بعد عقد ونصف من يومنا هذا سنعقد مجلسنا ونتساءل: كيف كانت إجراءاتنا مع مواليد هذا العام؟ وكيف رافقت عنايتنا بعد عناية الله لحياتهم ليصلوا لعمر الخمسة عشر عاماً؟ ماذا قدمنا لهم من كفاءة العيش وجودته وكيف تم إعدادهم للمستقبل القريب وكيف عززنا رفاههم بكل الوسائل المتاحة؟ كل شيء يخص حياتهم كيف تعاملنا معه، وحينها سنكتشف كيف كانت خططنا ومستوى تطبيقها، فالخمسة عشر سنة سابقة كانت مغبنة بحق أطفالنا وهم يكابدون كل انواع الاهمال وقبله القتل والتشريد والنزوح الاجباري والطوعي بحثاً عن العمل والملاذات الاكثر أمناً أو حتى الهجرة ومعاناتها.
اذا كان طموحنا ان تكون اجابتنا ايجابية عن ذلك فعلينا اليوم ان نرافق اطفالنا ونلازم احلامهم بشكل اكثر التصاقاً وعلينا أن نحّسن انتاجية الجيل القادم، هل تم تحريرهم من العنف الاسري وجنبناهم سوء المعاملة؟ وكيف كنا اذان صاغية لمطالبهم التي لا تتعدى حدود الكرامة في العيش وهل عملنا على تجنبهم آثار الحقد الطائفي بكل الوسائل المتاحة وعقدة التطرف بأشكالها هل تمكنا من ازالتها من نفوسهم؟
الاطفال لدينا لم يكونوا يوماً بمعزل عن دائرة العنف لأسباب عدة منها لانهم الحلقة الاضعف في سلسلة المجتمع وإفتقار الاسرة لأساليب التربية الصحيحة والحروب والجرائم ومنها الاختطاف والقتل والارهاب الذي شملهم بقسوة بالغة حين اقتص رقاب اولياء امورهم قبل رقابهم وترك الكثير منهم بدون معيل فهناك ايتام فاق عددهم الأربعة ملايين يتيم وهذا امر طبيعي فكل شهر لدينا قائمة اسماء بالشهداء مع مرفقها من اسماء الارامل والايتام تتنازعهم أفواه الفقر والعوز المادي والتربوي لا أحد يمكنه التعويض عن آبائهم ولم نستطع نحن إصلاح انفسنا اولاً لنصلحهم فأطفال العراق لايتشاركون مع اطفال العالم مطلقاً في الحقوق التي تقيسها الأمم المتحدة "حق في البقاء والنماء، وفي التعليم، وفي التحرّر من العنف وسوء المعاملة، وفي المشاركة وإسماع الصوت".
على الرغم من ان هناك دائرة ضيقة من الاطفال ممن حظو بنسبة محددة من تلبية حقوقهم المشروعة في حياة متكاملة من خلال أسر حاولت بشق الانفس أن تقدم لأطفالها ما يمكنهم من استكشاف الحياة على حقيقتها، علينا العمل على توسيع تلك الدائرة لتشمل مساحة اكبر من اعداد الاطفال لدينا 5 ملايين طفل حسب الاسقاطات السكانية لعام 2013 يضاف اليهم 1.5 مليون طفل تقريباً لعامي 2014 و 2015 يصبح مجموع الاطفال لدينا دون الخمسة اعوام 6.5 مليون نسمة وهو عدد هائل يعادل نسبة 16.6% من مجموع سكان العراق البالغ 36 مليون نسمة حسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2014.
أطفالنا يكابدون بمرارة لأشد انواع العنف وطأة على اجسادهم الغضة، يتقدمها الاكثر قسوة متمثلة باجبارهم قسرياً على خوض سوق الاعمال الصعبة في ظروف عمل قاسية كصناعة الفحم وفي محيط عمل مفعم بالغازات القاتلة والعنف التربوي الجسدي والعنف الاسري بفقدان أرباب الاسر لأدنى مستويات حقوق الطفل في التعامل معهم والعنف الجنسي وما اقساه عليهم، الكثير من القصص المؤلمة التي تهتز لها الانسانية جمعاء حدثت مؤخراً بإنتهاكات جسدية بحقهم لعدم قدرتهم على المقاومة ولا وجود لمن يطالب بحقوقهم ونخص بالذكر تلك الاسر التي فككها فقدان التوافق بين الابوين ساهم بذلك صعوبة العيش وزيادة متطلباته اليومية، ومع ازمة اقتصادية كبيرة التأثير على حياة الاسر سنشهد انتهاكات اخرى بحق اطفالنا لتزيد من وطأة صعوبة الحياة عليهم وتوطد في داخلهم مشاعر الحقد والغضب على مجتمعهم، اننا ببساطة نخرّج اجيالاً سنشهد مسيرتها عكس تيار التنمية المستدامة التي نرقبها أن تبدأ لتحدث الفرق في الحياة العامة في البلد، لا نعلم لمن ستوكل قيادتها؟
ومن جانب أخر تتفاقم لدينا ظاهرة "اطفال الشوارع" بشكل سريع يدفعهم الى ذلك زيادة معدلات النمو لدينا بشكل غير مسيطر عليه والحالة الاقتصادية التي تفرض ظلالها القاتمة على أسرهم مما دعا الكثير منهم الى بدأ طفولته بالتسول في الشوارع والمبيت بها احياناً، حيث تغص تلك الشوارع وعند مناطق التجمعات السكانية والاسواق وتقطعات الطرق بالآلاف منهم تميزهم سحنتهم البائسة بفعل انعدام العناية والاهتمام بحالتهم الصحية والنفسية تتناهبهم اخلاق الشوارع ليكونوا في مرمى الاستهداف من قبل عديمو الضمير ممن يستغلون حاجتهم الى المال لتنفيذ اعمال منافية للقانون والشريعة.
لم يعد للقانون او الشريعة سيطرة عليهم فقد تسبب المجتمع والخطط الحكومية الفاشلة في خروجهم عن طاعة الاسرة وعصيان كل المجتمع وسيصبحون يوماً كتلة ثورية سلبية تصب جام غضبها على المجتمع، انهم نواة تأسيس العصابات الجرمية على اشكالها بعدما انعدم اكتراثهم بالحياة واصبح بقائهم على سطح الحياة أو تحت اديم ترابها سيان.
لايملكون شيئاً يخافون عليه أو ان أملاً بتغير حياتهم وحينما سنواجه مثل تلك النماذج سنكون نحن الخاسرون دائماً في معركة الاصلاح، ففي البدء نحن لم نحسن العمل معهم لنصبح في النهاية هدفاً لمشاعرهم السلبية، قد يخيل للبعض انه موضوع بسيط لاينافس الازمة الاقتصادية في تأثيره، ولكن العكس ستثبته الايام القادمة في جيل يعاني من اضطرابات نفسية وفوبيا من كل شيء، فما يتعرض له الاطفال من إضطهاد، لا يعلمونه لصغر سنهم ولأنهم درجوا على تلك المعيشة وكأنها هي حياتهم الافتراضية في حين غيبت حقوقهم بعمد لكي لايطالب بها أحد.
لقد طور العالم انظمة كثيرة تساعد الاطفال على الحفاظ على مكتسبات وحقوق كثيرة تمكنهم من تجنب العنف بحقهم ومن ضمن هذه الحلول يتمثل بدور الشرطة المجتمعية في الحفاظ عليهم من تأثيرات المجتمع، والتوعية القوية في هذا المجال عن طريق المدارس وهيئات الاشراف التربوي، وعقد مؤتمر وطني لدعهم بشكل كبير وبناء ومساعدة اسرهم على دفعهم الى مقاعد الدراسة، فعلى قدر ما يمكننا من استقطاب الاطفال سيكونوا في مستهدفين من مناهج تربوية علينا إعادة صياغتها على وفق مبادي حقوق الطفل ولتوعيتهم بأهميتهم في بناء المجتمع.
لأطفالنا في عيدهم العالمي، نوجه الدعوة الصادقة الى مجلس النواب العراق لتبني أكثر القضايا تأثيراً على مستقبل الوطن وليكن عام 2016 عاماً للطفل العراقي المضطهد نحاول أن نبدع في تشريع قوانين جديدة تواكب تطور العالم في مجال حقوق الطفل لتكفل له عيشه بكرامة بعيداً عن شياطين الشوارع وآفات المجتمع عسى ان يرعوي أعضاء مجلس النواب ويستذكروا الطفل العراقي ومعاناته التي لا تنتهي.
اضف تعليق