غالبا ما تأتي التصريحات الرسمية لأطراف النزاع في سوريا مؤيدة وداعمة لحل سياسي "سلمي" ينهي الازمة فيها، بعد خمس سنوات أدت الى مقتل مئات الالاف وتشريد الملايين، في موجة كبيرة لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن عندما يتم الاستفسار عن الجهة التي تضع "العراقيل" امام طرح أي مبادرة لحل سياسي او إنجاح المفاوضات او المؤتمرات التي ترعها جهات اممية، كمؤتمر "جنيف" الذي وصل الى نسخته الثالثة، بعد قرار مجلس الامن الدولي في الشهر الماضي؟
الجواب عادة ما يتحول الى ساحة لتبادل الاتهامات بين جهات المعارضة والنظام، ثم يتحول الى اتهامات بين أطراف إقليمية مشتركة فعليا في الحرب داخل سوريا، ثم تنتقل الى صراع اقل حدة (في الظاهر) بين القوى الكبرى... والكل يعتقد انه يقدم الرؤية الأفضل لسوريا من دون الاخرين... لكن في النهاية لا يستطيع أي مراقب او متابع ان يخرج بقناعة ثابتة تحدد من يضع العراقيل امام جهود إحلال السلام في سوريا.
ومع ان "دي ميستورا"، موفد الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، قد حسم الجدل بشأن موعد انطلاق المحادثات، التي تأخرت عن موعدها المقرر (25/كانون الثاني) بالقوال "أن محادثات السلام السورية ستبدأ الجمعة 29/ كانون الثاني في جنيف على أن تستمر لستة أشهر"، الا ان الجميع قلق من إمكانية ان تتحول هذه المحادثات الى باب للمزيد من الصراع والتقاطعات.
وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، عندما ذكر الأطراف التي لها علاقة بالشأن السوري، خصوصا من ستوجه لهم الدعوات لحضور مؤتمر جنيف قال: "يجب أن يتحلوا بالجدية، إن لم يفعلوا ستستمر الحرب، الأمر يعود لهم، يمكنك أن تقود حصانا إلى المياه لكن ليس بوسعك أن تجبره على الشرب"... ولعل كلام "كيري" يأتي في سياق ما المح اليه "بادين"، نائب الرئيس الأمريكي، قبل يومين عندما أشار الى الولايات المتحدة الامريكية مستعدة للذهاب الى الحل العسكري في حال فشلت المفاوضات في ايجاد مخرج سياسي.
بالنتيجة ما زالت جميع الأطراف تضع العراقيل امام المنافسين، متناسين ان للحل السياسي سقف زمني قد ينتهي مالم يسرع الجميع جهودهم من اجل وضع حد لمأساة سوريا التي اثرت على المنطقة والعالم أيضا، وهو امر أشار اليه وزير خارجية المانيا، فرانك فالتير شتاينماير، قائلا "كيف يمكن العثور على أوساط معتدلة في سوريا بعد خمس سنوات من الحرب الأهلية والعنف والتشدد؟ أخشى أن نكون قد اجتزنا ومنذ أمد المرحلة التي كان من المتاح خلالها انتقاء شركاء يمكن الحوار معهم، وأطراف تشارك في المفاوضات".
الامر الاخر والمهم كيف سيتمكن المجتمعون من تطبيق مراحل الاتفاق (ان حصل) وسط الفوضى الكبيرة داخل سوريا، مع وجود الجماعات المتطرفة والحروب بالوكالة والتقسيمات "الديمغرافية" التي زرعتها خمس سنوات من الحرب وقسمت سوريا الى مناطق نفوذ لجماعات تختلف فيما بينها عرقيا ومذهبيا وسياسيا؟.
ولو فرضنا ان اتفاقا يجمع الأطراف على وحدة سوريا، وهو ما نصت عليه اغلب مقررات الأمم المتحدة وتأكيدات القوى الكبرى، فكيف سيتم التوصل الى ما يرغب فيه "الشعب" السوري كنظام وحكومة "ديمقراطية" تمثل الجميع؟.
طبعا ستتم الإجابة عن جميع هذه الأسئلة وغيرها عبر المفاوضات "الجادة" في حال توفرت الإرادة لدى جميع الأطراف الوطنية في وضع نهاية سعيدة للازمة السورية وإيقاف الحرب الاهلية التي عصفت بها منذ سنوات... اما والحال على ما هو عليه اليوم من خلافات حادة طفت على السطح، حتى قبل انطلاق جنيف3، فانه من المستبعد ان يصل المجتمعون الى أي نتيجة إيجابية... ينبغي عليهم ان يتوقفوا "أولا" عن وضع العراقيل والذهاب الى المفاوضات، ثم يقيموا نتيجة هذه المفاوضات والحلول المطروحة فيها.
اضف تعليق