بديهي؛ الكون قائم بنظام، والكائنات قائمة كل بنظامها، ولذا فان استمرار بقاء الكون او استمرار بقاء كل كائن انما هو؛ استجابة الكائن لنظام وجوده، بمعنى بديهي؛ ان الطاعة هي الوجه الثاني لمعنى الوجود، اذا لا جود على الاطلاق بدون طاعة.
اذن فالمعنى الكوني الطاعة؛ هي استجابة الكائن لنظام كونه.
ويتجلى ذلك بقوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} ألإسراء - 44]. بمعنى كل موجود في حال تسبيح لخالقه طاعة وعبودية ومربوبية، فهذا التسبيح الذي لا نفقهه هو عنوان وجود الكون والكائنات. فإنها اصلا جاءت بالأمر الاول طائعة لله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11]
وهذا يعني علميا ان توقف الكائن او حتى الكون كله عن الاستجابة لنظام كونه، يخرج الكائن عن كونه الى العدم او الى كون اخر يستجيب فيه لنظامه الجديد. وكل ما في الكون والكائنات في حال طاعة سارية الى ما شاء الله تعالى.
فالطاعة، من السنن الكونية البديهية التي لا نستشعرها بالحواس، مع انها جلية واضحة، وذلك بسبب حاكميتها ونافذيتها واستطالتها وهيمنتها فينا وفي الكائنات. من منا يستشعر ان رئته تخفق منذ ان ولد بأمر الله، وان قلبه ينبض في نومه ويقظته وكل اعضائه ناشطة في طاعة النظام الحيوي ما دام في فسحة الاجل المسمى؟
وهناك امر مهم جدا في موضوع الطاعة الخاصة بالإنسان؛ ذلك ان هناك نسق كوني للأفعال الكونية الذي لا يخرج عنه كائن على الاطلاق، وان خرج فقد خرج عن وجوده، إلا الانسان فان يتمتع بفسحة من خيار الفعل بسبب الروح التي ننفخها الله تعالى فيه كجزء من صلاحيات الخلافة التي جعل من اجلها.
ولذا فان الله تعالى امر الانسان ونهاه ليطيع من اجل ان يكون في نظام وجود افضل؛ وهو نظام الجنة، وحتى بعد الخروج من النظام الافضل (الجنة) لو لاحظنا الاوامر والنواهي الالهية في الشرائع السماوية غير المحرفة لوجدناها محض تسديد لنظام وجود الانسان الافضل والأرقى، وان الاستجابة لتلك الاوامر والنواهي الالهية هي استجابة تامة لنظام وجود الانسان بأحسن احواله، فالمحرمات اذا انتهكت يفسد وجود الانسان والواجبات اذا اتبعت صلح وجود الانسان. فليس لله بطاعة الانسان حاجة كما ليس لله سبحانه بمعصية الانسان ضرر.
فكمال معاني الطاعة يعني بلوغ الكمال في معاني الوجود، وبلوغ الكمال يعني الوجود بأجمل وأبهى حال مسر جذاب مرضي، والجمال والحسن والكمال اهداف في ذاتها في هذا الكون ولذا فعندما يقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]؛ بمعنى خلقتهم للكمال وصور الجمال والحسن غاية في ذاتها.
اضف تعليق