إن ذهاب الإسلام نحو السلام، هو الذي ميزه عن الآخرين، من الأمم والأقوام الأخرى، لأن القاعدة الأهم التي وضعها الإسلام وتمسك بها هي السلام، وأما الحرب فهي الاستثناء الذي يُجبَر عليه المسلمون دفاعا عن أنفسهم وأرضهم ودولتهم وحقوقهم، لذا فالسلام هو الأصل وما عداه أو الاضطرار...
(إن القاعدة في الإسلام هو السلام، والحرب استثناء، إلا في أقصى حالات الضرورة)
الإمام الشيرازي
الحروب كما عرَّفها الخبراء العسكريون تكون على أنواع، كل نوع منها مختلف عن الآخر ومناقض له، فهناك الحرب الهجومية القائمة على سياسة الاستحواذ وحصد الغنائم الممكنة، رغبة بالتجاوز على الآخرين، وتنفيسا عن غضب مريض يبقى يشتعل في قلب المستبد، ولا تبرد ناره إلا عندما يُطلق سلاحه وجيوشه على الشعوب والدول الآمنة.
وهنالك الحرب الدفاعية، وهي (أنظف) أنواع الحروب، لأنها غالبا ما تكون محدودة وأضرارها بسيطة، وإمكانية احتوائها وإطفاء نيرانها سهلا وممكنا، وهذا النوع من الحروب الدفاعية يعتمده (الحاكم الحكيم)، كي يقلل الخسائر، ويقصّر من عمر الحرب، ويفتح طرق عديدة للحوار مع الطرف الثاني، ويتمسك بقواعد الحرب الدفاعية وأول وأهم شرط من شروطها أن لا تبدأ بمهاجمة الطرف المقابل، ولهذا فإن لجوء الدول إلى هذا النوع من الحروب (الدفاعية) يقلل العنف في العالم، ويحاضر الحروب ويجعل الحياة أفضل وأكثر استقرارا.
الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، يقول في كتابه الموسوم بـ (فقه السلم والسلام الجزء الثاني):
(إن الأصل في الإسلام هو السلام، فقد كادت الإمبراطوريات المختلفة أن تقضي على الحرث والنسل، قبل بعثة النبي الأكر صلى الله عليه وآله فاختار اللـه سبحانه وتعالى الإسلام حدباً عليها ورحمة بها وشريعة سمحاء لها، بعد أن اصطفى الرسول محمدا صلى الله عليه وآله، لأداء هذه المهمة المقدسة ونشر الرسالة الطاهرة المطهرة المتمثلة بنشر الرحمة والسلام للبشرية)
إذن من أهم قواعد الحرب الدفاعية عدم مهاجمة الطرف الآخر، لهذا لوحظ أن الإسلام التزم بهذا البند التزاما شديدا، بل وحث الجميع على أن يتمسكوا بهذه الخطوة التي تنزع فتيل الحروب قبل بِدْئها، ولم يتّجه المسلمون ولا قادتهم العظام في بداية نشر الرسالة النبوية، إلى أسلوب مهاجمة الدول الأخرى رغم ضعف تلك الدول بالقياس إلى قوة المسلمين.
الأصل هو السلام في منظور الإسلام
ومع ذلك لا يُسمَح بالاعتداء على الآخرين، ولا يمكن للقوة أن تبرر للحكام مهاجمة الدول والشعوب الأخرى، فالأصل هو السلام، أما العنف والقتال والحروب، فهي استثناء، قد تضطر إليه الدول والحكومات، ولكن ضمن شروط تأتي في المقدمة منها الدفاع عن النفس، فلا شيء يبرر الدخول في حرب مع طرف آخر إلا إذا تمت مهاجمة الدولة واستباحة حدودها.
بعكس ذلك لا يسمح الإسلام مطلقا بالحرب والاقتتال، تحت أية مبررات كانت، ولهذا جاءت جميع الحروب التي دخلها المسلمون تحت هذا الشرط، حيث تعرضت دولة المسلمين إلى الفناء والتهديد الوجودي، عند ذاك دافع المسلمون عن دولتهم وأرضهم وأنفسهم وأموالهم.
يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة:
(لم يعرف عن الإسلام أنه أعلن الحرب في العالم وهو في ذروة دعوته وانتشاره في أزهى عصور سيادته، إلا ما شرعه دفاعاً لدرء الخطر والذود عن النفس والعرض والمال والوطن عند الاعتداء على أحدها، من قبل المولعين بالعدوان).
ولهذا صرّح بعض العلماء الغربيين بأن الحروب الإسلامية، أي يكون الإسلام أحد طرفيها، فإنه تعد من أنظف الحروب، لأنها ليست هجومية، ولن يكون هناك اعتداء على الآخرين من مواقع هجومية، بل العكس تماما حيث يتعرض المسلمون إلى الهجومات والتهديدات بالقتل والفناء، حينئذ يجرد المسلمون سيوفهم من أغمادها ويقاتلون دفاعا عن النفس وليس هجوما على الأقوام الأخرى.
بمعنى لم يدخل المسلمون حربا إلا وكانت هناك ضرورة ضرورات حتمية لخوضها، وإن لم يفعل المسلمون فإن حياتهم تتعرض للخطر، وممتلكاتهم للنهب، وأعراضهم للهتك، لهذا يدخل المسلمون حروبا دفاعية، وهذا ما يجعل منها نظيفة، تتم وفق قواعد إنسانية لا يمكن أن يُساء فيها إلى افراد العدو الأسرى، ولا التمثيل بالقتلى، بل احترام الإنسان في حياته ومماته.
هذا ما يشير له الإمام الشيرازي في قوله:
(لم ير العالم قبل الإسلام ولا في هذا اليوم ولا في مختلف الحضارات حروباً أطهر وأرفع من الحروب الإسلامية، وذلك ما صرّح به وبنزاهتها حتى بعض علماء الغرب الذين يتحرّون الحقيقة ويقولونها، فإن الحرب قد لا يكون منها مناص عقلاً للدفاع عن الدعوة في مواجهة المعتدي والتصدي له، أو الدفاع عن النفس وما أشبه من أسباب مبررة ومسوّغة للحرب).
إن ذهاب الإسلام نحو السلام، هو الذي ميزه عن الآخرين، من الأمم والأقوام الأخرى، لأن القاعدة الأهم التي وضعها الإسلام وتمسك بها هي السلام، وأما الحرب فهي الاستثناء الذي يُجبَر عليه المسلمون دفاعا عن أنفسهم وأرضهم ودولتهم وحقوقهم، لذا فالسلام هو الأصل وما عداه أو الاضطرار.
الحرب هي الاستثناء
أما الغرب فهناك نزعة مادية تعمي أبصارهم وتطفئ بصائرهم، فيدخلون الحروب مهاجمين للآخرين، ناهبين لثرواتهم، ومستعبدين لهم، لذلك عادة ما تكون حروبهم دموية وتُزهق فيها الأرواح ويتم فيها انتهاك الحقوق، وهذا ما لاحظناه في أخطر حربين عرفتهما البشرية وهما الحربان العالميتان الأولى والثانية، وملايين من القتلى والمفقودين والمشردين، ولا تزال تداعياتها حاضرة في عالمنا إلى الآن.
حيث يقول الإمام الشيرازي:
(إن القاعدة في الإسلام هو السلام، والحرب استثناء ولا يكون إلا في أقصى حالات الضرورة، بينما نشاهد منذ أن أخذت الحضارة الغربية بزمام المبادرة، وتسنمت مقاليد الأمور اشتعل العالم بحروب دموية ضارية لا مثيل لها في التاريخ المكتوب، تجاوزت كل المعايير والقيم والمبادئ، وحسبنا شاهداً في هذا القرن الحربان العالميتان الأخيرتان ونتائجهما الوخيمة السيئة على البشرية إلى هذا اليوم).
هناك من يقول إن الحضارة الغربية خدمت البشرية في جانب الرفاه والتقدم التكنولوجي، وهو أمر صحيح ومتفق عليه، ولكن ما فائدة هذا الجانب الترفيهي مع ظهور الحروب العبثية التي دمرت العالم، وخلّفت ملايين الفقراء والمشردين، ونشرت الفوضى بين بني البشر، وصنعت تلك الفجوة الاقتصادية الهائلة بين أغنياء العالم وفقرائه.
(صحيح أن الحضارة الغربية أمدت البشرية بشيء من الرفاه والتقدم الصناعي وما أشبه ذلك، إلا أنه من الصحيح أيضاً والذي لا يقبل الريبة واللبس أنها دمرت البشرية بالحروب الكبيرة والثورات الفوضوية والفقر وأمثال ذلك). هكذا يرى الإمام الشيرازي لهذه الوقائع التي لا يمكن تغطيتها او إخفائها.
للك وضع الإسلام خطوة حازمة في منع الإقدام على الحرب، وهذه القاعدة تمنع الدخول في الحروب منعا تامًّا، إلا في حال كانت صدًّا لعدوان، أو حماية للدعوة النبوية، أو تصديا لكل حالات الاضطهاد التي قد يتعرض لها الناس، والسعي لحماية حرية التدين، حتى أُطلق على هذا النوع من الواجبات بـ الجهاد، وهناك ضوابط تشريعية خاصة تنظم هذا الواجب.
حيث يقول الإمام الشيرازي:
(لم يأذن الإسلام بالحرب إلا درءاً للعدوان، وحماية للدعوة، وتصدياً للاضطهاد، والتماساً لحرية التدين، فإنها حينئذ تكون فريضة من فرائض الدين، وواجباً من واجباته المقدسة ويطلق عليها اسم الجهاد).
وهكذا فإن قضية الحرب وخوضها لها قواعد وشروط في المنظور الإسلامي، وهناك مجموعة من الخطوات والاشتراطات تم عرضها وشرحها، هي التي تسمح بخوض الحرب (دفاعا عن النفس)، وعندما تكون مهدَّدا وجوديا، عدا ذلك فإن الإسلام لا يسمح بخوض الحروب، ولا يجد مبررا لها، للأسباب التي تم ذكرها، فالسلام هو الأصل في الحياة، أما الحرب، فهي حالة الاضطرار ضمن ظروف محددة في المقدمة منها التهديد الوجودي.
اضف تعليق