في حديقتي نبتة صغيرة تعصف بها الريح، وتحركها يد وملابس المارة، نظرت اليها ذات يوم فوجدت لحائها قد تشقق، وساقها قد اخذ ينحني، فقلت في نفسي لو تأثرت هذه النبتة بحركة اليد وعنف الريح، فكيف يكون تأثير الضرب على طفل صغير كنبتتي؟، وهل تنفع اعمال الندم كتقبيله وضمه لعلاج ما انكسر في داخله، كما لفَفَتُ واسنَدت ساق هذه النبتة؟؟.
يلجأ اغلب الاهالي الى ضرب اطفالهم من دون ان يكون للطفل اي ذنب بنسبة حوالي (2 من اصل 10)، وهذه النسبة من اصل كل (6 من 10) يلجؤون للضرب بصورة يومية كوسيلة عقاب لاطفالهم، نتيجة اي عمل خاطئ يصدره الطفل، بغض النظر عن حجم هذا العمل، وهل هو يستحق هذه العقوبة الكبيرة (الضرب)، التي يجب ان يضع كل شخص في حساباته، انها ينبغي أن تكون آخر وسيلة لتغيير سلوكيات وافعال هذا الطفل، بعدما تنقطع جميع الطرق وتنحسر جميع السبل!.
لكن ما يؤسف له حقا في مجتمعنا اضافة الى انحسار وسائل الترفيه، فحقوق الطفل مغبونة غالبا، والكيفية التي يعيشها هذا الطفل من ضغوطات، والتي يعتقد الاباء انها لا تؤثر عليه، لكن هي في الحقيقة تلعب دورا مهما في التأثير النفسي والعاطفي للطفل، فأحاسيس الطفل ليست بعيدة عن من حوله كما يعتقد اغلب الناس، بل هي العقل الناطق له في مرحلة الطفولة، فيأتي الاباء ليكثفوا هذه الاعباء ويزيدوا من الضغط على هذا المخلوق الرقيق بالضرب من دون مراعاة الجانب النفسي، فربما يُضرب الطفل امام زملائه، او اخوته، او الاقارب، وباستخدام مختلف الوسائل، والتي تبدأ بأبسطها كف اليد، وتنتهي باستخدام الاحزمة الجلدية وغيرها.
عندما يضرب الطفل سوف يهدأ قليلا بسبب الانكسار في نفسيته التي ستصيبه في تلك اللحظة، او كَرد فعل لما واجهه من عنف، او في بعض الاحيان خوفا، ولكن بالنظر جيدا للوسيلة والنتيجة، فكلاهما غير صحيح ومردوده سلبي عملا وتأثيرا.
عندما يقوم طفلك بعمل خاطئ وقبل استخدام العنف عليك الآخذ بنظر الاعتبار:
-هل هي المرة الاولى التي فعل بها هذا الامر؟.
-هل فعل ذلك قاصدا أم غير قاصد؟.
-هل وجهته وعلمته بحيث صدر منه هذا الامر وكان من المفروض ان لا يصدر؟.
-هل هو في سن يسمح ان يعاقب به او يفهم ويعي ما تقصده عندما تريد ان تعاقبه؟.
-هل تكلمت معه بصوره لبقة وواضحة وافهمته بأن هذا التصرف خاطئ؟.
وبعد كل هذه الاستفسارات وغيرها كثير، والتي تعتمد على عمر الطفل وطريقة معيشته ومكان اقامته، وعدد افراد الاسرة، والاخوة والاخوات الاكبر او الاصغر، اللذين يؤثرون على الطفل سلبا وايجابا، على الاهل ان يوجهوا الطفل ويرشدوه وبالطريقة التي تكون اقرب الى قلبه.
قد يلجأ اغلب اولياء الامور لضرب اطفالهم بسبب ضغوطات العمل، او الضغوطات الاجتماعية، او بسبب المشاكل العائلية التي تؤثر على نفسيتهم، فيستخدمون الضرب حتى بدون اي سبب مقنع، او من دون اي علة سلوكية، تشاهد على الطفل تتيح لوالديه مثل هكذا تصرف، ويلاحظ هذا النوع بنسبة اكبر عند النساء بعد التعرض للمشاكل خاصة مع الزوج، فيلجأن لضرب الطفل، وهنا يؤخذ الضرب من جانب التشفي لكن ليس من الظالم وانما مِن مَن لاحول له ولا قوة، لانها لا تستطيع في الحقيقة مواجهة من عنفها او ازعجها.
لذا على الاهل ان يعلموا جيدا ان الضرب وسيلة الضعفاء من اولياء الامور، ممن ليس لديهم القدرة على مواجهة سلوكيات الاطفال المتغيرة بصورة مستمرة، فيلجؤون لضرب الطفل ظناً منهم بأنه اصبح مطيعا لهم، ومنقادا تحت تصرفهم، لم يعلموا بأن هذا الطفل يُخزِن هذه الآلام والاوجاع والانكسار النفسي في داخله، حتى وان لم يظهر لهم ذلك ولكن ستظهر الاثار واضحه عند الكبر.
ومن ابرزها ضعف الشخصية في المجتمع وداخل الاسرة، او السلوك العنيف كرد فعل لما واجهه، او الانحراف، او الانطواء بسبب الخوف والانكسار الداخلي الذي يبقى ظاهرا عليه الى اخر عمره، وقد يواجه الطفل امراضا عارضة في نفس المرحلة العمرية، كالامراض النفسية والعقلية، وقد يصاب الطفل بوعكات صحية نتيجة نقص مناعة الجسم، بسبب فقدان الشهية للطعام جراء استخدام الضرب.
نرى نسبة كبيرة جدا يشعرون بالندم بعد ضرب الطفل، لكن هنا لا يكون للندم وقع كبير وموثر، فالانكسار النفسي حصل، والطمأنينة باتت بعيدة حتى وان حاول الوالدان ان يصححوا ما فعلوه، فسيحتاج هذا الى وقت طويل وجهد، ولن تعود العلاقات او التواصل كسابق عهدها، حتى لو حاول الطفل ان يبين ذلك.
ومن اهم الوسائل التي تساعد على التقليل من الضرب بالنسبة للوالدين، والتي تعد كترويض للنفس هي:
- مواجهة النفس ولومها، ومحاسبة الشخص لنفسه عند ضرب الطفل.
- معرفة الاسباب التي دعت لاستخدام هذا الاسلوب، ولماذا لم يستخدم عوضا عن ذلك الحوار او النقاش او اسلوب العقوبات المعنوية واتخذ هذا الاسلوب.
- ان يضع دوما في تفكيره ان الطفل امانه فالحفاظ عليه هو حفظ الامانة، لذا على الاهل استخدام الوسائل التي تنميه وتطوره لا التي تهبط من معنوياته وتؤخره عن اقرانه.
- اللجوء للتقرب من الله جل وعلا، فيشعر الشخص بالراحة والطمأنينة وبالتالي يبتعد عن ما يغضبه.
- اتخاذ القدوة الحسنة في التربية والسلوك لارشاد الطفل، تحت منهج وضوابط اخلاقية اسلامية مهمة لتقويم سلوك الطفل من دون ضرب او تعنيف.
- واخيرا من اجل حياة هانئة لطفلك، عاهد الله بأن تحافظ على هذه النبتة الرقيقة (طفلك)، بتقديم السند والعون لها، واحتوائها وحمايتها مما يعصف بها او يهزها او يحاول ان يغير من استقامتها، لكي تنموا بصورة صحيحة من دون انكسارات او خدوش او ألم.
اضف تعليق