يستعد الجنود العراقيون لتحرير الفلوجة من داعش وعلى ما يبدو قد أعطى الأمريكيون الضوء الأخضر لانطلاق العملية العسكرية، وتنقل وكالات الأنباء المحلية والعالمية على مدار الاسبوعين الماضيين مشاهد عن تحشدات الجيش العراقي حول المدينة.
وكما هو معلوم أن المدينة قد احتلت قبل حوالي العامين وان تحريرها بحسب آراء العسكريين العراقيين يعتبر مرحلة هامة لابد منها تمهيدا للعملية الأكبر وهي تحرير الموصل. القوات الأمريكية كما هو معروف لن تساهم في عمليات قتالية الى جانب الجيش العراقي وان مهماتها تنحصر في التدريب وتقديم المشورة العسكرية اضافة الى الدعم الجوي وتقدر أعدادهم بالمئات وهم على تماس بالاستعدادات العراقية لهذه العملية منذ بدايتها. ان بعض المسئولين والمواطنين العراقيين يعلقون آمالا على الدعم الامريكي المحدود هذا لكن بعضا آخر لا يجد محلا لهذا التفاؤل ولهم كل الحق في ذلك وحجتهم ان الجهة التي مولت ودربت وسلحت وأرسلت منظمة داعش الارهابية للعراق لا يمكن أن تقف الى جانب الجيش العراقي وتدعم عمليات تصفيتها والقضاء عليها.
فسجل الولايات المتحدة مليء بالقرائن الدامغة بأن داعش كسابقتها منظمة القاعدة الأم في وادي الرافدين هي اداة أمريكية لتنفيذ أهداف السياسة الأمريكية من خلال نشر الارهاب في دول لا تدين بالولاء أو ترفض الانصياع لسياسة الهيمنة الامريكية في المنطقة. فالدور الذي أنيط بالقاعدة في أفغانستان عام 1979 من قبل ادارة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر وبعده رونالد ريغن عام 1985 كان لزعزعة النظام التقدمي في أفغانستان واسقاطه. والدور نفسه قامت به في ليبيا عام 2011 بإسقاطها النظام الليبي وقتل زعيمه حينها معمر القذافي. والحال نفسه وبالأسلوب نفسه اختطفت عام 2011 المظاهرات السلمية التي انطلقت في سوريا مطالبة بالاصلاح الديمقراطي فحولتها الى حرب أهلية تدميرية لكل منجز حضاري وانساني والمهمة نفسها اضطلعت بها داعش منذ غزوها محافظة الموصل منذ عام 2014.
ظهور داعش في العراق اختير توقيته بعناية من قبل الولايات المتحدة بعدما شعرت ان الحكومة التي نصبتها بعد احتلالها للبلاد تحاول الخروج عن السكة المرسومة لها. حيث قامت بالتعاقد مع شركات نفط أجنبية كثيرة كان نصيب الشركات الامريكية من تلك العقود النصيب الأدنى، كما حاولت انهاء الوجود العسكري الأمريكي ورفض اقامة قواعد أمريكية دائمة في العراق بنفس الوقت الذي عززت علاقاتها السياسية بايران على حسابها وهو مالا يمكن أن تسمح به. فعملية احتلال العراق واسقاط النظام الصدامي كلفتها مئات المليارات من الدولارات وفقدان حياة حوالي خمسة آلاف من عسكرييها عدا عشرات الآلاف من الجرحى والمعاقين عن العمل لما تبقى من حياتهم. والسذج فقط يعتقدون أن الولايات المتحدة قد قامت بذلك لصالح تحرير العراقيين من الديكتاتورية ومن أجل نشر الديمقراطية في العراق.
ولهذا السبب ومن أجل ايجاد المبررات للعودة للعراق سارعت الاستخبارات الأمريكية (سي آي أيه) بدعم كل من الاستخبارات البريطانية (أم آي سيكس) والموساد الاسرائيلي والاستخبارات الباكستانية (آي أس آي ) ورئاسة الاستخبارات العامة السعودية على تشكيل منظمة داعش الارهابية. وقد تولت تركيا بالتنسيق مع الناتو على استقبال واسكان المرتزقة المتطوعين اللذين وفدوا اليها من 43 بلدا اسلاميا وأجنبيا والتكفل بتدريبهم على مختلف النشاطات الارهابية بما فيها طرق قطع رؤوس الضحايا. وفي حزيران يونيو من عام 2014 أصدرت الأوامر لقادة داعش للتوجه الى العراق عبر الحدود التركية والسورية بكامل اسلحتهم على رأس جيش من غلاة المجرمين قدر تعدادهم بأكثر من 3000 فرد متعطش للقتل والنهب والاغتصاب ليستقروا في محافظة الموصل أولا ثم يتوجهوا جنوبا فاحتلوا الانبار والفلوجة.
لقد وجدت السلطات العراقية الغارقة في الفساد نفسها عاجزة عن رد الغزاة برغم مئات آلاف الجنود من جيش وشرطة وقوات أمنية مدججة بأحدث الأسلحة والمعدات فما كان من المسئولين بعد أن خيبوا أمل الشعب فيهم غير أن يتوجهوا نحو أولياء نعمتهم بطلب المساعدة وهو المخرج الوحيد ليحافظوا بواسطته على وجودهم في السلطة. ولو كانوا وطنيون بحق لما ارتضوا طلب المساعدة من الأمريكيين ليحرروهم من عصابات بل كان عليهم تعميم الكفاح المسلح على كل قادر على حمل السلاح وتشكيل مقاومة شعبية على غرار المقاومة الفيتنامية التي طردت الجيش الأمريكي بجبروته من بلادهم وحررت الوطن منهم.
ان رجل الدين السيستاني قد دعا الى المقاومة الشعبية بعد أن أيقن أن السلطة السياسية ليست فقط عاجزة بل لا يمكن الثقة بها ولهذا توجه للشعب مباشرة ليتولى الدفاع عن نفسه ووطنه وشرفه بتشكيله قوات الدفاع الشعبي. ورغم مرور عامين على المبادرة السيستانية وأسميها ثورية تتردد السلطات السياسية في استثمارها والاعتماد عليها لتحرير المدن العراقية المستباحة من المرتزقة العراقيين والاجانب. فالوطن لا يحميه الا أبناءه لكن قبل ذلك يجب أن يعي الأبناء مسئولياتهم الوطنية التي في المقدمة منها الدفاع عن الشعب وقيمه وتراثه وتربة وطنه وهذا ما ستثبته الأيام القليلة القادمة مع البدء بمعركة تحرير الفلوجة.
اضف تعليق