تذكرنا الصور التذكارية الملتقطة لوزراء خارجية دول مجلس التعاون وهم يحيطون هاشين باشين بالسيد مولود تشاووش أوغلو وزير الخارجية التركي في ختام قمتهم "الستراتيجية"، بوقت ليس بالبعيد وصور مشابهة، وان كان على مستوى اعلى، لقادة الخليج وهم يحيطون بالرئيس الفرنسي هولاند المتأبط عقودا بمليارات الدولارات مقابل كلام ووعود مزجاة لم تصمد لأيام قلائل بعرقلة الاتفاق النووي بين القوى العظمى وايران.. او بين السادة وزراء الخارجية ووزير الخارجية الامريكي جون كيري قبل هنيهات من صدور قانون "جاستا" المنذر بأيام حبلى لكل ما لا يسر المملكة ومن والاها ويضع استثمارات السعودية الضخمة في الولايات المتحدة في مهب واجتهادات اصغر قاضي امريكي.
فمثل هذه الصور المليئة بالجذل والحبور، والتي تعقب وتتزامن مع ازمة سياسية وامنية معلنة بين العراق وتركيا، قد تثير العديد من علامات الاستفهام حول النتائج -خارج العبث بأمن وكرامة ومقدرات المنطقة- التي يمكن ان تتحصل عليها دول الخليج من خلال اصطفافها مع تركيا في مواقفها تجاه العراق وهي التي فشلت حتى في تسويقها داخليا ولاقت نفورا من قبل العديد من الاحزاب والتيارات السياسية التركية ناهيك عن المعارضة الدولية الواسعة لذلك التلزق الوقح بارض العراق.. وقد يكون التأكيد الدولي المتكرر لكون تركيا خارج التحالف الدولي المناهض للإرهاب دليلا كافيا لفقدان القوات التركية الشرعية -بل وحتى الحياء- في تواجدها المريب في شمال العراق..
وفضلا عن ذلك، وعلى الرغم من الكم الواضح من المجاملة الذي حمله بيان الاجتماع ، الا اننا لا نستطيع ان نعد الدعم الغريب -بل قد نقول المشين- للموقف التركي المعزول في تصنيف منظمة فتح الله غولن بانها "منظمة إرهابية"، الا نموذجا لما يمكن ان نعده حلقة من السلسلة المتطاولة من سفح المواقف المجانية غير محسوبة العواقب والفاقدة للتأثير الذي يدمغ السياسة الخليجية- وخاصة السعودية- وعلى الاخص في مرحلة الحزم..
فمن العسير على الفهم ان تستمر دول مجلس التعاون في توسل- بل حتى تسول- اي سلة ممكن ان يضعوا فيها كل بيضهم ومواقفهم السياسية، وبالتأكيد استثماراتهم المالية، فقط لإدامة حالة الفوضى الضاربة اطنابها في المنطقة، دون النظر الى الفوائد المتوخاة من تلك الشبكة المعقدة والمتشابكة -حد التناقض- من العلاقات والتحالفات والتجمعات -والقمم الستراتيجية- التي لا يتجاوز تأثيرها عناوين نشرات الاخبار في وسائل الاعلام الرسمية.. والتي تمحى من الاذهان مع خفوت اخر ضوء من اضواء كاميرات الصحافة..
ليس من المستغرب ان تكون السعودية هي الدولة الأولى -ضمن قائمة محدودة جدا من الكيانات- التي تسارع الى الاصطفاف بجانب تركيا في تقاطعها المعلن مع جهود العراقيين في تحرير اراضيهم وتطهير مدنهم ، وليست المرة الاولى التي تكون فيها المملكة هي القاطرة التي تجرجر مواقف دول مجلس التعاون نحو المزيد من العداء تجاه امال واحلام العراقيين، ولكن ما يثير التساؤل هو الكم الذي تحتاجه دول مجلس التعاون من التجارب الفاشلة في بناء التحالفات الكارتونية لتستنبط الحلول الحقيقية والقابلة للحياة في حل مشاكلها المتراكمة..
وهل ان دول مجلس التعاون، وقياداتها السياسية، تذهل عن الصفات الحنجورية التي يتميز بها السيد اردوغان، وتكرار سعاره الخطابي مع كل ضغط عسكري او سياسي يستهدف التنظيمات الارهابية التي استنبتها كالدغل السام في طول وعرض وامان بلدان المنطقة، وهل فات على دبلوماسيي الخليج وعلى رأسهم الجبير ان صراخ الرئيس التركي لا يعدو ان يكون تشكيا عالي الصوت من ابعاده المستمر عن الطاولة حتى من قبل الولايات المتحدة، قائدة التحالف الذي يصر السيد اردوغان ان قواته جزءا منه..
والاهم.. هل ان التقاطع مع العراق ومحاولة تمزيقه واضعاف عمليته السياسية اصبح من المركزية في ذهن وطموحات دول مجلس التعاون حد التهليل والهرولة تجاه كل قوة تدس انفها في الشأن العراقي حتى لو كان بمستوى تلك الصفاقة التي ابداها الرئيس التركي..
هذه الممارسات، والكثير غيرها، يرسخ في الاذهان الاصرار الخليجي اللجوج على اعتبار العراق هو الحائط الواطيء الذي يحلو لهم القفز من فوقه كلما داعبت مخيلتهم احلام الرغبة الدفينة بالتعملق الذي ينشأ عادة لدى الكيانات الملفقة، ولكن حتى تلك الاحلام، ترتطم للأسف بقلة الحيلة، وعقدة الصغار التي تجبرهم دائما الى الارتماء في احضان من يتوسمون فيه القدرة الاكبر على تهديم ذلك الحائط الصلب، او.. وهو أضعف الجبن، اللجوء الى لملمة شذاذ الافاق من جحورهم لكي ينقبوا اسفله.
اضف تعليق