التاريخ؛ هو كل ما يحكي سالف ما صدر عن الانسان قياسا لما يجري في النسق الكوني؛ فهناك نسق يكتنف الافعال الكونية محددا بستة انماط من المخلوقات، تحكمها وتنفذ فيها ثماني سنن كونية بديهية.
قال الله تعالى: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)(1).
بمعنى ان الكون بجميع كائناته متسق بين نوعين من المخلوقات: نوع محكوم تابع مطيع يبرز في مصاديق الكائنات الارضية والسماوية، ونوع نوع حاكم مهيمن نافذ مستطيل؛ مصداقه حملة العرش العظيم والذي تجده واضحا في السنن البديهية التي تحكم الكون والكائنات.
وهذا يؤيده قوله تعالى المتكرر في القران الكريم اكثر من مرة: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ...)(2)
فحركة المخلوقات وأفعالها تقع بين انماطها الستة؛ (المظروفات الزمكانية المحتوية للكائنات) وبين حمّال العرش العظيم الثمانية (3)(السنن البديهية) التي تهيمن على الكائنات بشكل سنن كونية حسنة بديهية لا يفلت من حاكميتها وهيمنتها واستطالتها مخلوق.
اذن فالكون بين انماطه الخلقية المحدودة(الستة)، وسننه الكونية المحدودة (الثمانية)؛ تجري افعاله وفق نسق كوني محدود ايضا، فكل شيء يجري بقدر في هذا الكون: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [[4]]، إلا ان الإنسان الكائن الوحيد الذي يستطيع ولو بحيز محدود و بجزء من كيانه وهو العقل ان يخرج عن ذلك النسق، لان في العقل حيز للحرية في خيار فعله؛ فإذا تطابق ذلك الخيار مع النسق الكوني فهو فعل حسن وأمثاله حسنات والفاعل محسن، وان خالفه وشذ عن النسق الكوني فهو نشاز ونقول عنه انه سوء وأمثاله سيئات والفاعل مسيء. هكذا يكتب التاريخ.
ان الايام الستة التي خلق الله تعالى فيها الخلق، هي الانماط المتمايزة الستة للكائنات كما نراها في واقع الوجود، او هي المظروفات الزمكانية السارية في الحركات النمطية المتلاحقة الستة التي توزعت فيها المخلوقات هي:
1) الطاقة، و(2)الكتلة، و(3)المادة، و(4)الحياة، و(5)العقل، و(6)النبوة.
اما السنن الكونية البديهية الحاكمة الثمانية فهي:
الزمكان، والرحمة الواسعة، والطاعة، والحق والعدل، والإمامة، والموت، والبلاء والوحدانية... ويمكن الاطلاع باختصار شديد على معاني السنن فيما يلي:
1 – الوحدانية: هي اصلا تعبير عن مربوبية الكائنات لخالق واحد، وتبرز واضحة ومشخصة وظاهرة في ان كل الكائنات في هذا الكون، وتتميز مربوبية الاشياء لخالق واحد من خلال:
• وحدة الانماط الخلقية وتتابعها بعضها من بعض.
• ووحدة السنن النافذة فيها وبداهتها وتداخلها وتكاملها.
• ووحدة الثوابت الكونية المتحكمة في نواميسها.
ووحدة الشروط الكونية البارزة في قيمومة النظم.
• ووحدة حركة الكون والكائنات من وحدة العلة (الرحمة) الى وحدة الغاية (الكمال). فهي حسنة.
فالوحدانية سنة حسنة كونية بديهية. وفي هذا نجد النص القرآني يتطابق مع الواقع تماما؛ فان هناك ستة انماط ثابتة موحدة تجتمع فيها الكائنات لا غير، اشارة الى ايام الخلق الستة. وهناك ثمان سنن موحدة نافذة فيها لا غير، وهنا ايضا تطابق تام بين الواقع و النص القرآني لنافذ عرش الله تعالى؛ اشارة لحاملي العرش الثمانية: (وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ)(5). وهناك ارقام موحدة ومقدرة بدقة وثبات تسير النواميس الكونية يسمونها الثوابت الكونية، فالوحدانية سنة كونية نافذة تحكم الموجودات كلها. والايمان بها اصل من اصول الدين.
2- العدل: كل كائن موجود انما قائم بالحق ويسري بالعدل.
فالحق: هو مواقع الصدق القائمة ضمن نظام الطاقة والمادة والكتلة والحياة والعقل والنبوة، فهو نظام حي وقائم وسار في كيان كل موجود.
فالحق؛ هو مواقع الصدق في الوجود التي نعرفها كنسب ثابتة وتناسب قائم بين المعاني او بين المعاني والعلل، اما العدل فهو سريان الموجود قائما باقيا طبقا لتلك النسب القائمة كنظام قائم في كيانه. فالحق معرفة والعدل سنة كونية، تسري وفقها الكائنات طبقا للحق، والإيمان بالعدل اصل من اصول الدين.
3- الطاعة: كون الكائن (اي كائن)، قائم بوجوده فتلك عبارة عن استجابته لنظام كونه، لذا فان وجود اي كائن وكونه؛ انما هو تعبير عن طاعته. ولا يمكن على الاطلاق ان يوجد موجود لا يستجيب لنظام وجوده. ولذلك كل الكائنات تعبد او في حال عبادة، ووجودنا في ميزتنا كبشر وكمسلمين يجب ان يكون استجابة لنظام ملتنا.. ونظام الملة هو طاعة المعصوم كما سيأتي تفصيله انشاء الله.
فالطاعة سنة كونية نافذة، تتجلى في مصاديق الانسان في احسن صورها في طاعة المعصوم نبيا او امام ومولاته، ولذا تعتبر الولاية اصل من اصول الدين، يتحقق عند المسلمين في نظام الملة الذي سنفصل البحث فيه انشاء الله تعالى في اثار ترك العمل بهذه السنة، فليست للطاعة معنى دون الولاية الكونية ولذا قال تعالى: ((لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء الا ان تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير)(6).
فمن خرج عن طاعة النبي وأولي الامر الى طاعة غيرهم فهو خارج على النسق، فقد فسق وخرج عن طاعة الله ورسوله.
وقال تعالى:(يا ايها الذين امنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم اولياء تلقون اليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول واياكم ان تؤمنوا بالله ربكم ان كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون اليهم بالمودة وانا اعلم بما اخفيتم وما اعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل)(7).
سواء السبيل هو النسق الكوني، الذي يمثل مشيئة الله تعالى في كونه وكائناته، والخروج عنه فسق وقبح وذنب، يفترض ان يوثقه التاريخ.
على سبيل المثال ننقل من التاريخ مقابل النسق الكوني ما فعلته المملكة الاموية في تاريخ الامة:
1- فقد استبيحت مدينة رسول الله صلى الله عليه واله وقتل 750 من الصحابة وافتضت الف باكر من بناتها سفاحا.
2- هدمت الكعبة واستبيح المسجد الحرام بالدم الحرام.
3- قتل ابناء رسول الله صلى الله عليه واله الاول بالسم والثني بالذبح هو الصالحين من اتباعه، ثم سبيت بنات الرسول صلى الله عليه واله وأخذن سبايا هديا الى ابناء الباغيات من حزب ابناء فتيات قريش المشهورات...، في حين نحن نعلم ان لا يخرج الناس من الظلمات الى النور الا بالطاعة للولاية الكونية.
قال تعالى: ((الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون)(8).
1. المعاد الجسماني في الحياة الاخرى: لكل كائن اجل تنتهي عنده حياته، ولا يمكن لأي كائن ان يفلت من الموت، لذا فالموت سنة كونية. وما يترتب على الموت الايمان بحياة اخرى ابدية وهو اصل من اصول الدين.
2. تتعارض حركة الانماط ونفاذ السنن في كل الكائنات فهي دوما في حال؛ اما مبتلية اومبتلى بها، في كل ان من انات كونها ووجودها. فالبلاء سنة كونية، والصبر عند البشر وسيلة لتجاوز البلاء فهو اصل الايمان. وهكذا يتقرر في التشريع ايضا: (الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، فمن لا صبر له لا إيمان له)(9).
3. كل القوى الفاعلة في كون الكائنات هي من صفة الرحمة، فالرحمة سنة كونية والرحمة كتاب الله على نفسه(10). ولو كانت القوى الكونية من صفة القسوة او التنافر لما كان هناك وجود على الاطلاق.
فالرحمة علة الوجود والموجودات والرسالات السماوية غاية الرحمة ومنتهاها: فالنبوة أصل من اصول الدين.
4.السريان (حركة التغير في الحيز من خلال الزمن) السريان النمطي صفة الكون، وان كل الكائنات في حركة نمطية مستمرة الى حيث الكمال، فالسريان سنة كونية. والإيمان بالرجوع الى الله تعالى اصل من اصول الدين، ولا قوة غير قوة الله تعالى تحكم هذا السريان. فالإيمان: بلا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا اليه راجعون اساس رقيب ومقوم وموجه لخيارات الفعل الحسن وأساس من اصول الدين.
5. كل الكائنات لابد لها من ميزة كمال تشير الى حسن وجوده وكونه؛ تلك الميزة الحسنة هي علة وجودها، ميزة الحسن تلك هي الامامة، فالإمامة سنة كونية. والاعتقاد بها أصل من اصول الدين. لتجمع ميزات الحسن الكوني في الامام، وتطلع العقل الى الحسن كغاية في ذاتها ولان اي حركة صاعدة للكمال هي حسن جذاب ومسر؛ صار الامام محط انظار العقول وضار مقتدى الناس وأسوتهم الحسنة.
يعرّف مضمون الحسن بأنه؛ كل حركة كونية صاعدة للكمال.
ولذا فان بلغت الحركة تمام كمال المخلوقات في نمطها السادس؛ فهو الامام الحق، وعليه فان كل معاني الحسن الجاذبة المسرة نجدها في الامام، وعندما يشار الى تلك المعاني من صفات الامام يظن البعض ان تلك الاشارات هي مدح، بل هي تشخيص لحقائق الكمال في خلقة الامام الحق، ونحن ننشدها وننجذب اليها جبلة في فطرة الناس الاسوياء ميلهم الى الحسن والكمال وسعيهم اليهما لسببين:
الاول- هو ان الامام انما هو نافذ سنة كونية في غايتها، وهذا يعني ان حقيقته كغاية لحركة الكون، ولذا عرفّت الامامة الحق على انها؛ ميزة الحسن في الكائن، ثم ان الامام هو خلق في نمطه السادس؛ اي انه: كمال ارادة الله تعالى في الكون حيث اراد تعالى ان تكون ستة انماط: (الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)(11).
فالإمام المعصوم في ذاته وكيانه يجسد التقاءً الكمالات كلها. كمال السنن الكونية النافذة وكمال حركة انماط الخلق الستة.
الثاني: ان الامام المعصوم بما هو نافذ سنة كونية حسنة وبدهية، فهو حقيقة قائمة ليست عارية مستعارة، فكان اسوة حسنة وقدوة حاضرة، وسيرة قائمة زمانا ومكانا، امر الله تعالى البشر بالاقتداء والتأسي به ضمانا لنافذ مشيئته وحصانة من الضلال.
وعليه فعندما يصف الله تعالى المعصوم في كتابه العزيز، او عندما يصف المعصوم نفسه، او عندما يصف المعصوم المعصوم الآخر، نظنه نحن الناس ان هذا الوصف مدحا لان الاشارات المعصومة للمعصوم؛ انما هي تعامل مع ميزات الحسن التامة ومعاني الكمال الراسخة في غاياتها، وبالحقيقة انما هو يعطي درسا تشخيصيا في علم متميز ممتاز لم يألفه الناس، وهو علم الكمال والجمال حينما يتجسد في المخلوقات الكائنة من السلالات المختارة لإمامة الناس في طريق الهداية الكبرى وجادة الاحسان اللا محدود.
وعندما يعتدى على مصداق السنة الكونية النافذة وهم الائمة المعصومين علي والحسن و الحسين عليهم السلام وذريته من المعصومين، والتاريخ كما قلنا هو الوثائق المسجلة قياسا بالنسق الكوني، فانه اختراق لمعاني النسق وعدوان عليه لأنها خيارات مخالفة لإرادة الله تعالى.
هذا كلام علمي ليس فيه نفس طائفي لعل الله يفتح العيون المعصوبة بالطائفية والجهل والحقد. لترى ان الامامية عندما يشاركون في مراسم شعائر الحسين لا يبالغون ولا يغالون فيما يأتون انما هم يندبون حال حكاها التاريخ لفسوق الامويين عن النسق الكوني وعن ارادة الله تعالى، في خلقه، وهم ينبذون افعالا جاءت نتيجة لخيار اشرار اخترقت كل السنن الحسنة البديهية، فهذه الشعائر انما تحاكم التاريخ نفسه وتنشد اعادة كتبته وفق النسق الكوني ووفق ارادة الله تعالى، وهذه الشعائر فعل انما تمحي عن البشرية عار وشنار تسبب به ابناء فتيات قريش من ذوات الرايات الحمر ومن امثالهم ممن استن بسنتهم في وراثة الحكم باسم الرسالة المحمدية خاتمة الرسالات واكملها على الاطلاق.
اضف تعليق