في مجتمع باتت وسائل اللهو فيه عديدة ومتنوعة، ولشدة كثرتها جعلت افراد المنزل كغرباء تحت سقف واحد، حيث تجد كل فرد منهم يحني جسده، ويركز بصره وجميع جوارحه على جهاز لوحي او لمشاهدة برامج تلفزيونية، او سجلات وقوائم عمل، او اية اعمال اخرى، تتراوح بين ضرورية لكن مكانها ليس المنزل او في داخل محيط العائلة، واخرى غير ضرورية تعتبر مضيعة للوقت والجهد، من دون ان يشرك اي شخص في المنزل فيما يقوم به.
ولهذا السبب اخذ التباعد يزداد شيئا فشيئا الى ان وصل الحال ببعض الاسر لدرجة عدم الاهتمام بما حولهم حتى لو كان هذا الشخص اب او زوج او ابن او ما شابه. وبطبيعة الحال اي امر نجده في البداية شيئا غريبا نصبح معتادين عليه بعد فترة وهذا ما حصل، حيث وصل الامر بأغلب الاهالي بعدم الشعور بالمسؤولية اتجاه اطفالهم، بسبب انشغالاتهم الكثيرة التي غالبا ما تكون تافهة ومملة او ليست من الاولويات التي تستدعي كل هذا الإهمال.
فعندما ينشغل الاهل عن الاطفال ويتواصلون مع غيرهم من الاصدقاء والمعارف والمحيطين من خلال وسائل التواصل او بطرق اخرى، يستقطع كل هذا من وقت اطفالهم، مما يؤثر سلبا على مجرى الحياة التربوية للطفل، او يؤدي الى تغير بسلوكيات الطفل لغرض جذب الانتباه وفي احيان اخرى يكون سببا لانحراف الطفل، وفي احيان اخرى يتسبب بمشاكل نفسية او جسدية، من دون إدراك ان سبب هذه المشاكل هو الفراغ الحاصل للطفل من ابتعاد الاهل.
وهنا نقول: ألا يجب ان تكون هذه الساعات الثمينة مخصصة لمن نحن مسؤولين عنهم لكي نستطيع رعايتهم رعاية صحيحة؟؟ ألا يجب أن نرعى الامانة ونحافظ عليها؟؟.
تقول احدى الامهات التي احست بالندم ولكن بعد فوات الاوان... كنت جالسة منشغلة عن طفلي فسمعت صوت شيئا سقط ارضا... فتساءلت في نفسي ماذا سقط؟ ادرت وجهي نحو مصدر الصوت واذا بصغيري مرمى على الارض من دون حراك.
اسرعت نحوه متأملة انه سينجو كما ينجو في كل مرة. فلم تكن هذه المرة الاولى التي يقع فيها بمأزق، ففي احدى المرات سقط من اعلى السلالم، لكني ألقيت اللوم على زوجي لأنه لم يوص بصنع باب لها، ومرة اخرى تناول ادوية للسكر فاتهمت زوجي بأنه المذنب، لأنه وضع صيدلية المنزل منخفضة. ومرة اخرى دهس بسيارة فاتهمت السائق بأنه لا يجيد السوق. وعندما عضه كلب في طريق العودة من المدرسة القيت اللوم على المسؤولين بعدم تصفية الشوارع من الكلاب السائبة.
وهكذا في كل مرة اجد من ارمي على عاتقه اهمالي وعدم شعوري بالمسؤولية، وكان الله يرحمني ويمهلني في كل مرة، فيرده الي ويرجعه الى احضاني سالما ومعافى. لكن ما جرى اليوم لم يكن بالحسبان، فصغيري ممد على الارض لا يحرك يدا ولا رجلا، وانفاسه مكتومة كشخص مجبر على ذلك، وقد تبدل لونه الزهري الى لون ازرق مائل في بعض مناطق وجهه للسواد، اعلم جيدا انه قد فقد الحياة ولكن ما الذي حصل له.
لا استطيع رؤية ما حولي بدقة فعيوني مملوءة بالدموع، وصراخي مستمر، وقلبي يدق بصورة غير منتظمة، والخوف والرعب قد ملأني، لكن احاول ان اعلل ما جرى ليتسبب له بفقد حياته، اتذكر قبل دقائق مضت مر من جانبي يجر كرسيه الصغير بيده الصغيرة، فلم أعر لذلك اهمية ولم اكلف نفسي لأساله لماذا تجر كرسيك او الى اين انت حامله فقد كنت منشغلة بالتعليقات والمحادثات عبر برامج التواصل الاجتماعي.
انظر حولي كالمجنونة وانا اصرخ وابكي والطم في وقت واحد، ها قد لاح لي شيء..... لقد تناول ولدي سُما!! نعم فلقد نسيت او اهملت ارجاع حاجيات الخزانة عندما اخذت منها ما احتجته الليلة الماضية، فقد كنت احاول ان اسرع في عملي لكي لا افوت مشاهدة برنامج تلفزيوني اتابعه يوميا، فلم ارجع الحاجيات الى اماكنها، وتركتها على الطاولة.
وها قد سقط ولدي قتيلا بسببي.. على من سألقي اللوم هذه المرة، هل سأقول لأبيه انك السبب، ام اجد شخصا كبائع السم او صانع الطاولة فألقي عليهم اللوم، ام اقول ان الطفل كان فضوليا وفي الحقيقة انا من وضعت السم قريبا من يديه، كل هذه مبررات اضعها لنفسي لأبرئها ولمن حولي فاتهمه بالتقصير، وانا متيقنة بان التقصير مني، هل ينفع الصراخ، هل ينفع البكاء، هل ينفع حتى لو نثرت التراب على رأسي، هل سيصحو ولدي من موتته لو اقسمت بأنني سأرعاه ولن اهمله طرفة عين ابدا، لن ينفع اي شيء هذه المرة، فقد امهلني الله كثيرا، واعطاني فرصا عديدة لكي التفت الى ما كنت مقصرة اتجاه ولدي فيه، من اهتمام ورعاية، لكن فات الاوان وضاعت الفرصة وها قد مات ولدي بعد ان تجرع السم في لحظة، وتركني لكي اتجرع سم الحياة من فقده في كل لحظة.
اضف تعليق