قد يكون التعتق الطويل في اللاشرعية، هو السبب الرئيس الذي يدفع العديد من الانظمة العربية نحو التطير الحذر من تناول اي من اي فعل او ممارسة يستند بشكل او باخر الى الخروج على ارادة السلطة وتنكب الطريق الذي ترتضيه وتختطه السلطات للجماهير، وهذا ما قد يفسر التجاهل الاعلامي الرسمي العربي للسعار الامني الذي تمارسه السلطات التركية تجاه مواطنيها واتساع دائرة القمع لتطال اشخاص وعناوين لا علاقة لها بالأحداث الامنية الاخيرة التي اتخذت من انقرة واسطنبول مسرحا لها.. وهذا ما قد نتفهمه بشكل او بآخر لما يمكن ان يشكله اي حديث عن التغيير في المنطقة -حتى وان كان ممسرحا- من اقلاق وتعكير لصفو ودعة الحكم العائلي المغلق الذي يسيطر على اغلب مراكز السلطة في المنطقة..
ولكن هذا التفهم لا يمنع من التساؤل -بل والريبة- من ذلك التناول الجذل المفعم بالحماسة والترحيب لكل ذلك التبسط البواح في تطبيق القانون، ومسارعة اتجاهات التنظير العربي في تلقف تلك التفلتات تلقف الظمآن للماء الزلال للتبشير بالبزوغ الاحتفالي لقوة عظمى جديدة في السياسة الدولية تستلزم من العرب الاصطفاف خلفها متدافعين بالمناكب في حجز مكان تحت ظل القطب الجديد، والدخول زرافات ووحدانا الى "حرملك" السلطان الجديد.
وهذا الامر، بالاضافة الى التطفل السياسي بسبب الطبيعة الداخلية للازمة التركية الاخيرة، قد يشير الى مشكلة اعمق واكثر انغماسا في الذات العربية "الرسمية" المتصدعة المرتعشة الفاقدة للقوة التي يشكلها العمق الشعبي الداعم والمساند مما يجعلها تتوسل اي جدار او متكأ تحتمي به وتدفع به غائلة الايام، فيبدو، وللاسف الشديد، ان العرب لا يستطيعون العيش الا في ظل مجالات نفوذ دولي وتبعية سياسية وحتى كيانية لهذه الامبراطورية او تلك، حتى الناشئة منها، وفي حالة الدول غير المهيئة لتبوأ هكذا مكان، كتركيا الاردوغانية مثلا، يأخذ العرب حينها دور المحرض لنفخ بعض الروح الامبريالية في جسد تلك الدول، فقط حتى يلوذوا بكنف اخ اكبر او فتوة اقليمي او دولي، تدفع له كل فوائضها - بل اصولها في بعض الاحيان - بطيبة خاطر وتدخل معه في مغامرات سياسية او اقتصادية مقابل تقديم الحماية من مخططات عادة ما لايكون الطرف الراعي هو المسؤول عنها مباشرة..
فليس من الخفي هو ذلك الهوس العربي بالنظر في طالع السياسة الدولية لتلمس كل من تبدو عليه اعراض -او حتى وعود- التموضع كقوة عظمى لكي يختبئوا خلفه، وقد يكون ذلك بسبب أن المنطقة ظلت لفترة طويلة جزءاً من امبراطورية ما، ولم تتحول الى دول الى ان تعبت تلك الامبراطوريات وتفككت من تلقاء نفسها وقامت بتفاهمات معينة سمحت لتلك الانظمة بالظهور، وكانت الحرب الباردة وغض نظر الدول الكبرى عن ممارسات تلك الانظمة، مقابل ضمان الولاء وعدم التسلل للمعسكر الآخر هو المجال الذي عاشت فيه هذه الانظمة وتنفست، وكان هذا المجال هو الذي استطاعت من خلاله ترسيخ شكل مسخ من ديمقراطية يكون رأي الشعب فيها من قبيل فض المجالس او الاستئناس في احسن الاحوال، ولم تستطيع تلك الكيانات من تنظيم علاقات طبيعية فيما بينها او مع شعوبها ولم تهتد إلى صيغة حكم تكتسب بعض الشرعية ولو بالتقسيط المريح، ولم تحس بالحاجة الى ذلك ما دام ولي النعمة، الاخ الاكبر، راضياً، مستبدلين الشعور المفرط بالدونية بالإحساس الزائف بالقوة التي يمثلها التلصق الدبق بالقوة الاكبر، حتى لو ادى ذلك الى التبعية والذلة والصغار السياسي..
فبعد الانكشاف الكبير لهشاشة النظام الرسمي العربي، وفشله في تخليق ثقافة راسخة وفاعلة في تعزيز هوية الشعوب وكينونتها الوطنية، لم يبق لدى انظمة الوقت المبدد الا عرض خدمات على هذا الطرف او ذاك، لتحقيق هدف ما، او لمجرد التفيء بظل السلطان، ومن غير المهم ان يكون لهذا الامر من جدوى ام لا، ولكن الاساس انه يجب ان يصب في المصلحة العليا المشتركة لكل الانظمة الدكتاتورية في العالم، الا وهو البقاء الى ما لا نهاية في الحكم.
اضف تعليق