إن استحضار مفاهيم العدالة الانتقالية بالتزامن مع الحدث السوري التاريخي أمر مهم في هذه الظروف الحرجة، التي يمر بها الشعب السوري والمنطقة عموماً، ولهذا على الجميع البحث عن الحلول الناجعة والطروحات العملية للوصول بهذا البلد إلى بر الأمان، ومنها الأخذ بمفاهيم العدالة الانتقالية، ودراسة هذه المفاهيم بشكل جوهري...
في خضم التحول الدراماتيكي الذي جرى في سوريا، والمُتمثل بسقوط نظام الأسد بهذه السرعة المُذهلة، والحديث يدور بين الأوساط السياسية حول طبيعة وماهية النظام المُرتقب. فما جرى في هذه البلد من أحداث متسارعة قد فاق كل التوقعات والتنبؤات السياسية، إذا أخذنا بنظر الاعتبار طبيعة التوازنات الإقليمية في المنطقة والتحكم الدولي بهذه التوازنات. وعلى العموم فإن ما جرى في سوريا يمثل حدثا تاريخيا ستكون له تداعيات آنية ومستقبلية على أكثر من صعيد.
والسؤال الذي يُطرح اليوم، هو عن الكيفية التي يمكن أن تُدار فيها الأمور في هذا البلد، الذي أنهكته النزاعات الداخلية والتدخلات الخارجية، وما هي التصورات والمُخرجات التي يمكن من خلالها عبور هذه المرحلة الانتقالية؟. وبطبيعة الحال فإن الخيار الأول والأخير يعود إلى الشعب السوري، في اختيار النظام السياسي المناسب، الذي يلبي طموحاته.
ولكن ما نعتقده أن الخيار الأنسب والأنجع أمام الشعب السوري في هذه المرحلة، ومن خلال قراءتنا للواقع السوري، يكمن في الأخذ بمفاهيم وآليات العدالة الانتقالية، وضرورة ترجمة هذه المفاهيم على أرض الواقع، مع الاستفادة من التجارب العالمية في هذا الشأن، حتى يمكن تجنب العقبات التي مرت بها تلك التجارب والبناء على ماتحقق من نجاحات، على اعتبار آن الآليات التي جاءت بها مفاهيم العدالة الانتقالية تنطبق في معظمها على الواقع السوري، في حال توفر الإرادة السياسية، والبعيدة عن الإملاءات والضغوطات الخارجية.
ومن المعروف أن للعدالة الانتقالية آلياتٍ محددةً ينبغي الأخذ بها لأي بلدٍ يَروم التحول من نظام ديكتاتوري شمولي إلى نظام ديمقراطي تعددي، فهي بالمُحصلة استجابة للانتهاكات المُمَنهجة الواسعة النطاق لحقوق الإنسان، وتعزيز إمكانيات تحقيق السلام والمصالحة الوطنية، وتبني الأسس والمفاهيم الديمقراطية الصحيحة. كما تسعى العدالة الانتقالية في نهاية المَطاف إلى بلوغ العدالة الشاملة أثناء فترات الانتقال السياسي للمجتمعات والشعوب، مثل الانتقال من الحرب إلى السلم، أو من الشمولية إلي الديمقراطية. والهدف من ذلك هو التعامل مع ميراث انتهاكات حقوق الإنسان بطرق ومناهج واسعة وشاملة، تتضمن العدالة الجنائية، وعدالة جبر الضرر، والعدالة الاجتماعية والاقتصادية.
وترتكز على اعتقاد مفاده بأن السياسة القضائية يجب أن تتوخي هدفاً مزدوجاً وهو المحاسبة على جرائم الماضي ومنع الجرائم الجديدة من الوقوع. وفي كل الأحوال لا يمكن تجاوز أحداث الماضي والاتجاه نحو بناء المستقبل والتحول الديمقراطي دون إعادة الحقوق لأصحابها.
إن استحضار مفاهيم العدالة الانتقالية بالتزامن مع الحدث السوري التاريخي أمر مهم في هذه الظروف الحرجة، التي يمر بها الشعب السوري والمنطقة عموماً، ولهذا على الجميع البحث عن الحلول الناجعة والطروحات العملية للوصول بهذا البلد إلى بر الأمان، ومنها الأخذ بمفاهيم العدالة الانتقالية، ودراسة هذه المفاهيم بشكل جوهري، ومعرفة مدى مُلاءَمتها للحالة السوريّة، وكذلك العمل على نشر الوعي بمضامين وأهداف العدالة الانتقاليّة ضمن الفئات الاجتماعية الفاعلة، ولهذا من الضرورة بِمكان تطبق أحكام ومفاهيم العدالة الانتقالية على الواقع السوري لتجاوز هذه المرحلة، وقيام دولة قادرة على النهوض وفق مشروع وطني شامل.
اضف تعليق