يقع على عاتق الحكومة الكثير من المهام والوجبات ومنها دورها المهم الذي تلعبه في أي نظام اقتصادي رغم ان مدى مشاركتها يتغير كثيرا من دولة لاخرى، فهي مسؤولة عن توفير الموارد المالية التي تلبي احتاجيات المجتمع المختلفة، ويقصد بالموازنة الحكومية هي المالية العامة التي تحصل عليها الدولة من قبل عدة طرق تنتهجها للحصول عليه لأدارة اقتصادها والحفاظ على استقرارها التجاري وقيمة عملتها المحلية الذي يؤدي الى تطور اقتصادها وصناعتها محلياً وعالمياً وتوفير البنى التحتية الضرورية لأستقرار الدولة.
في بادئ الامر اعتمدت الدول على تجميع الضرائب لتمويل موازنتها العامة حيث تقوم الدول بتوفير الرعاية الصحية المجانية والتعليم وهي ايضاً تدفع الاجور بدل البطالة للعاطلين او المرض او لكبار السن ان الدراسات الماليات العامة تبحث اساساً في كل الطرق والاساليب التي تتخذها الحكومة لجلب الاموال ثم تنفقها، كل هذه الاعمال مجتمعة تعرف بالسياسة المالية (الضريبية) وفي موضوعنا هذا سوف نبحث في طريقة تعامل الحكومة بتلك السياسة وتأثير هذه السياسة على النظام الاقتصادي للدولة.
هنا سوف نطرح معادلة للميزانية العامة وهي ان تساوت العوائد مع النفقات فأن الميزانية متوازنة، أما اذا فاقت النفقات العوائد تصبح الميزانية في حالة عجز واذا تجاوز الدخل (العائد) النفقات ففي هذه الحالة يحصل فائض بالموازنة العامة، اغلب الدول تنشر بيانات مواردها المالية بشكل دوري شهري بحيث تسجل حجم جميع العوائد الضريبية تطرح منها النفقات الحكومية وأية فوائد اخرى يجب ان تدفعها الحكومة على الديون الحالية، وجميع حالات العجز او الفائض كل شهر يشكل موازنة الدولة للعام المالي الحالي.
الفرق بين العجز والدين
وينبغي ان نوضح بحدوث اشتباه او نقول خطأ شائع وهو الخلط بين العجز والدين، فالدين القومي كما يطلق عليه هو اجمالي مبالغ العجز والفائض خلال فترة زمنية طويلة ويمثل التزامات الدولة الكاملة لذلك فكل عام تواجه فيه الدولة عجزاً يضاف هذا العجز الى الدين القومي ومع ذلك فأن الفائض في الميزانية يمكن استخدامه لدفع الدين.
ويمكن ان نعبر عن كل من الدين العام والميزانية السنوية من خلال ارقام مالية الا انه من الافضل ان نعتبرها نسبة مئوية من الناتج الاجمالي المحلي، أي كنسبة من الناتج الاجمالي الاقتصادي للدولة وهذا يجعل كلاً من المقارنات التأريخية والدولية اكثر سهولة اذ من الواضح انه كلما ازداد حجم النظام الاقتصادي كلما كان ازدياد العجز او الدين من الناحية النقدية محتملاً.
موارد رفد الميزانية (من اين تحصل الحكومة على المال)
ان الاموال التي تدخل الى الميزانية العامة للدولة تأتي من الضرائب التي تفرضها الدولة مثل ضرائب المبيعات الداخلة والخارجة من الدولة او الرسوم التي تفرض على السلع وهناك انواع مختلفة من الضرائب التي تفرض على الصناعات والمعاملات التجارية سواء كانت ضرائب تفرض على سلعة معينه او رسوماً تضاف على الوقود وغير ذلك، ولا تقتصر موارد تمويل موازنات الدول على الضرائب فحسب بل هناك دول تعتمد على بعض الموارد الطبيعية او على العمليات التجارية كتصدير منتجاتها للخارج، كما وتعتمد بعض الدول على ايراداتها من السياحة لتمويل موازناتها.
من ناحية اخرى فأن الانفاق يشمل جميع الاموال التي تضطر الحكومة الى دفعها لتوفير الخدمات مثل المستشفيات والمدارس ففي بريطانيا مثلاً يستهلك الانفاق على مؤسسة الصحة العامة مايقرب 20% من اجمالي الانفاق العام، اما الانفاق على الامن المجتمعي فهو اقل من 30%.
الخبراء الاحصائيين يفضلون التفرقة بين الانفاق الجاري والانفاق الاساسي نبين الانفاق الجاري وهو عبارة عن اموال تنفق على اسباب الرفاهية او على اجور ورواتب العاملين بالقطاع العام ويمكن تسميته التكاليف المستمرة للدولة، اما الانفاق الاساسي فهو الاموال التي يتم انفاقها على البنى التحتية للدولة من بناء المستشفيات او شق الطرق وتعبيدها او بناء المرافق العامة وان الاستثمارات الكبرى تعد من الانفاق الاساسي للدولة وقد لا تتكرر احياناً.
الميزانية الاولية
غالبا ما يتحدث الاقتصاديون عن الميزانية الاولية التي هي موازنة تستبعد تكلفة مدفوعات الفوائد المقررة على الديون الحالية، وكذلك يؤيد العديد من خبراء الاقتصاد محاولة موازنة ميزانية الحكومية بناءً على التقلبات التي تشهدها دورة النظام الاقتصادي، لا يوجد في الواقع اطار زمني لأية دورة لكن يمكن النظر اليها على انها عدد من السنوات التي تشهد تباينات كبرى في سرعة وسع الناتج الاقتصادي النهائي.
عندما ينمو الاقتصاد بسرعة فأن عوائد الحكومة تتجه نحو الزيادة لأن المزيد من الناس يشرعون بالعمل وسيربحون مزيداً من المال، والذي سيؤدي الى دفعهم المزيد من الضرائب وفي نفس الوقت قد تقوم الحكومة بدفع بدلات بطالة اقل ومن ثم يسهل على الحكومة تحقيق نوع من الفائض، اما عندما يبطئ النظام الاقتصادي من تسارعه فأن عوائد الحكومة تتجه الى الهبوط لأن العديد من الناس سوف يفقدون وظائفهم بالتالي الشركات تحقق ارباح اقل وفي مثل تلك الظروف قد يزيد الانفاق الحكومي نظراً لأرتفاع مدفوعات بدلات البطالة والنتيجة هي انه من السهولة للحكومة ان تسير نحو العجز.
دور الحكومة (كيف يمكن ان يساعد الانفاق الحكومي في ادارة الاقتصاد)
يتجه الانفاق الحكومي نحو الزيادة وتتجه عوائد الضرائب نحو الهبوط اثناء حالات التقلص الاقتصادي تلقائياً، كما يحدث العكس ايضاً في حالة الانتعاش الاقتصادي ويكون ذلك حسب طبيعة الدورة الاقتصادية والتجارية وتأثيراتها، ويطلق على هذه العملية اصطلاح المثبتات التلقائية، ولكن الحكومة هي التي تفرض اسعار الضرائب وهي التي تصدر القرارات الخاصة بالانفاق وهذا يطلق عليه السياسة المالية الاختيارية.
اما الدور الاخر الذي ينبغي ان تلعبه الدولة في النظام الاقتصادي فهو مسألة جدال ومعارضات تظهر الانقسام داخل الخطوط السياسية، ان احد الاراء الشائعة في العديد من النظم الاقتصادية المتقدمة يتمثل في مبدأ عدم التدخل وهو مصطلح فرنسي يعني حرفيا "اتركه وشأنه" أو بالأحرى دعه يفعل ما يشاء، حسب هذا الرأي يجب على الحكومة ان تقلل من تدخلها وان تدع القطاع الخاص يحقق النمو، هناك طرف اخر نقيض بالتمام عن الرأي الاول وهو ان هذا الطرف يدعو الى استخدام اسلوب التدخل بصورة اكبر واوسع فأصحاب هذا الرأي يرون الحكومة لابد ان يكون لها الدور المسيطر بحيث تتحكم في الصناعات الرئيسية وتوفير الخدمات والحقيقة ان معظم النظم الاقتصادية المتقدمة تجد مكانها بين هذين الطرفين وهو ان تعطى الحرية للاقتصاديات الخاصة العمل في النظام الاقتصادي لكن على الحكومة ان تضع الشروط اللازمة في سياق عمل القطاع الاقتصادي في السوق والنظام الاقتصادي للدولة ككل لتمنع الغبن الفاحش وتبث روح التنافس لتقديم افضل الخدمات والسلع لأفراد المجتمع.
اسلوب كينيس
اكد عالم الاقتصاد جون مينارد كينيس في القرن العشرين على الدور النشط للحكومة في المساعدة على تيسير حالات الانتعاش او الركود في دورة النظام الاقتصادي.
لكن كيف يسهم التدخل الحكومي في ذلك بالفعل؟ يمكن استخدام السياسة المالية اما بصورة مباشرة او غير مباشرة لتأثير على الطلب، كما ان قرارات الانفاق تؤثر في النظام الاقتصادي مباشرة وفي الضرائب بصورة غير مباشرة.
لنفترض ان النظام الاقتصادي في حالة ركود وان الطلب في حالة ضعف، يمكن للحكومة ان تاخذ خيار توسع السياسة المالية، بمعنى اخر، اما ان تخفض الضرائب او ان تزيد من عملية الانفاق، خفض الضرائب سيوفر المزيد من المال في جيوب الناس و لذلك سيستطيعون التجول و انفاق المزيد من تلك الاموال، وهذا سيؤدي بصورة غير مباشرة الى انعاش الطلب الكلي، اما رفع الضرائب فسيؤدي الى عكس ذلك وقد يؤدي الى القضاء تقريبا على الطلب.
من ناحية اخرى فأن انفاق الدولة يمكن ان يكون له تأثير مباشر على الاقتصاد حيث ان الاموال الاضافية تستخدم لشراء السلع والخدمات التي لم يتم الطلب عليها من قبل، لكن حسب رأي خبراء الاقتصاد المؤيدين لكينيس لا يقف او ينتهي اثر الانفاق الحكومي الزائد او تخيفض الضرائب عند هذا الحد، فلذلك تأثير قوي يؤدي الى انتعاش الاقتصاد بصورة كبيرة.
نفترض ان الحكومة خفضت الضرائب وكان على كل اسرة ان تحصل على 50 ورقة نقدية زيادة في كل شهر وتلك الزيادة ستقوم الاسر بأنفاقها، وسيقوم اصحاب المحلات التي قامت الاسر بأنفاق ارباحها المفاجئة بها بتكوين المزيد من الاموال، و بالتالي سيطلبون المزيد من السلع من اصحاب المصانع الذين سيكونون بدورهم المزيد من الاموال ايضا، هذا ما يطلق عليه اصطلاح المضاعف المالي.
ازدادت اراء كينيس شهرة خاصة بعد الحرب العالمية الثانيه عندما ادت الجهود العسكرية الكبيرة واعادة البناء الاجبارية الى انتعاش هائل في الاقتصاد العالمي، كان الاتجاه السائد في معظم فترات الخمسينيات والستينيات بين معظم حكومات العالم هو انفاق تلك الحكومات على ضرورة سعيها الى ايجاد حلول للمشكلات على المدى القريب لا ان تترك قوى السوق لتتعامل على المدى البعيد.
لكن كينيس لم يكن يؤيد فكرة تطبيق السياسة المالية الطليقة طوال الوقت، فالسياسة ينبغي ان تكون طليقة او مرنة بهدف مواجهة حالات التقلص الاقتصادي، كما انه كان يؤمن ايضا ان سياسة التقليص ضرورية في حالة الانتعاش الاقتصادي لكبح جماح التضخم.
تبين لنا مما تقدم ان الحكومة هي المسؤولة المباشرة عن السياسة الاقتصادية للدولة ولذلك يجب عليها وضع الخطوط العامة لأقتصاد الدولة ليكون اقتصاد متكامل، و رفد هذا الاقتصاد بالموارد المالية اللازمة وادارة هذه الموارد بافضل الطرق والاساليب المتطورة لتوفر اكبر قدر من الخدمات لافرادها وتعمل على رفع المستوى الاقتصادي والصناعي والزراعي والتجاري، اضافةً الى الجانب الصحي والتعليمي من خلال الموارد المتاحة وتسعى الى تعظيم هذه الموارد، ان الفرق بين ما تجمعه الحكومة من اموال وما تنفقه هو مدار الموضوع الذي تم مناقشته هي الميزانية العامة ويكون جمع هذه الاموال من خلال الضرائب وموارد اخرى تم ذكرها سابقاً ثم تنفقها الحكومة على الخدمات من طرق وجسور وسلع ضرورية، واي اخفاق يسمى عجز يضطر الحكومة الى توفير المال اللازم لسد العجز ويكون من خلال الاقتراض الداخلي او الخارجي.
اضف تعليق