ما أن يبدأ شعباً ما بالتظاهر مطالباً بحقوقه الوطنية حتى تطمئن نفسك الى أن هذا الشعب قد عرف طريق الاحرار وأخذ يتردد عليه ويغني فيه ويهتف معلناً عن وجوده بقوة عسى أن يسمع أحد صوته، ولكن ماذا سيفعل إذا لم يسمع أحد ذلك؟، ولم يعر أي أهمية له، تحاول الحكومة أن لا تصطدم بأبناء شعبها كما حدث في مظاهرات سابقة كانت قد جرت في آذار 2011، حينها اكتشفنا شيئاً جديداً لم نكن نراه إلا في الفضائيات الأجنبية، انها عجلة مكافحة الشغب السوداء الكبيرة وهي تربض في الشوارع الفرعية من شارع السعدون القريب من موقع التظاهرات مع مدفع المياه المعلق في سقفها حينها لم يكن " السيلفي" معروفاً كما اليوم.
لقد عرف أبناء شعبنا منذ زمن طويل معنى أن يتظاهر أحراره ويرفع كلمة (لا) بوجه الطغاة مهما كانت قسوتهم، تلك التظاهرات كانت قد أطارت رؤساء عن كراسيهم التي ربضوا عليها عشرات العقود، حتى ليخيل اليك بأن هذا الرئيس سيتم تحنيطه مع كرسيه، استطاعت أصوات المتظاهرين تغييرهم، فمنهم من هرب ومنهم من قتل ومنهم من أنزوى بعيداً يلعق جراحه ومنهم من عاد الى شده.
ليس من الممكن تجاهل أصوات المتظاهرين فهي تعبير حي وواضح عن مستوى الرضى عن كفاءة اداء الدول بكافة مكوناتها المؤسساتية ومن عيون المتظاهرين وفي جبهاتهم ومع هتافهم يجب ان تستشعر الحكومات موقعها في نفوسهم، أو حتى يجب أن تستشرف حجم الخدمة العامة المقدمة لهم، حتى اليوم لم نر مواطناً من دولة الامارات أو قطر أو سلطنة عمان أو غيرها من البلدان التي نجحت في اتمام الصفقة مع شعبها "حقوق كاملة مقابل واجبات كاملة، قد تظاهر أو خرج غاضباً من خلل في خدمة ما، فتلك الدول استعلمت الطريق الى قلوب ابناء شعبها فأمن شعبهم وأمنوا سطوته بل أن تلك الدول قد طورت مفاهيم عالمية كبيرة للخدمة العامة في كافة مفاصلها.
في تظاهرات ابناء شعبنا التي انطلقت معبرة بشكل واضح وصريح عن نفاذ الصبر ولتضع حداً لعقود من التسويف الحكومي في محاربة الفساد وتقديم الخدمات العامة التي أقل ما يقل عنها في أدنى مستوى من تطلعات الشعب، وحتى اللحظة.. الملاحظ على تلك التظاهرات أن أحد ما يحاول نزع فتيل تطورها فالمظاهرات اصبحت ممارسة روتينية أسبوعية يلتقي بها الناشطون وتقوم الفضائيات بشغل مساحات وقتية من برامجها بإستضافة الناشطين لإيصال صوتهم، ولكن لمن؟ فلا أحد يسمع اليوم لتلك الاصوات، ولا حلول حكومية سوى تلك الخجولة المتعثرة في إنجاز شيء يساهم في ابعاد المظاهرات عن حدود المنطقة الخضراء وعروش سلاطينها.
الجمعة الماضية سُمع لأول مرة ازيز الرصاص في مظاهرات ساحة التحرير، كان الهدف منه ارهاب المتظاهرين ومنع وصولهم الى بوابات المنطقة الخضراء تبعتها تصريحات كثيرة لناشطين وعلماء دين بأنهم سيغلقون بوابات المنطقة الخضراء.
على مظاهراتنا أن تكتسب نمطاً جديداً من إيصال الصوت وبطرق مبتكرة جديدة تزيد من زخمها مع تزايد حدة الازمات، يبدو أن الصوت لم يسمع حتى اللحظة، والفيضانات الاخيرة كانت نتيجة واحدة من نتاج عدم سماع الاخرين لأصواتنا ـ فلو كانت هناك أذان صاغية لمظاهرات السنين السابقة لكان هناك تحسن كبيرة تقديم الخدمات وتحسنها بالشكل الذي قد يخفف من تطورها.
اضف تعليق