في هذا الحوار، نحاور باحثةً تغلبت على صعوبة التجربة وطول الطريق، لتقدّم خلاصة تجربة علمية وإنسانية غنية، تفتح من خلالها أبواب التساؤل أمام كل من يهمّه أن يعيش في بيئة غذائية أكثر أمانًا. رحلة الدكتورة حنين مع الجرذان البيضاء لم تكن مجرد دراسة على كائنات صغيرة، بل مرآةً كبرى تكشف وجع الإنسان الحديث
في عالمٍ تتزاحم فيه الألوان الصناعية وتغزو المحليات الاصطناعية موائد الناس دون وعيٍ بخفاياها، تقف الدكتورة حنين حسين محمد، من قسم علوم الحياة في كلية التربية للبنات بجامعة الكوفة، وتدريسية في جامعة الفرات الأوسط التقنية، كعالمةٍ تكتب بجهدها البحثي سطورًا من الوعي العلمي والإنساني معًا. أطروحتها الموسومة “تقييم التأثيرات النسيجية والفسلجية في الجرذان البيض المعاملة بالأسبارتام والتارترازين “ليست مجرّد دراسة أكاديمية تقليدية، بل هي رحلة علمٍ ممتدة بين مختبرٍ ينبض بالحقيقة وضميرٍ يخاف على الإنسان من خطرٍ صامتٍ يتسلل إلى غذائه اليومي.
بصبرٍ يشبه إصرار الضوء على اختراق العتمة، وغوصٍ في أعماق التفاصيل المجهرية، استطاعت الدكتورة حنين أن تجمع بين العلم والموقف، بين المشرط والمبدأ، لتكشف من خلال أبحاثها ما قد يُحدثه “الأسبرتام” و“التارترازين” من تغيرات دقيقة في خلايا الكبد والكلى والدماغ والبنكرياس، وتضع أمام صُنّاع القرار والمجتمع جرس إنذار علميًّا رصينًا يدعو إلى إعادة النظر في ثقافة الاستهلاك والوعي الغذائي.
في هذا الحوار، نحاور باحثةً تغلبت على صعوبة التجربة وطول الطريق، لتقدّم خلاصة تجربة علمية وإنسانية غنية، تفتح من خلالها أبواب التساؤل أمام كل من يهمّه أن يعيش في بيئة غذائية أكثر أمانًا.
رحلة الدكتورة حنين مع الجرذان البيضاء لم تكن مجرد دراسة على كائنات صغيرة، بل مرآةً كبرى تكشف وجع الإنسان الحديث بين الرفاهية الملوّنة والمخاطر الخفية…
إليكم تفاصيل الحوار مع الباحثة التي جعلت من المجهر شاهدًا على رسالةٍ إنسانيةٍ كبرى.
بدايةً، ما الدافع العلمي والإنساني الذي جعلكِ تختارين دراسة تأثير الأسبرتام والتارترازين تحديدًا على الجرذان البيضاء؟
الدافع العلمي
لأن كلًّا من الأسبرتام والتارترازين يُستخدمان على نطاق واسع في الصناعات الغذائية كمُحلٍّ صناعي ومُلوِّن غذائي، ومع ذلك توجد دراسات متباينة حول سلامتهما وتأثيرهما المحتمل على وظائف الأعضاء، خصوصًا الكبد والكلى والجهاز العصبي. لذلك جاء اختياري لدراسة تأثيرهما على الجرذان البيضاء بهدف تقييم مدى سُميّتهما المحتملة وفهم التغيرات الفسيولوجية والنسيجية الناتجة عنهما، بما يضيف معرفة علمية يمكن أن تسهم في تقييم أمان استخدامهما البشري.
الدافع الإنساني
لأن البحث في هذا المجال يهدف في جوهره إلى حماية صحة الإنسان، خاصةً وأن هذه المواد تُستهلك يوميًا من قبل فئات مختلفة، بما فيهم الأطفال. ومن هنا، كان من المهم دراسة تأثيرها بعمق لتقديم توصيات علمية تسهم في رفع الوعي المجتمعي وتحسين سلامة الغذاء.
كيف تنظرين إلى الجدل العالمي حول المواد المحلّية والملوّنات الغذائية، وأين تضعين دراستكِ ضمن هذا الجدل؟
إن الجدل العالمي حول المحلّيات والملوّنات الغذائية يُعد من أكثر الموضوعات العلمية حساسية، لأنه يجمع بين الجانب الاقتصادي والغذائي والصحي. فبينما تؤكد بعض الدراسات أمان هذه المواد ضمن الحدود المسموح بها، تُشير دراسات أخرى إلى احتمالية تأثيراتها السلبية على المدى الطويل، خاصة عند الإفراط في الاستهلاك أو لدى الفئات الحساسة مثل الأطفال والحوامل. لذلك، أرى أن هذا الجدل مشروع ومهم لأنه يدفع نحو مزيد من البحث والتدقيق العلمي في هذه المواد.
موقع دراستي ضمن هذا الجدل:
تأتي دراستي كجزء من هذا المسار العلمي المتوازن الذي يسعى لتوضيح الصورة بشكل أدق، من خلال تقييم الآثار البيوكيميائية والنسيجية للأسبرتام والتارترازين على نموذج حيواني، بهدف المساهمة في سدّ الفجوات المعرفية وتقديم بيانات يمكن أن تُفيد الجهات الصحية وصُنّاع القرار في وضع معايير أكثر دقة وسلامة لاستخدام هذه المواد.
ما الفجوة البحثية أو النقص العلمي الذي أردتِ سدّه من خلال هذه الأطروحة؟
الفجوة البحثية التي سعت الأطروحة لسدّها هي نقص الدراسات التي تدرس التأثير المشترك للأسبرتام والتارترازين على الأعضاء الحيوية، وربط التغيرات الفسيولوجية بالنسيجية لتوضيح آلية تأثيرهما بدقة أكبر.
كيف صممتِ تجربتكِ بحيث تجمع بين الذكور والإناث والمواليد لتغطية أكبر مساحة ممكنة من التأثيرات البيولوجية؟
وزعت الحيوانات عشوائيًا على مجموعات تشمل ذكورًا وإناثًا بالغين ومجموعات اخرى تعرضت أمهاتهم خلال فترة الحمل والرضاعة لجرعات محددة من هاتين المادتين لمعرفة تأثيرها على المواليد.
اذ استخدمت جرعات متدرجة ومجموعة سيطرة وحجم عينات متساوٍ، مع قياسات بيوكيميائية ونسيجية وسلوكية عند نقاط زمنية محددة (ولادة، فطام، نضج)، ثم حلّلت البيانات إحصائيًا لمقارنة التأثيرات بين الجنسين وبين الأجيال.
إلى أي مدى كان اختيار الجرذان البيضاء من نوع سبراغ داولي دقيقًا ومناسبًا لتحقيق أهداف البحث؟
كان اختيار سبراغ داولي مناسبًا وفعّالًا لأنه نموذج تجريبي معترف به عالميًا (خلفيات فسيولوجية معروفة، تكاثر سريع، واستجابات سمية متسقة)، مما يسهل التحكم والمتابعة واستخلاص نتائج قابلة للمقارنة، مع الإقرار بحدود التعميم المباشر على البشر والحاجة لدراسات تكميلية.
ما التحديات التي واجهتكِ في التعامل مع المجموعات التجريبية وخاصة فيما يخص متابعة الحمل والمواليد منذ الولادة حتى النضج؟
من أبرز التحديات كانت متابعة الحمل والولادة بدقة، وضمان بقاء المواليد ومراقبتهم حتى النضج، إضافة إلى توحيد ظروف التغذية والرعاية لتقليل الفروقات الفردية وضمان دقة النتائج.
ما أكثر نتيجة في تجربتكِ فاجأتكِ أو أثارت انتباهكِ بشكل غير متوقع؟
أكثر نتيجة فاجأتني كانت ظهور تغيرات نسيجية واضحة في الكبد والكلى والدماغ والبنكرياس حتى عند الجرعات المنخفضة، مما يدل على الحساسية العالية لهذه الأعضاء وتأثرها المبكر بالمادتين الاسبرتام والتارترازين.
كيف تفسرين العلاقة بين الجرعة والتركيز وبين شدة التغيرات النسيجية والفسلجية التي رصدتها؟
العلاقة بين الجرعة والتركيز وبين شدة التغيرات النسيجية والفسيولوجية التي رصدتُها يمكن تفسيرها من خلال مبدأ الجرعة والاستجابة (Dose–Response Relationship) وهو من المفاهيم الأساسية في علم السموم.
فكل مادة كيميائية، مهما كانت طبيعتها، يمكن أن تُحدث تأثيرات ضارة إذا تجاوزت جرعتها الحدّ الآمن، والعكس صحيح.
عند استخدام جرعات منخفضة من الأسبرتام والتارترازين، لوحظت تغيّرات طفيفة أو محدودة في بعض المؤشرات الفسيولوجية مثل إنزيمات الكبد ومستويات الجلوكوز، مع احتفاظ الأنسجة ببنيتها الطبيعية إلى حدّ كبير. لكن مع زيادة الجرعة والتركيز، ظهرت تغيرات نسيجية أكثر وضوحًا تمثلت في احتقان الأوعية الدموية، وتلف الخلايا الكبدية والكلوية، وتغير شكل الخلايا العصبية في الدماغ، إضافة إلى اضطرابات في مؤشرات الأكسدة والاختزال.
يمكن تفسير ذلك بعدة آليات متداخلة:
1. الإجهاد التأكسدي :(Oxidative Stress)
عند الجرعات العالية، يزداد تكوين الجذور الحرة (Reactive Oxygen Species)، مما يؤدي إلى تلف مكونات الخلية كالأغشية والبروتينات والحمض النووي، وبالتالي حدوث تغيرات نسيجية واضحة.
2. ضعف آليات الدفاع الخلوي:
في الجرعات المنخفضة، تستطيع الإنزيمات المضادة للأكسدة مثل الكاتالاز والجلوتاثيون الدفاع عن الخلايا، لكن مع زيادة الجرعة، تتشبع هذه الأنظمة الدفاعية وتفقد فعاليتها تدريجيًا.
3. التراكم الحيوي :(Bioaccumulation)
مع التعرض المستمر، تتراكم المواد أو نواتج أيضها في الأعضاء الحيوية كالكبد والكلى، مما يزيد من شدة الضرر حتى لو كانت الجرعة اليومية في البداية تبدو آمنة.
4. تفاعل المادتين معًا :(Synergistic Effect)
في حال الجمع بين الأسبرتام والتارترازين، قد يحدث تآزر في التأثير السمي، أي أن وجود مادة يزيد من فاعلية الأخرى في إحداث الضرر، فتكون النتيجة أقوى من مجموع تأثير كل مادة بمفردها.
5. الاختلاف في حساسية الأنسجة:
ليست جميع الأعضاء متساوية في تحمل هذه المواد؛ فالكبد والكلى يتأثران بسرعة بسبب دورهما في الأيض والإخراج، بينما تظهر التأثيرات على الدماغ والأعضاء التناسلية في مراحل متأخرة أو عند الجرعات الأعلى.
بناءً على ذلك، يتضح أن زيادة الجرعة والتركيز ترتبط طرديًا بزيادة شدة التغيرات النسيجية والفسيولوجية، إذ تتحول التأثيرات من تغيرات وظيفية بسيطة قابلة للرجوع إلى تلف نسيجي دائم مع الجرعات العالية والمستمرة.
وهذا يؤكد أهمية الالتزام بالحدود المسموح بها من المواد المضافة الغذائية وتجنب التعرض المزمن لها، خصوصًا في الفئات الحساسة مثل الأطفال والحوامل.
هل وجدت اختلافات جوهرية بين تأثير الأسبرتام والتارترازين من حيث خطورتهما أو نوعية التغيرات التي يسببانها؟
نعم، أظهرت نتائج الدراسة وجود اختلافات جوهرية بين الأسبرتام والتارترازين من حيث درجة الخطورة ونوعية التأثيرات التي سبباها على الأعضاء الحيوية.
فمن الناحية السمّية النسيجية والفسيولوجية، كان التارترازين أكثر حدة في إحداث التغيرات النسيجية، إذ ظهرت في الجرذان المعاملة به علامات واضحة لتلف الخلايا الكبدية، واحتقان الأوعية الدموية، وتنخر في بعض الأنسجة الكلوية، مع زيادة ملحوظة في مؤشرات الالتهاب والإجهاد التأكسدي. ويُعزى ذلك إلى أن التارترازين من الأصباغ الآزوية التي تتحلل داخل الجسم إلى أمينات عطرية معروفة بتأثيرها المؤكسد والتالف للأنسجة، إضافة إلى قابليتها لإحداث استجابات تحسسية أو التهابية مزمنة.
أما الأسبرتام فكانت تأثيراته أكثر وضوحًا على المستوى الفسيولوجي منه على المستوى النسيجي، حيث تسبّب في اضطرابات في إنزيمات الكبد، ومستويات الجلوكوز، ومؤشرات الإجهاد التأكسدي، إضافة إلى بعض التغيرات السلوكية والعصبية نتيجة تحلله إلى مكونات مثل الفينيل ألانين والميثانول، واللذَين قد يؤثران في نشاط الناقلات العصبية ووظائف الدماغ عند التعرض المزمن أو المرتفع.
ما الذي تكشفه نتائجكِ عن حساسية الأعضاء الحيوية (الكبد، الكلى، الدماغ، البنكرياس) تجاه هذه المواد مقارنة بالأعضاء التناسلية؟
أظهرت نتائج الدراسة أن الأعضاء الحيوية الرئيسة (الكبد، الكلى، الدماغ، والبنكرياس) كانت أكثر حساسية وتأثرًا بالأسبرتام والتارترازين مقارنةً بالأعضاء التناسلية، وذلك يعود إلى طبيعة وظائفها الحيوية ودورها المباشر في الأيض والتصفية وإزالة السموم، مما يجعلها خط الدفاع الأول أمام أي مادة كيميائية غريبة تدخل الجسم.
الكبد
كان أكثر الأعضاء تأثرًا، حيث ظهرت فيه تغيرات نسيجية واضحة مثل تنكّس الخلايا الكبدية، واحتقان الأوعية، وتجمع الخلايا الالتهابية، مع ارتفاع ملحوظ في إنزيمات الكبد (ALT وAST)، مما يدل على تأثره المباشر بعمليات أيض المادتين. الكبد هو العضو الرئيس في استقلاب الأسبرتام والتارترازين وتحويلهما إلى نواتجها النهائية، لذلك فهو يتعرض لأعلى تركيز من مستقلباتهما السامة، وخاصة نواتج الأكسدة والأمينات العطرية في حالة التارترازين.
الكلى
أظهرت نتائج الفحوص النسيجية والفسيولوجية أن الكلى كانت ثاني أكثر الأعضاء حساسية، حيث لوحظت تغيرات في الأنابيب الكلوية واحتقان الأوعية وخلل في وظائف الإخراج، تمثلت في ارتفاع مستويات اليوريا والكرياتينين. وهذا يعكس العبء الإخراجي العالي الذي تتحمله الكلى في إزالة نواتج أيض هذه المواد، مما يجعلها عرضة للإجهاد التأكسدي والتلف المزمن عند التعرض المستمر.
الدماغ
رغم وجود الحاجز الدموي الدماغي الذي يحدّ من دخول الكثير من المركّبات، إلا أن الدراسة أظهرت أن الأسبرتام على وجه الخصوص أثّر على الدماغ من خلال اضطرابات في الناقلات العصبية وتغيرات سلوكية ملحوظة. أما التارترازين فقد أظهر تأثيرات غير مباشرة نتيجة زيادة الإجهاد التأكسدي والالتهابات الجهازية التي يمكن أن تصل تأثيراتها إلى الخلايا العصبية الدقيقة. وبالتالي، يُعدّ الدماغ من الأعضاء الحساسة على المدى الطويل، خصوصًا مع التعرض المزمن أو لدى الأفراد ذوي الحساسية العصبية العالية.
البنكرياس
أظهر البنكرياس تأثرًا متوسطًا، تمثل في خلل في الخلايا الجزرية (جزر لانغرهانس) وتغيرات في مستويات الجلوكوز والإنسولين، خاصة في المجموعات التي تعرضت للأسبرتام، مما يشير إلى احتمال ارتباطه باضطراب استقلاب الكربوهيدرات وتأثيراته على التوازن الهرموني.
الأعضاء التناسلية
كانت أقل حساسية نسبيًا مقارنةً بالأعضاء الحيوية الأخرى، وربما يعود ذلك إلى أن هذه الأعضاء ليست في تماس مباشر مع عمليات الأيض أو التخلص من السموم. ومع ذلك، لوحظت تأثيرات خفيفة عند الجرعات العالية، مثل انخفاض طفيف في عدد الحيوانات المنوية أو تغيرات في البويضات، مما يشير إلى إمكانية تأثرها بشكل غير مباشر نتيجة خلل الهرمونات أو الإجهاد التأكسدي العام.
كيف يمكن أن تُترجم نتائج دراستكِ إلى رسائل موجهة للمجتمع بشأن الاستهلاك اليومي للمحلّيات والملوّنات؟
يمكن ترجمة نتائج الدراسة إلى مجموعة من الرسائل التوعوية الموجهة للمجتمع تهدف إلى تعزيز السلوك الغذائي الصحي والحد من التعرض المفرط للمضافات الصناعية، خاصة المحلّيات والملوّنات مثل الأسبرتام والتارترازين. وفيما يلي توضيح وافٍ لذلك:
أولًا: الرسالة الصحية العامة
نتائج الدراسة تؤكد أن الاستخدام المفرط للمحلّيات والملوّنات الصناعية ليس آمنًا تمامًا كما يُروَّج له، إذ يمكن أن يؤدي إلى تغيرات فسيولوجية ونسيجية في أعضاء حيوية مثل الكبد والكلى والدماغ عند التعرض المستمر.
لذا يجب أن تصل الرسالة للمجتمع بأن الاعتدال هو الأساس، وأن “قِلّة المادة المضافة لا تعني انعدام الخطر”، خصوصًا عند تناول أكثر من منتج يحتوي على نفس المركّب.
ثانيًا: الرسائل الموجهة إلى فئات محددة من المجتمع
1. للأمهات والنساء الحوامل:
ضرورة تجنّب الأطعمة والمشروبات الصناعية الملوّنة والمحلّاة صناعيًا أثناء الحمل والرضاعة، لأن المواد المضافة قد تؤثر في نمو الجنين أو المولود.
الاهتمام بتقديم الأطعمة الطبيعية الطازجة لأطفالهن بدل الحلويات والمشروبات الغازية، لتجنّب تراكم هذه المواد في أجسامهم الحساسة.
2. للأطفال والمراهقين:
هذه الفئة الأكثر استهلاكًا للأطعمة الملوّنة والمحلّاة، لذا يجب توعيتهم بأن الألوان الزاهية ليست دليلًا على الجودة، وأن الإفراط في تناول العصائر والمشروبات الغازية قد يضرّ بصحتهم على المدى الطويل.
3. للمرضى والأشخاص متّبعي الحميات:
رغم أن الأسبرتام يُستخدم لتقليل السعرات الحرارية، إلا أن نتائجه ليست دائمًا خالية من الأثر الصحي، خاصة عند الجرعات المرتفعة.
يُنصح بعدم الاعتماد الكلي على المحلّيات الصناعية واستبدالها ببدائل طبيعية معتدلة مثل ستيفيا أو العسل الطبيعي بكميات محددة.
ثالثًا: الرسائل الموجهة إلى الجهات الصحية والتربوية
ضرورة إدراج التثقيف الغذائي ضمن المناهج الدراسية والبرامج الصحية العامة، لتوضيح مخاطر المضافات الغذائية وأهمية قراءة المُلصقات الغذائية قبل الشراء.
تشجيع المصانع وشركات الأغذية على تقليل استخدام المحلّيات والملوّنات الصناعية واستبدالها بمركّبات طبيعية أكثر أمانًا.
دعم الأبحاث المحلية لمراقبة نسب استهلاك هذه المواد في المجتمع وتقييم سلامتها وفق العادات الغذائية السائدة.
رابعًا: الرسالة التوعوية الختامية
النتائج تُبرز أن سلامة الغذاء مسؤولية مشتركة بين المستهلك والجهات الرقابية والصناعية.
فمن جهة، على المستهلك أن يكون واعيًا ومعتدلًا في اختياره للأطعمة والمشروبات، ومن جهة أخرى، يجب أن تعمل الجهات المعنية على تحديث الحدود المسموح بها ومراقبة الالتزام بها بدقة.
برأيكِ، هل هناك حاجة فعلية إلى إعادة النظر في الحدود المسموح بها يوميًا لهذه المواد على المستوى العالمي أو المحلي؟
نعم، هناك حاجة فعلية وملحّة لإعادة النظر في الحدود المسموح بها يوميًا (Acceptable _Daily Intake ADI) لكلٍّ من الأسبرتام والتارترازين على المستويين العالمي والمحلي، وذلك استنادًا إلى ما كشفته الدراسة من مؤشرات بيولوجية ونسيجية تدلّ على أن التعرض المزمن حتى بجرعات قريبة من الحدود المسموح بها حاليًا يمكن أن يسبب تأثيرات ضارة في الأعضاء الحيوية.
كيف يمكن لنتائجكِ أن تساهم في بناء وعي صحي لدى الأمهات الحوامل والأسر حول خطورة هذه المواد على الأجيال القادمة؟
يمكن لنتائج دراستي أن تساهم بشكل فعّال في بناء وعي صحي لدى الأمهات الحوامل والأسر حول خطورة المحليات الصناعية والملوّنات الغذائية، من خلال توضيح التأثيرات الفعلية لهذه المواد على الأعضاء الحيوية وعلى النسل، وتقديم توصيات عملية قابلة للتطبيق في الحياة اليومية. وفيما يلي توضيح شامل لذلك:
أولًا: الرسالة العلمية الموجّهة للأمهات الحوامل
أظهرت الدراسة أن التعرض المزمن للأسبرتام والتارترازين قد يؤدي إلى تغيرات نسيجية وفسيولوجية في الأعضاء الحيوية مثل الكبد، الكلى، الدماغ، والبنكرياس، كما وُجد أن هذه التأثيرات يمكن أن تمتد إلى الأجيال التالية عبر تأثيرها على الجنين خلال فترة الحمل.
هذه النتائج تُبرز أن الجنين أكثر حساسية بكثير لهذه المواد بسبب عدم اكتمال آليات الدفاع الخلوي لديه، مما يجعل أي كمية زائدة نسبيًا قادرة على إحداث ضرر طويل الأمد في النمو العصبي أو الأيضي.
بالتالي، يمكن توجيه الأمهات إلى أن الخيارات الغذائية أثناء الحمل لا تؤثر عليهن فقط، بل تحدد أيضًا صحة أطفالهن المستقبلية، وهو ما يستدعي الابتعاد عن الأطعمة والمشروبات الصناعية قدر الإمكان، خصوصًا تلك التي تحتوي على ألوان زاهية أو طعم حلو مصطنع.
ثانيًا: الرسالة التوعوية الموجهة للأسر
النتائج تفتح بابًا واسعًا أمام الأسر لإعادة النظر في العادات الغذائية اليومية، خصوصًا للأطفال والمراهقين، حيث تُظهر البيانات أن هذه الفئة تتعرض لأعلى نسب من المضافات الصناعية عبر العصائر والحلويات والمقرمشات.
توضح الدراسة أن الاستهلاك المتكرر لهذه المواد يمكن أن يؤدي إلى تأثيرات تراكمية في الكبد والدماغ والجهاز العصبي، مما قد ينعكس على السلوك والانتباه والقدرات الإدراكية.
لذا، يمكن استخدام نتائج الدراسة في حملات توعية لتشجيع الأسر على:
-قراءة الملصقات الغذائية والانتباه لوجود كلمات مثل Aspartame أو E102 (Tartrazine).
-تقليل الاعتماد على الأغذية الجاهزة واستبدالها بوجبات منزلية طبيعية غنية بالفواكه والخضروات.
-غرس الوعي الصحي في الأطفال من خلال تعليمهم الفرق بين "الطعام المفيد" و"الطعام الملوّن والمضرّ".
ثالثًا: دور الجهات الصحية والتعليمية في دعم الوعي
يمكن أن تُسهم نتائج الدراسة في تطوير برامج توعوية وطنية موجهة للحوامل والأسر تتضمن:
نشرات إرشادية في المراكز الصحية توضح مخاطر المواد المضافة وتأثيرها على الجنين والأطفال.
ورش توعية للأمهات في المستشفيات والعيادات النسائية حول التغذية الآمنة أثناء الحمل والرضاعة.
إدراج موضوع المضافات الصناعية ضمن المناهج الدراسية لتثقيف الطلبة منذ المراحل المبكرة.
رابعًا: الرسالة الوقائية الختامية
إن نتائج الدراسة تمثل تحذيرًا علميًا مدعومًا بالأدلة من الاستهانة بالاستهلاك اليومي للمضافات الغذائية، خصوصًا لدى الفئات الحساسة.
وتكمن أهميتها في قدرتها على تحويل المعرفة العلمية إلى توجيهات حياتية واقعية، مثل:
اختيار الغذاء الطبيعي ليس ترفًا صحيًا، بل هو استثمار في سلامة الأجيال القادمة.
كيف انعكست هذه التجربة الطويلة والمضنية على شخصيتكِ كباحثة من الناحية العلمية والإنسانية؟
لقد تركت هذه التجربة الطويلة والمضنية أثرًا عميقًا في شخصيتي كباحثة على المستويين العلمي والإنساني، إذ لم تكن مجرد دراسة أكاديمية، بل كانت رحلة نضج فكري وصقل ذاتي امتدت عبر مراحل من التحدي، الصبر، والتأمل في قيمة العلم ومسؤوليته تجاه الإنسان والمجتمع.
أولًا: من الناحية العلمية
على الصعيد العلمي، منحتني هذه التجربة قدرة عالية على التفكير النقدي والتحليل المنهجي، إذ تعلمت كيف أتعامل مع البيانات والأرقام بموضوعية تامة، بعيدًا عن التوقعات المسبقة.
كما أكسبتني انضباطًا بحثيًا صارمًا في إدارة التجارب، وتوثيق الملاحظات، وتحليل النتائج وفق معايير علمية دقيقة.
تعلمت أيضًا أن البحث العلمي ليس مجرد تطبيق خطوات مخبرية، بل هو رحلة من التساؤل المستمر والبحث عن الحقيقة، وأن كل نتيجة، مهما كانت صغيرة أو غير متوقعة، يمكن أن تفتح بابًا جديدًا للمعرفة.
واجهت صعوبات كثيرة في العمل التجريبي، خصوصًا في متابعة المجموعات الحيوانية لفترات طويلة، مما تطلّب التزامًا يوميًا ودقة عالية في الملاحظة والرعاية. هذه الصعوبات علمتني الصبر والمثابرة والانتباه إلى التفاصيل الدقيقة التي قد تصنع الفارق في النتائج النهائية.
ثانيًا: من الناحية الإنسانية
أما من الجانب الإنساني، فقد علمتني التجربة أن العلم مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة والضمير.
كنتُ أرى في كل تجربة أجريها مسؤولية أخلاقية تجاه المجتمع، لأن ما أتوصل إليه يمكن أن يؤثر على صحة الناس وسلامة الأجيال القادمة.
هذا الشعور بالمسؤولية جعلني أكثر وعيًا بالبعد الإنساني للبحث العلمي، وأكثر حرصًا على أن تكون نتائج عملي وسيلة لخدمة الإنسان لا مجرد إنجاز أكاديمي.
كما غيّرت هذه التجربة نظرتي إلى قيمة الوقت والانضباط والعمل الجماعي، فقد واجهت مواقف تطلبت التعاون مع الزملاء والمشرفين بروح الفريق، مما عزز فيّ صفات التواضع العلمي وتقبّل الرأي الآخر.
لو أتيحت لكِ فرصة متابعة البحث، فما المحور الجديد الذي ترغبين في التعمق فيه أكثر؟
أرغب في التعمق بدراسة الآليات الجزيئية والجينية التي تفسر التأثيرات الناتجة عن الأسبرتام والتارترازين، وخاصةً علاقتها بالإجهاد التأكسدي والالتهاب الخلوي.
ما الرسالة التي تودين توجيهها إلى الجهات المعنية بصحة المجتمع وصناعة الغذاء بعد هذه النتائج؟
رسالتي إلى الجهات المعنية بصحة المجتمع وصناعة الغذاء تنطلق من قناعة عميقة بأن حماية صحة الإنسان هي مسؤولية جماعية تتقاسمها المؤسسات العلمية، والجهات الرقابية، وصنّاع القرار، ومنتجو الأغذية، والمجتمع نفسه.
نتائج الدراسة أظهرت بوضوح أن الاستهلاك المستمر للمحلّيات والملوّنات الصناعية مثل الأسبرتام والتارترازين يمكن أن يترك آثارًا بيولوجية ضارة حتى ضمن الحدود المسموح بها حاليًا، مما يستدعي تحركًا جادًا على عدة مستويات.
وفيما يلي الرسائل التي أوجّهها بشمولية ووضوح:
أولًا: إلى وزارات الصحة وهيئات سلامة الغذاء
أدعو هذه الجهات إلى إعادة تقييم الحدود المسموح بها (ADI) للمضافات الغذائية استنادًا إلى أحدث النتائج البحثية، وبما يتناسب مع أنماط الاستهلاك المحلي، وليس فقط وفق المعايير الدولية العامة.
كما أؤكد على أهمية:
_تعزيز الرقابة المخبرية المستمرة على الأغذية والمشروبات المصنعة في الأسواق المحلية، خاصة تلك الموجهة للأطفال والحوامل.
_تحديث القوانين والتعليمات الخاصة بوسم المنتجات الغذائية بحيث تتضمن تحذيرات واضحة عند تجاوز نسب معينة من المحليات أو الملوّنات.
_تشجيع الدراسات الوطنية المستقلة حول تأثير المضافات الغذائية في البيئة المحلية، وعدم الاعتماد الكلي على بيانات أجنبية قد لا تعكس الواقع الغذائي لدينا.
ثانيًا: إلى صنّاع ومنتجي الأغذية
رسالتي لهم أن الربح لا يجب أن يكون على حساب صحة الإنسان.
ينبغي أن يكون هناك التزام حقيقي بمبدأ “الغذاء الآمن أولًا”، من خلال:
_تقليل استخدام المواد الصناعية قدر الإمكان واستبدالها ببدائل طبيعية آمنة مثل المستخلصات النباتية أو الفواكه المجففة كمصدر للتحلية أو اللون.
_الشفافية في وضع المكوّنات على الملصقات الغذائية بشكل واضح ومقروء.
_الاستثمار في البحث والتطوير لإنتاج أغذية صحية تلبي احتياجات المستهلك دون الإضرار بصحته.
ثالثًا: إلى الجهات التربوية والإعلامية
هناك حاجة إلى برامج توعية وطنية شاملة تسلط الضوء على مخاطر الاستهلاك المفرط للمضافات الغذائية.
يجب أن تدمج المفاهيم الصحية والغذائية في المناهج الدراسية منذ المراحل الابتدائية، ليكبر الطفل وهو مدرك لأهمية التغذية السليمة.
أما وسائل الإعلام، فعليها دور محوري في توجيه الرسائل الصحية بلغة مبسطة وجذابة، عبر حملات تلفزيونية ومنصات التواصل الاجتماعي.
رابعًا: إلى المؤسسات البحثية والجامعات
أدعو إلى دعم الأبحاث التطبيقية في مجال سمّية الأغذية ودراسة تأثير المضافات على المدى البعيد، لأن المعرفة العلمية المحلية هي أساس القرارات الصحية الرصينة.
كما أقترح إنشاء قاعدة بيانات وطنية توثق نتائج الأبحاث حول المضافات الغذائية لتكون مرجعًا لصنّاع القرار والباحثين.
وفي ختام هذا الحوار الثري الذي حمل بين طيّاته عمق الفكر وصدق الرسالة العلمية، نُدرك أن ما قدّمته الدكتورة حنين حسين محمد لم يكن مجرد جهدٍ أكاديمي في أروقة المختبر، بل موقفًا إنسانيًا نبيلاً يضع العلم في خدمة الحياة.
من خلال أطروحتها المتميزة، استطاعت أن تُعيد تسليط الضوء على قضية تمسّ كل بيت، وتفتح الباب أمام وعيٍ غذائيٍّ مسؤول يوازن بين لذّة الطعم وسلامة الجسد.
كل الشكر والتقدير للدكتورة حنين حسين محمد على هذا الجهد العلمي الرفيع، وعلى ما قدّمته من معرفة رصينة وتجربة إنسانية صادقة تليق بباحثة عراقية وضعت بصمتها المضيئة في ميدان علوم الحياة، وساهمت في بناء جسرٍ بين العلم والضمير لخدمة صحة الإنسان والمجتمع.



اضف تعليق