود"، في محاولة لتسويق منتجاتهم لا سيما ان التجار اللبنانيين لم يعودوا يخاطرون بالتوجه الى سوريا.
وشارك محمد دعدوش الذي يقول انه يمتلك واحدا من اكبر مصانع الالبسة الداخلية وثياب النوم في دمشق، في المعرض ايضا. ويوضح لوكالة فرانس برس انه لا يزال يوظف 450 شخصا، والعديد منهم ينامون في المصنع حين تتصاعد اعمال العنف. ويعرب دعدوش وهو يقف في منصة العرض المخصصة لمنتجاته لا سيما ثياب النوم القطنية، عن فخره لتمكنه من الحفاظ على تجارته وجودة منتجاته. ويشير بيده الى الالبسة المحيطة به ويقول مبتسما كلها "صناعة يدوية". ويبذل التجار قصارى جهدهم لمواصلة الانتاج في دمشق، الاكثر امنا نسبيا من بقية المدن السورية.
وتشكل صناعة النسيج 63 في المئة من القطاع الصناعي في سوريا، ويعمل فيها حوالى عشرين في المئة من اليد العاملة وتؤمن 12 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. وبلغت الصادرات قبل النزاع حوالى 3,3 مليار دولار سنويا لتتراجع بنسبة خمسين في المئة العام 2014، وفق تقرير للمنتدى الاقتصادي السوري. ويقول رئيس رابطة المصدرين السوريين للالبسة والنسيج فراس تقي الدين لفرانس برس "اغلقت الحرب او دمرت سبعين في المئة من مصانع (النسيج)" في سوريا. وتعرضت مصانع مدينة حلب (شمال)، العاصمة الاقتصادية السابقة لسوريا، للجزء الاكبر من الدمار، اذ تشهد المدينة منذ صيف 2012 معارك مستمرة بين قوات النظام التي تسيطر على احيائها الغربية وفصائل المعارضة التي تسيطر على احيائها الشرقية.
ويقول علاء الدين مكي، صاحب مصنع للالبسة الداخلية في مدينة حلب، "تدمرت ماكينات وسرقت اخرى او تم تهريبها الى تركيا". وبعدما كان عمله مزدهرا ويضم مصنعه ما بين "200 الى 400 ماكينة"، بات يعتمد اليوم لمواصلة انتاجه على "حوالى عشر آلات صغيرة"، في وقت هاجر معظم العمال بسبب الاوضاع وهرب آخرون بسبب الخدمة العسكرية.
وعلى رغم التحديات، ابقت صناعة الالبسة والنسيج السورية على صيتها الجيد. وجذب معرض بيروت نحو 500 تاجر من منطقة الشرق الاوسط، بينهم المصري فادي بهاء الذي يمتلك سلسلة متاجر لبيع الالبسة في بلاده. ويقول بهاء لوكالة فرانس برس "اشتري الاقمشة السورية بسبب جودتها، فهي افضل من الصناعات التركية او الصينية"، مضيفا "يعجبني كيف تجمع الصناعات السورية بين الازياء الشرقية والاوروبية".
وساهمت عوامل عدة في نجاح منافسين آخرين مثل الصين وتركيا على حساب المنتجات السورية، ومن بينها ارتفاع كلفة الانتاج وتراجع اليد العاملة في سوريا. وقبل اندلاع النزاع في اذار/مارس 2011، كان دعدوش يصدر سبعين في المئة من منتجاته الى اوروبا، الا ان تلك النسبة تراجعت اليوم الى عشرة في المئة فقط، على حد قوله. ويلقي منتجون اللوم ايضا على العقوبات التي تفرضها الدول الغربية على سوريا على خلفية قمع النظام للحركة الاحتجاجية التي بدأت ضده في 2011 قبل ان تتطور الى نزاع دام اسفر عن مقتل ما يزيد عن 260 الف شخص وتدمير هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد اكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها. ويعتبر تقي الدين ان من "مصلحة" الدول الاوروبية دعم الصناعات السورية لتبقي السوريين في بلادهم وبالتالي تتفادى ازمة اللاجئين التي تواجهها، مضيفا "حين يبقى العمال السوريون من دون عمل، سيسعون للذهاب الى اوروبا"، ويصر الكثيرون في هذا القطاع على انقاذه من تداعيات الحرب والحفاظ على جودة منتجاته. ويختم تقي الدين بالقول "من المهم جدا ان نظهر ان الصناعة السورية لا تزال على قيد الحياة".
اضف تعليق