من أسوأ ما يعانيه العراقي هو النظر إلى المواقع الحكومية على أنها مواقع منفعة وكسب وليست مواقع خدمة، ولذلك أسباب عدة ربما في مقدمتها سوء الأداء وتولية جياع للسلطة والمال في مواقع مختلفة، بدءاً من أعلى المستويات إلى أدناها، والإثراء الفاحش للكثير منهم، ناهيك عن شحة او انعدام الإنجاز...
من أسوأ ما يعانيه العراقي هو النظر إلى المواقع الحكومية على أنها مواقع منفعة وكسب وليست مواقع خدمة، ولذلك أسباب عدة ربما في مقدمتها سوء الأداء وتولية جياع للسلطة والمال في مواقع مختلفة، بدءاً من أعلى المستويات إلى أدناها، والإثراء الفاحش للكثير منهم، ناهيك عن شحة او انعدام الإنجاز.
لا ننسى أيضاً حالة عدم الرضا التاريخي لدى العراقي عن أي سلطة أو حاكم حتى لو كان نزيهاً أو أنجز ولو نسبياً، أيضاً الشعور بالحنق والغضب بسبب رؤية شعوب مستقرة ومرفهة في بلدان هي أقل من العراق ثروات وإمكانات اقتصادية.
مجرد التفكير بأن العراق بلد غني بالثروات لكنه فقير في الخدمات والاقتصاد وبالتالي غياب الرفاهية عن الشعب باستثناء قلّة قليلة، أمر يشعر العراقي بالغضب الشديد، بل أشعر – شخصياً- بالحرج كلما واجهني شخص عربي أو أجنبي بسؤال عن سبب هذا التناقض في وضع العراق.
غضب العراقي أيضاً كان منذ عقود وهو يرى ثرواته تبدد في حروب عبثية أحرقت الحرث والنسل وعمّقت في نفوس العراقيين العنف والغضب وزرعت الأنانية والسعي للمال بعيداً عن حليّته أو حرمته.
غضَبَ وهو يرى على مدى سنوات الحصار الأموال تغدق على دول وشعوب أخرى لكسب ودّها، بينما هو يبيع أبواب ونوافذ بيته ليعيش.
هناك عوامل تاريخية أيضاً لا يمكن انكارها تتعلق بتركيبة الشخصية العراقية واستعدادها، هذه العوامل وغيرها جعلت العراقي ينظر إلى السلطة كجهة قامعة ومعادية للشعب، أضيف إليها بعد 2003 أنها في نظره، وبسبب سوء الأداء، سلطة ناهبة لثرواته غير عابئة بما يعانيه من سوء الخدمات وغياب الكثير من الأساسية منها.
خلال أحد الانتخابات السابقة، صدر عن المرجعية الدينية عبارة «المجرب لا يجرّب» وهي واضحة الدلالة لكل عاقل وواعٍ، لكن البعض تلقّفها ليسوقها باتجاه الدعوات إلى إزاحة الجميع من المواقع الحكومية بمن فيهم أصحاب الكفاءة والنزاهة، ورغم محاولة توضيح ممثلي المرجعية ذلك إلا أن التيار المندفع باتجاه رفض الجميع كان هو الأقوى.
كان وراء ذلك عاملان، الأول: الجهات التي ترفض نظام ما بعد 2003 ككل، والثاني: سيطرة ثقافة أن المواقع هي للتكسب المالي الحرام (كثيرون لم يعد يهمهم الحرام من الحلال) وليس لأداء واجب خدمة البلاد وأهلها، وبالتالي فإن رد فعلهم الأولي على تعيين أي شخص في موقع حكومي هو: «خلص كم سنة بالوظيفة كافي وخلّي غيره يستفيد» أو «ماكو غيره؟ هل عقمت الأرحام عن إنجاب غيرهم؟» دون تمييز بين فاسد او غير كفوء، أو نزيه او صاحب خبرة.
اللافت للنظر أن الأطراف السياسية التي روجت في مرحلة سابقة لمقولة «المجرب لا يجرب» وقعت في المطبّ ذاته عندما تمكنت من السلطة في مرحلة لاحقة فدفعت بالكثير من وجوهها السابقة سيئة الصيت إلى مواقع تنفيذية وتشريعية عديدة.
حكومة السوداني تواجه تحدي استعادة الثقة، والانخراط في لعبة الترضيات دون تدقيق في الأشخاص سيعزز غياب هذه الثقة.
اضف تعليق