آراء وافكار - مقالات الكتاب

النظرُ بعينٍ واحدة

لقد بات واضحاً أنَّ الغرب لا يرى الجرائم التي تُرتكب في غزة، وما تقاطر زعماء ومسؤولي الدول الغربيَّة على تل أبيب وإعلان تأييدهم المطلق للكيان الإسرائيلي، وغض النظر عن مجازره إلا أبرز دليلٍ على هذا الحول السياسي، وازدواجيَّة المعايير لدى أطرافٍ مؤثرة في المجتمع الدولي...

بغض النظر عن المراحل التاريخيَّة التي مرّت بها القضيَّة الفلسطينيَّة، والمحطات الكثيرة التي يمكن الوقوف عندها، بما فيها من حروب وتسويات، إلا أننا سنتوقف عند محطة مهمة ربما لم تلسط عليها الأضواء بشكل مكثف، ونعني بها إشكاليَّة الجمع والتفريق بين الجانب السياسي والإنساني في هذه القضيَّة، وحالة التغاضي من قبل جهات دوليَّة مؤثرة عن فك الاشتباك بين المفهومين بالرغم من كل المآسي التي جرت على هذه الأرض المقدسة.

وهذا ما برز بشكلٍ جلي من خلال المجازر التي تُرتكب اليوم على أرض غزة، ففي الوقت الذي نسمعُ فيه هذا التباكي والعويل من قبل أكثر من جهة دوليَّة على ما تدعيه من ضحايا حليف لها معروف بعدوانيته واغتصابه للأرض والعرض، وفي ذات الوقت يتمُّ التغاضي عن هذا التوحش المتمثل بالهولوكوست الجديد ومشاهد الحرق والشواء لأجساد أطفال غضة، لا ذنب لهم سوى أنهم يعيشون على هذه الأرض المُبتلاة بالنزاعات والمزايدات السياسيَّة، الإقليميَّة والدوليَّة.

والأدهى والأمر أنَّ بعض الجهات المعنيَّة بالقضيَّة الفلسطينيَّة، وهذا البعض يحمل عناوين مهمة في إدراة ملفات هذه القضيَّة، لم تكن مواقفهم تنسجمُ مع التضحيات الجسام والمجازر التي تُرتكب في أحياء ومستشفيات وجوامع وكنائس غزة، بل البعض يتعاطفُ مع الجانب المعتدي ويعزيه بما جرى لجنوده ومستوطنيه.

وفي الوقت الذي تَعدُّ فيه الولايات المتحدة ومعظم الدول الغربيَّة مفاهيم ومبادئ حقوق الإنسان أولويَّة في تعاملها مع الدول الأخرى، وعلى أساس هذه المفاهيم والقيم يتمّ التعامل وتحديد طبيعة العلاقات الثنائيَّة بينها وبين تلك الدول، إلا أنَّ هذه المبادئ تُركن جانباً عندما يتعلق ُالأمرُ بحليفهم الستراتيجي والمتمثل بالكيان الإسرائيلي وما يرتكبه من جرائم، ويتمّ تسويق مجموعة من الحجج والمبررات غير المقنعة لتبرير هذه الجرائم، الأمر الذي جعل حكومات هذه الدول تفقدُ مصداقيتها أمام الجميع، حتى أضحت مبادئ حقوق البشر مجرد شعارات ترفع في أوقات وأماكن محددة عندما تقتضي مصالح تلك البلدان رفعها.

إنَّ هذه الازدواجيَّة في التعامل مع الأحداث جعل الكثير من المهتمين بالحريات العامَّة ومفاهيم حقوق الإنسان يشككون بنوايا وصدق من يرفع هذه المفاهيم كعنوانٍ مركزي في تعاطيه وتعامله مع الآخرين، وها هي الشكوك تتجسدُ اليوم على أرض الواقع بعد الذي حصل في غزة، ووصل الأمر الى المؤسسات التشريعيَّة في تلك البلدان، وما شهده برلمان الاتحاد الأوروبي مؤخراً من سجالٍ بين أعضائه، وهو يناقشُ التطورات المتسارعة في الشرق الأوسط، والإبادة الجماعيَّة التي يتعرضُ لها سكان غزة أبرز دليلٍ على ذلك، عندما قارن بعض المنصفين من أعضاء هذا البرلمان بين غزة وأوكرانيا، وهذه الازدواجيَّة في التعامل بين القضيتين، وكانت تلك المقارنة مشفوعة بجملةٍ من الأسئلة الموجهة الى زعمائهم، وهم ينظرون بعينٍ واحدة الى ما يجري من أحداث، وكيف تقف معظم الدول الغربيَّة ومعهم الولايات المتحدة وبجميع إمكانياتها العكسريَّة والماديَّة والمعنويَّة مع أوكرانيا بحجة الدفاع عن حقوق الشعب الأوكراني المشروعة، وفي الوقت عينه يتمّ تجاهل هذه الحقوق عندما يتعلق الأمر بسكان غزة وما يتعرض له من إبادة جماعيَّة.

لقد بات واضحاً أنَّ الغرب لا يرى الجرائم التي تُرتكب في غزة، وما تقاطر زعماء ومسؤولي الدول الغربيَّة على تل أبيب وإعلان تأييدهم المطلق للكيان الإسرائيلي، وغض النظر عن مجازره إلا أبرز دليلٍ على هذا الحول السياسي، وازدواجيَّة المعايير لدى أطرافٍ مؤثرة في المجتمع الدولي.

وقد ثَبُت بالدليل من خلال أحداث غزة، وهذا التوحش ضد سكانها، وموقف العديد من الدول المؤثرة من هذه الأحداث والتطورات، مدى اختلال القيم والمفاهيم الإنسانيَّة التي تحكم عالم اليوم، ففي الوقت الذي يصف البعض أعمال العنف التي تقع هنا وهناك بالأعمال الإرهابيَّة، وهي بالتأكيد أقل خطورة مما يجري ضد سكان غزة، في حين يتغاضى هذا البعض عن مجازر وإبادة جماعيَّة يتعرضُ لها شعبٌ أعزل، عانى وعلى مدار عدة عقودٍ من جميع أنواع الظلم والاضطهاد. ولهذا علينا مراجعة منظومة القيم الأخلاقيَّة التي تحكم العلاقات الدوليَّة، فهذه القيم على ما يبدو تعاني اليوم من خللٍ بِنْيوي واضحٍ  وكبير.

................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية. 

 

اضف تعليق