العراق خلاف كبير بين فريقين، الأول: يطالب بخروج القوات الأميركية نهائياً والاقتصار على علاقات اقتصادية وسياسية، مقابل فريق يرفض خروجها لذرائع تتعلق بعدم الثقة بين المكونات والخوف من الإقصاء. وبين هذا وذاك فريق ثالث يدعو إلى تنظيم الوجود العسكري الأميركي عبر اتفاقيات تضمن مصالح العراق السياسية والاقتصادية والأمنية...
ستتم زيارة رئيس الوزراء إلى واشنطن بعد تأخير أثار تساؤلات عديدة. الزيارة هذه ستكون زيارة دولة، بمعنى أنها تأتي بدعوة رسمية من الرئيس الأميركي إلى السيد السوداني، خلافا لأغلب زيارات رؤساء الدول التي تأتي بطلب منهم وعلى نفقتهم في كل التفاصيل. وحيث إن الانتخابات الرئاسية الأميركية على الأبواب (نوفمبر ٢٠٢٤)، فان التحليلات تتجه إلى البحث في فائدة الإدارة الحالية من هذه الزيارة، مقابل أسئلة حول جدوى أية اتفاقات أو وعود يحصل عليها الوفد العراقي من أدارة تؤكد مؤشرات عديدة احتمال مغادرتها بعد الانتخابات، بسبب تدني شعبية بايدن بشكل كبير وتقدم ترامب عليه وفق نتائج الانتخابات المبكرة.
الذريعة المتداولة بشأن تأخير توجيه الدعوة هي أن إدارة بايدن كانت تنتظر من السوداني حسم موضوع الأطراف المسلّحة، التي تشكل مصدر تهديد للوجود الأميركي في العراق. صحيح أن أغلب هذه الفصائل دخلت في تركيبة الحكومة الحالية، وباتت مجبرة على الالتزام بالموقف الرسمي على قاعدة أن للسلطة ضرورات لا تشمل من هم خارجها، لكن بعض الأطراف لم يدخل في الحكومة وظلّ يستهدف الوجود الأميركي الدبلوماسي والعسكري، خصوصا بعد اندلاع حرب الإبادة ضد سكان غزة. هذه الأطراف التي تنتمي إلى مدرسة سياسية عقائدية تلتزم خط «المقاومة» وتؤمن بوحدة الساحات، ورغم دخولها في هدنة ووقف لعملياتها ضد المواقع العسكرية الأميركية في العراق، الّا انها ما زالت مصدر قلق لواشنطن وسياستها الإقليمية. هذا يعني ان إدارة بايدن لم تحصل على ما ارادته وتأخرت الدعوة بسببه، وأنها تريد من هذه الزيارة الآن ما يتجاوز موضوع الفصائل إلى موقف عراقي من ملفات إقليمية منسجما مع الموقف الأميركي. لا ننسى أن الجالية العراقية- الاميركية المتمركزة في ولاية ميشيغان يمكن أن تؤثر في تحديد مصير بايدن في الانتخابات، وهي من الولايات التي انفض فيها العرب والمسلمون عن الديمقراطيين دون أن يعني ذلك اتجاههم إلى الجمهوريين، بعد دعم إدارة بايدن لحرب الإبادة ضد الفلسطينيين في غزّة.
ماذا عن موضوع الانسحاب الأميركي من العراق؟ هل سيبحث رئيس الوزراء العراقي الأمر مع الإدارة الأميركية؟.
عندما ذهب أول وفد عراقي لبحث موضوع الانسحاب في حكومة الكاظمي، كان الموقف الأميركي في أول اجتماع مشترك: لن نبحث في موضوع انسحاب انما نبحث في تنظيم وجودنا العسكري في العراق. قريبون من الإدارة يقولون إن هذا الموقف لم يتغيّر حتى الآن، وسيتم ابلاغه للسوداني في واشنطن أيضا. قبل ذلك كان الرئيس السابق دونالد ترامب يؤكد ان القوات الاميركية لن تخرج من قاعدة عين الأسد التي استثمرت فيها مليارات الدولارات من الأبنية والتحصينات ومدرجات الطائرات قائلا بالحرف الواحد: نحتاج هذه القاعدة في عملياتنا ضد الدول التي تشكل تهديدا للمنطقة. علما أن موضوع الانسحاب من العراق كان أحد مواضع الحملة الانتخابية لترامب. فهل سيكون هذا الموقف مقبولا من الوفد العراقي الرفيع، وهل من إمكانية للوصول إلى اتفاقيات مع واشنطن حول تنظيم وجود هذه القواعد بشكل مماثل، لاتفاقيات الوجود الأميركي في قواعد عسكرية في المانيا، دون المساس بالسيادة العراقية ودون خرق لدستور العراق الذي يمنع أية أنشطة معادية للدول الأخرى من داخل العراق؟. مبدئيا يمكن الجواب بالنفي للفارق الكبير بين المانيا والعراق لجهة التوافق السياسي وتمركز السلطة بيد الحكومة دون مشاركتها من قوى موازية.
في العراق خلاف كبير بين فريقين، الأول: يطالب بخروج القوات الأميركية نهائياً والاقتصار على علاقات اقتصادية وسياسية، مقابل فريق يرفض خروجها لذرائع تتعلق بعدم الثقة بين المكونات والخوف من الإقصاء. وبين هذا وذاك فريق ثالث يدعو إلى تنظيم الوجود العسكري الأميركي عبر اتفاقيات تضمن مصالح العراق السياسية والاقتصادية والأمنية. هذه المواقف تضع حكومة السوداني في موقف لا تحسد عليه، في ظل تعدد المواقف الداخلية والخارجية المؤثرة في الوضع العراقي. ويقيني أن الحرج سينتج أيضا من ضياع أية اتفاقات أو توافقات تعقد مع إدارة بايدن في حال مغادرتها المتوقعة للبيت الأبيض، لصالح ترامب الذي عرف بمواقفه الاستعلائية حيال دول المنطقة وإلغائه اتفاقيات حساسة كالاتفاقية النووية مع ايران ودول أوروبية، فما بالك بتوافقات واتفاقات مع العراق.
اضف تعليق