قطع المتحدث باسم وزارة الدفاع العراقية العميد تحسين إبراهيم، قول كل خطيب بنفيه أن تكون وزارته قد علمت مسبقا بالعملية التي نفذتها قوات أميركية خاصة لتحرير رهائن في الحويجة من قبضة داعش، وإن الجانب العراقي لم يعلم بالعملية الا من خلال وسائل الإعلام.. مما قطع الطريق على الكثير من التكهنات -الهامسة- التي رافقت تلك العملية، او اعقبتها على الاصح.
فلم تزدحم شاشاتنا هذه المرة بالوجوه المتناسلة من المتحدثين الرسميين او الناطقين، ولم تمتلئ اشرطة اخبارنا (الرسمية) بالأنباء العاجلة، ولا برقيات التهاني.. بشكل يشي بان الجميع -حتى حكومتنا- لم يكن مطلعا بما يكفي لكي يجيب عن علامات الاستفهام التي تتراقص في الاذهان وهي تحاول تفكيك العديد من الاسئلة المفخخة التي تعتري المتابع للمسار التقطيري للمعلومات المتغيرة استنادا الى ما يبدو انه تحديث مستمر للخبر حسب المواقف السياسية المعلنة او المستترة بل وحتى المتوقعة..
فلم تجد وسائل الاعلام العراقية المختلفة -حد التنافر- في مقاربتها للأمر الا ترديد ما ضجت به وسائل الاعلام المختلفة لساعات طوال، فالكل تحدث بتفصيل لافت عن عدد القوة وعديدها وانواع الطائرات المستخدمة في العملية، من هبطت منها على الارض ومن كانت فوقها وحدد نوع ومكان الهدف بدقة يحسدون عليها، ولكنهم تجاهلوا للأسف السؤال الاهم حول التخريج الامني والسياسي لهذه العملية في ظل كل هذا الضجيج عن رفض الوجود العسكري الاجنبي خارج مهمة التدريب والاستشارة التي تسوق من خلالها -مصادرنا الامنية- تواجد القوات الامريكية الحليفة في عدد محدد من القواعد العسكرية.
ولم يفك لنا اي من الحشد المتعاظم من المحللين السياسيين احجية ان العملية بدأت على انها لتحرير مجموعة من اسرى قوات البيشمركة، ليتبين بعدها الى ان الرهائن "جميعهم من العرب" وهم "سكان محليون ومقاتلون من تنظيم الدولة الإسلامية احتجزوا للاشتباه في قيامهم بالتجسس"، مما يثير الكثير من الشكوك بشأن "المعلومات الامنية الدقيقة" التي ساعدت على اتخاذ القرار بالهجوم واذا ما كان الحديث الاولي عن الاسرى الكرد هو للتغطية على الهدف الحقيقي الذي استدعى استبعاد الجانب العراقي من التخطيط والتنفيذ في جميع مراحل العملية والتي كان الجانب الامريكي واضحا بانها لم تتم بناء على طلب من القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية..
ان مثل هذه العمليات، وان كانت مرحب بها -ولو على مضض وريبة- شأنها شأن أي جهد يضعف من فعاليات التنظيمات الارهابية التكفيرية، ولكنها توحي بوضوح الى انعدام الثقة العضال بين الحكومة العراقية وقوات التحالف والتطير السياسي الذي يغلب على طبيعة العلاقة بين الطرفين.
والاكثر مدعاةً للأسف، انها دليل مضاف الى فشل العراق في التنسيق مع قوات التحالف لضبط المسار الامني على الاقل ضمن جهوده في القضاء على الارهاب خاصة بعد تفلت جميع اوراق المسار السياسي من يديه وضعف دبلوماسيته المأساوي في الافادة من المتغيرات الاقليمية التي تعصف بالمنطقة.. فحتى الورقة الروسية التي وضعت في جيب الطرف العراقي في غفلة من التوازنات القائمة لم يستطع التفاوض من خلالها مع الطرف الامريكي لكي يكون اكثر جدية في تفهم وجهات نظر الحكومة العراقية، بل كان هناك نوع من العجلة الرعناء غير المفهومة في وضع كل البيض العراقي في سلة الامريكان المثقوبة بدون اي التزامات معلنة من قبل التحالف ولا حتى مستترة كما تبين من خلال عملية الحويجة.
يؤكد المتحدث العسكري أن مسؤولين في وزارة الدفاع سيجتمعون مع ضباط في التحالف الدولي لمحاربة داعش للاستفسار عن تفاصيل أكثر حول عملية الحويجة، التي قد تكون بداية مرحلة جديدة من المقاربة الامريكية للنزاع او خاتمة لمسار وطن.. ولكن القراءة الهادئة للأحداث تؤدي بنا الى انه من المستبعد ان يجدوا عندهم جوابا لكل التساؤلات العراقية، ما دامت الحكومة تتعامل مع العراق كوطن مؤقت قد نسمع نعيه في اي وقت، كما سمعنا بعملية الحويجة.. من خلال وسائل الاعلام.
اضف تعليق