وإذا كان هناك بلد عربي معني بالحفاظ على سلامة اللغة العربية، فلا نعتقد ان هنالك من هو أفضل وأكثر تأهيلا من العراق، على اعتبار أن قواعد هذه اللغة، وعلومها النحوية والبلاغية قد وضعت في حواضر ومدن العراق، والمتمثلة بالكوفة والبصرة وبغداد، كما أن جذور آداب اللغة العربية، قد نمت وترعرعت على هذه الأرض...
تُعدُّ اللغة العربية من اللغات الحية التي حافظت على ألقِها وديمومتها عبر العصور، بفعل ما تتمتع به من صفات ومميزات جعلتها تنسجم وتتعايش مع كُل زمانٍ ومكان. ومن هذا المنطلق جاء الاهتمام العالمي بهذه اللغة، وذلك عندما تم اختيار الثامن عشر من كانون الأول من كل عام يوما عالميا للغة العربية، وهو اليوم الذي أقرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1973 إدخال اللغة العربية سادس لغة ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة، وبدأ الاحتفال وتخليد هذا اليوم العالمي للغة العربية عام 2012. وتهدف هذه المبادرة العالمية إلى إبراز الإسهام المعرفي والفكري والعلمي لهذه اللغة وإعلامها في مختلف مناحي المعرفة عبر التاريخ، وإلى زيادة الوعي والاحترام لتاريخ وثقافات الشعوب المختلفة، ودعم وتعزيز تعدد اللغات وتعدد الثقافات في الأمم المتحدة، كما ورد في حيثيات هذا القرار.
وبطبيعة الحال تُمثل اللغة بكل ما تعنيه من أبعاد ثقافية وتربوية واجتماعية الهوية الوطنية لأي بلد من البلدان، بحكم كونها الرابط المشترك الأبرز الذي يجمع أبناء البلد الواحد، ولهذا تسعى الأُمم الحية إلى الحفاظ على سلامة اللغة وديمومتها.
وضمن هذا السعي جاءت المبادرة التي تبنتها الأمانة العامة لمجلس الوزراء، من خلال توصيات اللجنة الدائمة للحفاظ على سلامة اللغة العربية، بدعوتها إلى تشكيل لجان فرعية في دوائر ومؤسسات الدولة، تُعنى بسلامة اللغة العربية بعد التدهور، الذي لحق بهذه اللغة، بسبب كثرة الأخطاء النحوية والإملائية، التي غالبا ما ترد في بعض الكتب والمخاطبات الرسمية.
ونعتقد أن اللغة العربية تستحق أكثر من ذلك بكثير، فهي اللغة التي يتجسد فيها البيان العذب الجميل، والمعنى الرائع البديع، فضلا عن كونها لغة القرآن الكريم والتراث المجيد. وفي هذا الشأن يقول المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون عن اللغة العربية: (باستطاعة العرب أن يفاخروا غيرهم من الأمم بما في أيديهم من جوامع الكلم، التي تحمل من سموّ الفكر وإمارات الفتوة والمروءة ما لا مثيل له، وإن في اللفظ العربي جرساً موسيقياً لا أجده في لغتي الفرنسية).
ولهذا على الناطقين بلغة الضاد أن يعوا هذه الحقيقة قبل غيرهم، وأن يحافظوا على ميراثهم الثقافي والإبداعي، وكذلك على هويتهم الثقافية والتاريخية، من خلال الحفاظ على الوعاء الذي احتوى هذه الميراث، وتلك الهوية عبر مختلف العصور، والمتمثل بهذه اللغة الجميلة والمحببة.
ونعتقد أن اللغة العربية بما لديها من خصائص وميزات، ومالها من تجربة تاريخية، قد حصنت نفسها وحافظت على صيرورتها، وأثبتت بأنها قادرة على استيعاب ما يستجد من تطورات حضارية وعلمية، وعلى الوفاء بحاجات العصر ومستحدثاته.
وإذا كان هناك بلد عربي معني بالحفاظ على سلامة اللغة العربية، فلا نعتقد ان هنالك من هو أفضل وأكثر تأهيلا من العراق، على اعتبار أن قواعد هذه اللغة، وعلومها النحوية والبلاغية قد وضعت في حواضر ومدن العراق، والمتمثلة بالكوفة والبصرة وبغداد، كما أن جذور آداب اللغة العربية، قد نمت وترعرعت على هذه الأرض، وأن أمهات الكتب والمصادر العربية المُعتبرة، وبمختلف الاختصاصات قد تم تدوينها، وخرجت إلى النور من هذه الحواضر، ولا ننسى أن فحول شعراء هذه اللغة هم من أبناء هذه البلاد، لهذا فإن المسؤولية المضاعفة تقع على عاتق المعنيين بسلامة اللغة، والمشتغلين بالحقل التربوي والتعليمي، والشأن الثقافي عموماً. إن الاهتمام باللغة العربية ينبغي أن يكون بدافع ذاتي، قبل أن توضع القوانين والتعليمات الخاصة بالحفاظ على هذه اللغة، لذا يجب أن تُبذل الجهود من أجل الارتقاء بمستوى هذه اللغة، والحفاظ على جوهرها.
اضف تعليق