تحت اسم شركات وهمية، وإنشاء حسابات تتمتع بسرية تامة لا تخضع لأي قوانين خاصة بالمراقبة، تحايل عدد كبير من رجال الأعمال، ورؤساء دول لإيداع أموالهم في الأماكن الموجودة فيها الجزر المعروفة “بالملاذات الضريبية”، للتهرب الضريبي، ووضع هذه الأموال في ملفات السرية، والتي تحولت إلى شبه عادية يتورط فيها الجميع، اذ ذكر يورغن موساكا الشريك المؤسس لمكتب المحاماة المتورط في فضيحة "أوراق بنما" ان التداعيات الناجمة عن ذلك ادت الى طفرة "مزدهرة" في الملاذات الضريبية في الولايات المتحدة
واضاف يورغن موساك شريك رامون فونسيكا في مكتب المحاماة في وثيقة حصلت عليها وكالة فرانس برس الخميس أنه بعد تسرب "أوراق بنما" قبل عام، انخفض عدد الملاذات الضريبية الجديدة التي تمت اقامتها بنسبة 30 في المئة في بنما وأماكن أخرى.
واسفرت قضية "أوراق بنما" التي نشرت قبل عام مع تسريب أكثر من 11 مليون وثيقة من مكتب "موساك فونسيكا" عن إجراءات حكومية جديدة ضد الاحتيال الضريبي، وقبل ان تكشف الفضيحة النطاق العالمي للملاذات الضريبية في العالم، كانت بنما آخر مركز مالي رئيسي يرفض كل تبادل للمعلومات المصرفية، لكن مذاك، اقرت بنما تشريعات جديدة ووقعت على مكافحة الاحتيال الضريبي، مع كل الشفافية المطلوبة، وطلب من مكاتب المحاماة في بنما بذل الحرص اللازم لمعرفة موكليها والمستفيدين النهائيين من الشركات التي تنشئها منذ عام 2015.
وبحسب وزارة الاقتصاد البنمية، انخفض تاسيس شركات اوف شور بنسبة 27 في المئة عام 2016 مقارنة بالعام السابق، ولم يتم القبض على أحد في فضيحة تسريبات بنما. وفي هذا البلد الواقع في أميركا الوسطى، لا يعتبر التهرب الضريبي جريمة، لكن تم وضع موساك وفونسيكا قيد الاحتجاز المؤقت بتهمة غسل الاموال ضمن تحقيق برازيلي حول الفساد المترامي الاطراف يطلق عليه تسمية "عملية غسيل السيارة".
وقد ادى نشر 11،5 مليون وثيقة عائدة لمكتب "موساك فونسيكا" في الثالث من نيسان/ابريل 2016، الى الكشف عن وجود منظومة كبيرة للتهرب الضريبي، يشارك فيها عدد كبير من المسؤولين السياسيين والرياضيين او من اصحاب المليارات في جميع انحاء العالم، وكتب موساك رسالته المؤرخة في العاشر من نيسان/ابريل وهو قيد الاحتجاز، حيث ذكرت المدعية العامة فى بنما، كينيا بورسيل، ان مكتبها يتعاون مع الدول الاوروبية التي تحقق في الاحتيال الضريبي الذي كشفت عنه "اوراق بنما".
واشارت "أوراق بنما" الى بعض ابرز القادة في العالم، وضمنهم مقربون من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون وآخرون لديهم شركات اوف شور لم يبلغوا عنها، واعطت فضيحة "اوراق بنما" التي كشفت عن تورط عدد كبير من الشخصيات في انحاء العالم في التهرب الضريبي زخما قويا لمحاولات وضع حد لهذه الممارسات، لكن هذه المسألة ما زالت تتطلب بذل مزيد من الجهود.
الشركات الاميركية الكبرى تودع 1600 مليار دولار في الجنات الضريبية
كشفت منظمة "أوكسفام" لمكافحة الفقر أن الشركات الأميركية الكبرى الخمسين وبينها آبل ومايكروسوفت تودع حوالى 1600 مليار دولار في جنات ضريبية للحد من الضرائب التي تدفعها في الولايات المتحدة، وأكد التقرير الصادر من اجتماعي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن، أن هذه الأموال التي تمثل أكثر من نصف إجمالي الناتج الداخلي الفرنسي، تفلت من دائرة الضرائب الأميركية بفضل شبكة "منعدمة الشفافية وسرية" تضم 1750 فرعا للشركات في الخارج.
وأعلن أحد مسؤولي أوكسفام روبي سيلفرمان في بيان أن "الشركات الساعية للتهرب من الضرائب تحرم الولايات المتحدة من 135 مليار من العائدات الضريبية التي لا تتم جبايتها كل سنة"، وتأتي شركة آبل في طليعة هذه القائمة مع إيداعها أكثر من 200 مليار دولار في الخارج، تليها مختبرات "بفيتزر" (193,6 مليار) ومجموعة "مايكروسوف" (124 مليار)، ويسمح القانون الأميركي للشركات بإيداع الأرباح التي تحققها في الخارج بصورة غير محدودة خارج الولايات المتحدة التي تفرض على الشركات ضرائب تعتبر من الأعلى بين الدول الصناعية (35% على المستوى الفدرالي).
وتعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بخفض هذه النسبة إلى 15%، وعرض على الشركات إعادة احتياطاتها المالية إلى الولايات المتحدة مقابل فرض عليها ضريبة لمرة واحدة بنسبة 10%، وانتقدت المنظمة الناشطة في مكافحة الفقر، الاقتراحين مؤكدة أنهما سيساعدان الشركات التي تحقق أرباحا طائلة والأثرياء من أصحاب الأسهم فيها، على حساب برامج مهمة لمعالجة الفقر، وبصورة عامة، فإن التخفيض الحاد للضريبة على الشركات الذي وعد به ترامب قد "يثير سباقا مدمرا إلى القعر حمل بلدانا عبر العالم على تخفيض نسب الضرائب على الشركات في السنوات الأخيرة".
وتابع سيلفرمان أن "الرئيس ترامب وعد بمعالجة نظام سياسي واقتصادي مغشوش، ورغم ذلك، فإن اقتراحاته لإصلاح النظام الضريبي لن تؤدي سوى إلى زيادة ثروة المجموعات الكبرى على حساب المواطنين العاديين والشركات الصغيرة، وأنه على الرئيس وقادة الكونغرس أن يعيدوا النظر في إصلاحاتهم ويبنوا نظاما ضريبيا مجديا للجميع وليس فقط للقلة الثرية".
مالطا تطالب الاتحاد الاوروبي بإبطاء مكافحة التهرب الضريبي
طالبت مالطا بروكسل بإبطاء وتيرة الاصلاحات التي اطلقتها في الاتحاد الاوروبي لمكافحة الاحتيال والتهرب الضريبي خشية تأثيرها على الاقتصاد الاوروبي، وصرح وزير مالية مالطا، المتهمة غالبا بأنها تعد ملاذا ضريبيا، إدوارد شيكلونا عند وصوله إلى اجتماع لنظرائه في الاتحاد الاوروبي الـ28 في فاليتا، "علينا التاكد من أن لدى الدول التي قد تتأثر بتنفيذ" اصلاحات مكافحة التهرب الضريبي نوعا من "اليقين" بشأن تطبيق هذه الاجراءات، وتتولى مالطا حاليا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، كما انها تتولى مبدئيا رئاسة المفوضية الاوروبية ويفترض بها ان تدعم سياسيا برنامجها على مستوى مكافحة الاحتيال والتهرب الضريبي.
لكن هذا البلد الصغير طرح في اجتماع السبت وثيقة تحليلية من 7 صفحات بعنوان "اليقين الضريبي في مناخ متبدل" حذرت من التسرع. وبينت الوثيقة انه "من الضروري اعطاء مهلة كافية لضمان الصياغة الصحيحة والاستيعاب والتطبيق السليمين لتشريع مماثل"، واعتبر مصدر اوروبي انه "من المفاجئ، خصوصا بعد فضيحة أوراق بنما، رؤية تلكؤ الرئاسة المالطية للاتحاد الاوروبي وسط توافق الدول الاعضاء والمفوضية على أجندة ضريبية جريئة". لكن شيكلونا رأى "تأويلا سيئا في القول ان هذه الوثيقة ترمي إلى إبطاء الأمور".
وأيده في ذلك نظيره البلجيكي يوهان فان اوفرتفيلت الذي صرح "اعتقد ان الرئاسة المالطية محقة في لفت الانتباه الى ضرورة تفادي المضي بسرعة مفرطة في هذا الاتجاه. فمن المهم ان تتبع مناطق اخرى في العالم (شمال افريقيا، اسيا) الوتيرة نفسها الى حد ما على الطريق نفسه"، اما الوزير الفرنسي ميشال سابان فشدد من جهته على ان النقاش الذي فتحه المالطيون "في محله" لافتا الى ضرورة "الانتباه بشأن طريقة معالجته".
من جهته اعرب المفوض الاوروبي للشؤون الاقتصادية بيار موسكوفيسي الذي يتصدر حملة مكافحة التهرب الضريبي، عن التحفظ إزاء المبادرة المالطية. وأفاد ان "الامن القانوني سينشأ عبر قواعد مشتركة في جميع أنحاء اوروبا للحد من الاحتيال والغموض الحالي. ولا يجوز استخدامه في أي حال كذريعة سياسية لوقف سيرنا في منتصف الطريق"، وتابع "ان المفوضية والدول الاعضاء لديها برنامج عمل صيغ بجهد مشترك. يجب مواصلة التقدم بوتيرة ثابتة، فالمواطنون الاوروبيون لم يعودوا يحتملون امتناع الشركات الدولية عن التسديد او تسديدها ضرائب أقل من المترتب عليها قانونا، وهم في ذلك محقون".
اجراءات لمنع تهرب الشركات المتعددة الجنسيات من الضرائب
تبنت الولايات المتحدة بشكل نهائي اجراءات تم اقتراحها وتهدف الى تفادي تهرب الشركات الاميركية المتعددة الجنسيات من الضرائب من خلال نقل مقارها الى الخارج او الى فروعها، وصرح وزير الخزانة الاميركي جاك لو ان هذه الاجراءات الادارية التي اتخذت بسبب "عدم تحرك الكونغرس" تهدف الى "جعل افلات الشركات المتعددة الجنسيات من تسديد الضرائب في الولايات المتحدة اكثر صعوبة".
واضاف لو ان هذه الاجراءات "ستحد ايضا من الامتيازات (التي يمكن ان تحصل عليها) المجموعات الاميركية في حال نقل مقرها الى الخارج"، وياتي تبني هذه الاجراءات بينما يسود توتر بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة حول الضرائب التي تسددها هذه المجموعات الكبير مثل آبل التي تطالبها المفوضية الاوروبي بتسديد 13 مليارات يورو من التسهيلات الضريبية التي حصلت عليها في ايرلندا، وذكر لو بان "هذه التطورات الاخيرة مثل تحقيقات المفوضية الاوروبية حول الدعم الحكومي سلطت الاضواء على هذه قضية" مكافحة التهرب من الضرائب من خلال نقل مقر الشركة الى الخارج، وادى اعلان هذه الاجراءات عملاق الادوية الاميركي "فايزر" على العدول عن شراء مجموعة "اليرغان" ومقرها ايرلندا حيث الضرائب على الشركات اقل بثلاث مرات بالمقارنة مع الولايات المتحدة لقاء 160 مليار دولار.
واوضح لو ان هذه الاجراءات "يمكن ان تخفض الضرائب المالية لشركة ما من خلال اجراءات تخفيضات مهمة على الفوائد عندما تزيد الشركة ديون فرع في الخارج دون تمويل مشروع جديد في الولايات المتحدة"، وبعد ان جمعت وزارة الخزانة تعليقات الشركات، اخذت ايضا في الاعتبار الاستثناءات لا سيما في ما يتعلق بالخزانات المشتركة بين الفروع او القروض على المدة القصير.
ويفترض ان تؤمن هذه الاجراءات للخزينة الاميركي فائضا متواضعا من عائدات الضرائب يتراوح بين 600 و700 مليار دولار في السنة، بحسب مسؤول كبير في وزارة الخزانة، لكن لو شدد على ان هذه الاجراءات لا تحل "نهائيا المشاكل" الناجمة عن نقل مقر شركة واساليب محاسبة لفرز الارباح، وتابع لو ان "الحل الحقيقي يقوم على اقرار الكونغرس لاصلاح واسع للضرائب على الشركات مع اتخاذ اجراءات محددة ضد نقل مقر الشركة لدفع الضرائب في بلد اخر"، كما اشار الى ان "دعم متزايد من الجانبين حول ضرورة التحرك بسرعة"، خصوصا بعد تحقيق المفوضية الاوروبية ازاء آبل.
الخسائر من التهرب الضريبي
يقدر تقرير التجارة والتنمية بأن إجمالي خسائر الدول النامية بسبب التهرب الضريبي والتدفقات المالية غير المشروعة خارج تلك البلدان يتراوح بين 66 مليار دولار و84 مليار دولار سنويا، وذكر التقرير أن ما يتراوح بين 8% و15 % من صافي الثروة المالية للدول النامية يتم الاحتفاظ به في دول الملاذ الضريبي.
كذلك قدر البنك الدولي ميزانيات الجزر الصغيرة في الكاريبي والمحيط الهادي والهندي والتي تمثل مراكز مالية ضخمة بـ18 تريليون دولار، أي ما يساوي ثلث الناتج المحلي للعالم بأكمله في هذا العام. وذكر تقرير مكتب المساءلة الحكومي في أمريكا (GAO) أن 83 شركة من قائمة أكبر 100 أمريكية لها أفرع في مناطق “الأوف شور” الآمنة، ويرتفع الأمر أكثر في أوروبا لتسجل شبكة “عدالة الضرائب” الأوروبية أن 99 من أكبر 100 شركة في القارة تستخدم أفرع وحيل “الأوف شور”.
اضف تعليق