q

يمكن قراءة الرمزية التي حصل عليها وزير الدفاع خالد العبيدي على المستوى الجماهيري، بعد جلسة البرلمان العراقي الصاخبة في الأول من آب الجاري، على أنها رمزية عاطفية، غير أن أمد هذه العاطفة قد يصل -وإن طال- إلى خريفه.

الزلزال الذي أحدثه الوزير في القاعة النيابية كان أكبر من حجم التوقعات، حتى رغم تمهيده له عبر تصريحات إعلامية ولقاءات مع سياسيين.

بعيداً عن البرلمان المصدوم، كان للجولة التي أجراها الوزير -على غير العادة- في منطقتي الكاظمية والأعظمية بما تمثلان من رمزية عند المجتمع البغدادي، وزيارته مرقد الإمام موسى الكاظم عليه السلام، والتفاف الجماهير حوله، مدلولات لابد من التوقف عندها، من أهم مدلولات هذه الجولة هي أن نظام المحاصصة الطائفية في العراق بات عارياً وإن حاول السياسيون ستره ببعض التنظيرات التي لم تعد ذا قيمة للجماهير التي جاءت تصريحات الوزير العبيدي بمثابة الماء البارد الذي أطفأ لهيب الصيف الأكثر سخونة في تاريخ العراق.

ولكن، هل يكفي عري نظام محاصصة سمنت بموجبه قطط الأحزاب والحركات السياسية ؟ هل يمكن الحديث عن نظام رئاسي في العراق يعتمد مركزية الدولة بعد التجربة المريرة للنظام البرلماني، و فضائح البرلمانين التي أزكمت الأنوف؟، وآخرها طبعاً فضيحة رئيس مجلس النواب وأعضاء آخرين.

ليس الأمر بهذه السهولة قطعاً، فدستور العراق يقول بالنظام البرلماني؛ لذلك فأن طرح مثل هذه الفكرة قد يصطدم بعواقب تشريعية وقانونية.

إذن، تبدو المطالبة بتغيير النظام البرلماني حالمة بعض الشيء غير مستندة لأي معطى واقعي، وتبقى شأنها في ذلك شأن الفكر السياسي قائمة على احتمالات قد لا تصيب في ظل معطيات أخرى.

تصريحات وزير الدفاع، كدّست أسئلة كثيرة في الذهنية العراقية، خصوصاً بعد ان امتدت ظلال التصريحات لما هو ابعد من الشأن الداخلي، وهو ما أثبته البيان المتشنج والصادر من جماعة الأخوان المسلمين في مصر والعراق، البيان وصف الوزير العبيدي بـ (المرتد)؛ كون التصريحات التي أدلى بها تمس رموز المكون السني وأبرزهم سليم الجبوري رئيس البرلمان والقيادي في الحزب الإسلامي جناح الأخوان المسلمين في العراق، جاء في البيان:

"فإننا نعلن انه لن يهدأ لنا بال حتى نسكت هذا الصوت النشاز الذي تطاول على اليد التي امتدت له سابقاً وأوصلته لما هو عليه الآن. ويشدد الأخوة على نقطة في غاية الأهمية وهي منع العبيدي لمحاولته تكرار السيسي النسخة العراقية بالإنقلاب على ولي نعمته، ومن مبدأ الدفاع عن النفس فإننا نعلن أن جميع الخيارات مفتوحة أمامنا لمنع الفسدة والمرتدين من قيادة الإسلام والمسلمين والتسلط على رقاب الإخوة وقد أعذر من أنذر ".

تبدو من اللغة (الأخوانية) المتشنجة في هذا البيان حالة المزاج السياسي السني المتعكر داخلياً وخارجياً من خطوة العبيدي التي قد تودي بمستقبل حضورهم في المشهد العراقي الشائك، او تعيد رسم ملامح المشاركة السُنية وفق آليات يمثل العبيدي رأس اجنحتها، وهو مالفت إليه البيان في مقاربته لتجربة السيسي في مصر، لكن التشنج هنا وصل لأبعد مدى يمكن أن يصله بتكفير العبيدي ووصفه بالمرتد قبل أن يصل لخلاصة الخيارات المفتوحة وهو تهديد صريح لاغبار على قصديته.

إننا نستبعد تكرار نموذج السيسي في العراق ؛ نظراً للتركيبة السكانية العراقية القائمة على تعدد الهويات، كذلك إن فرضنا وجود سيسي عراقي لابد أن يكون من المكون سين ما يعني انه سيواجه معارضة كبيرة من مكونات صاد وعين وغيرها. كما أن العبيدي وإن بدا بطلاً شعبياً مؤقتاً، مهدد هو الآخر بتهم فساد رأى كثيرون أن زوبعته هذه كانت بهدف التملص من الإستجواب النيابي، لذلك فمقاربة العبيدي بالسيسي مقاربة غير دقيقة بالمرة.

إن اللغة السياسية التي أعقبت هذا التسونامي الكبير اشتعلت مذهبياً بوصف رئيس البرلمان للوزير بأنه أداة لصراع سُنّي - سُنّي، وبغطاء شيعي.

والصراع السُنّي السُنّي السياسي ليس خافياً شأنه شأن الصراعات الشيعية الشيعية والكردية الكردية، غير أنه بان بوضوح أكثر بعد البيان الشامت لقائمة متخدون بزعامة أسامة النجيفي رئيس البرلمان السابق، والذي يُحسب الوزير العبيدي على جناحه السياسي. بيان متحدون ضرب اكثر من عصفور بحجارة واحدة، فقد أدرك ان مستقبل خصمه الجبوري متأرجحاً، بينما يكثر الحديث عن قرب تحرير مدينة الموصل من تنظيم داعش الإرهابي.

توقيت تصريحات وزير الدفاع مع قرب تحرير الموصل، قد ترسم إمارات القلق على المحيا الكردي الذي يراقب الأحداث بصمت وحذر مع تأكيدات من قيادات داخل كردستان بضرورة إشراك قوات البيشمركة في عملية التحرير، وهي التي تبسط سيطرتها على أجزاء من مدينة الموصل تسمى بحسب الإصطلاح السياسي (مناطق متنازع عليها)؛ لذا فالأطراف الكردية تخشى من تقارب اتجاه سُنّي يبدو قوياً يمثله الوزير العبيدي مع الشيعة، وما يدعم مخاوف الكرد هو حرص الوزير على تعرية الساسة السُنّة في جلسة مجلس النواب العراقي وهو يشير إلى إمكانية تقرب الوزير من مصدر القرار الشيعي الذي كان لكردستان صولات وجولات في إبعاد قادته كما حصل في تجربة إبعاد ابراهيم الجعفري، وذلك بعد خلافهم معه حول هو كركوك، ثم خلافهم مع المالكي الذي وصل لحد الصدام الإعلامي والإتهامات بسرقة موارد البلد ووارداته النفطية، واتهامات متبادلة في قضية احتلال الموصل.

وحتى شهر العسل الكردي مع العبادي لم يدم طويلاً، فذات المشكلات عادت لتطفو على الساحة، حتى أن مطالبات القيادة الكردية بضرورة انفصال كردستان عن العراق؛ زادت في عهد العبادي أكثر من عهد المالكي الذي رأس وزارتين بثمان سنوات.

والسؤال الآن: ماذا عن السيناريوهات المحتملة المقبلة؟، هل نشاهد تحالفات جديدة بعيدة عن الهويات؟.

بعض المعطيات تشير إلى تقارب محتمل بين جناح المالكي مع الحزبين الكرديين المتحدين حديثاً وهما الإتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير، بينما يمكن أن يتحالف حزب بارزاني مع المجلس الأعلى الإسلامي مع عدم حسم الخيارات الصدرية التي ستلعب مثل كل مرة دور اللاعب الحاسم.

الأهم من كل ذلك، وفي حال صحة هذه الفرضيات، مع من سيكون اللاعب السنّي؟، ومن هو هذا اللاعب ؟ هل هو المدعوم قطرياً وتركياً أم المدعوم سعودياً؟، وبأية نتيجة سينتهي الصراع القطري السعودي للسيطرة على سُنّة العراق، بعد أن بعثر العبيدي بيادق الرقعة، وحرك الأجواء بإلقائه حجراً في بركة البرلمان الراكدة؟.

اضف تعليق