كانت هناك ورقة ملصقة على الجدار مكتوب عليها: فقدت خمساً وعشرين ألف دينار وانا في أمس الحاجة اليها، لا أملك المال لسد مطالب الحياة، أرجو إن حصل شخص على ذلك المبلغ أن يرد لي مالي في أسرع وقت الى العنوان التالي (.......).
رأى أحدهم تلك الورقة فأخرج من جيبه ذلك المبلغ ومشى مسرعاً نحو ذلك العنوان وبعد أن طرق الباب أخرج ذلك المبلغ من جيبه ليسلمه لتلك العجوز لكنه فوجئ عندما رأى الدموع تنهمر من عينها.. قالت له أنت الشخص الخامس الذي يأتي ويدق الباب ويدّعي إنه وجد مالي. ابتسم الشاب وهلّ مستبشرا وتحرّك نحو الباب بينما كانت تلك العجوز تمسح دموعها وتدعي لحسن عاقبة ذلك الشاب قالت له: من فضلك أزل الورقة من ذلك الجدار لأنني لم ألصقها ولا أجيد الكتابة أصلا !.
كنت يائسة من الحياة ولكن هذه الملاطفة والمواساة وهذا الإحساس بأن الدنيا لا زالت بخير وشعرت بأنني لا زلت راكبة على قطار الملاهي لا يتجه إلا صعوداً رغم وحدتي ويأسي، ولا يستطيع الانسان ان يعيش وحيدا في هذا العالم وفي بعض الأحيان كلمة جميلة أو فعل جميل في حق الآخرين يزرع أمل الحياة في وجودهم ويسهل عليهم قسوة الظروف الصعبة التي يتحملها البعض بألم.
لذلك فإن مساعدة الآخرين تعد من أعظم أبواب الخير ولها ثواب عظيم عند الله عزوجل وقد حث جميع الأنبياء والعظماء على هذه الفضيلة، وتعد مساعدة الآخرين من الأخلاق الإسلامية العالية الرفيعة التي ندب إليها الإسلام وحث المسلمين عليها، وجعلها الله عزوجل من باب التعاون على البر والتقوى وإن مساعدة الآخرين واصطناع المعروف باب واسع يشمل كل الأمور المعنوية والحسية وأما عن فضائل هذه المساعدة فمنها: أن مساعدة الآخرين نوع من الإحسان، وقد قال تعالى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195}.
وقال سبحانه: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ {الأعراف:56).
وقال سبحانه: نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (يوسف:56).
ورد في مستدرك سفينة البحارقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(من سعى في حاجة أخيه المسلم لله فيها رضى وله فيها صلاح فكأنّما خدم الله ألف سنة ولم يقع في معصيته طرفة عين).
مساعدة الآخرين في السطور المسيحية :
تحث المسيحية على مساعدة الآخرين وعدم التوقف عن هذا الأمر العظيم حيث ورد في كتبهم :فَلاَ نَفْشَلْ (نتعب) فِي عَمَلِ الْخَيْرِ (مساعدة الآخرين) لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ. غلاطية 9/6
أن تكون عظيما عند الرب يشمل إمكانيتك في أن تهتم بنفسك وتُساعد الآخرين ويقول الكتاب المقدس: "وَاللهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ (كل بركة أرضية)، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ (تمتلكون ما يكفي لكي لا تحتاجوا مساعدة أو دعم) كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَل صَالِحٍ (تُقدمون بوفرة لكل عمل صالح وتقدمة خيرية). كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«فَرَّقَ (وزع على من حوله). أَعْطَى الْمَسَاكِينَ. بِرُّهُ (أعمال بره وصلاحه وتحننه وسخائه) يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ».2 كورنثوس 8/9-9
مساعدة الآخرين من الحكم التي تعرضها اليهودية على المؤمنين:
إن الديانة اليهودية، شأنها شأن غالبية الأديان، لا تكتفي برسم خطوط العبادة بل تتطلع إلى وضع رؤى وتصورات المؤمن في قضايا المعاملات بين أفراد المجتمع، واحدة من هذه الحكم التي تعرضها اليهودية على المؤمنين فيها في مسعى لتحسين حياتهم اليومية:
إن أعلى مراتب الصدقة هي مساعدة الآخرين لكي يستطيعوا مساعدة أنفسهم (تحقيق الاكتفاء الذاتي): يجب الإشارة إلى أن المفردة العبرية الأصل “صدقة” مشتقة من مفردة “صيدق” (أي العدالة بالعربية)، ما يعني أن الصدقة هي الطريقة المثلى لإصلاح حال العالم. وقد تأتي الصدقة على شكل الأموال لكنها قد تتمثل أيضاً بمساعدة شخص ما على البحث عن العمل. وتعتبر الديانة اليهودية كل أنواع التصدق على الآخرين أمراً جيداً غير أنها تمنح الأولوية الأخلاقية لأي مساعدة تقدَّم للشخص الآخر بشكل يجعله لاحقاً يستغني عن المزيد من الصدقة كما نرى اليهود يساعد بعضهم البعض كي لا يحتاج أحدهم الى الآخرين (غير اليهوديين)
دراسة علمية تؤكد أن مساعدة الآخرين تعالج التوتر النفسي
أكد الخبراء في مجال علم النفس أن مساعدة الآخرين من شأنها أن تخفف توتر الأعصاب، حيث إن الانخراط في معاونة الآخرين يحفز إفراز هرمون "الإندورفين"، وهو هرمون يساعد على الشعور بالراحة النفسية والنشوة.
ويؤكد المدير السابق لمعهد "النهوض بالصحة" في الولايات المتحدة الأمريكية "آلان ليكس" أن معاونة الآخرين تساعد على تقليل حدة الضغط العصبي، حيث إن مساعدة الفرد للآخرين تقلل من تفكيره بهمومه ومشاكله الشخصية ومن ثم يشعر بالراحة النفسية.
ولكن كل هذه الفضائل والفوائد بشرط أن تكون المساعدة لوجه الله ولمساعدة خلقه فقط وليس لأجل المعاملة بأن يقدم الشخص لمساعدة الآخرين، كي يساعدوه في يوم من الأيام ويرجعوا هذا الاحسان اليه في يوم الشدة! لذا فإن مساعدة الآخرين وصفة طبية من قبل الله ويوصي بها عظماء التاريخ منذ القدم وعلماء النفس في زمننا الحالي لطول العمرالفرد والمجتمع والعلاقات فيما بينهم وغاية الحياة البشرية هي مساعدة الاخرين والتعاطف معهم بأجمل ما يمكن لان الناس صنفان كما قال أمير الكلام علي ابن أبي طالب: (إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق).
ومن أجمل الأشعار في مساعدة الآخرين ما خطه يراع الشاعر:
ھموم رجال في أمور كثیرة ..... وھمّيِ من الدْنیا صدیق مساعد.
اضف تعليق