المصيبة أننا نعيش عصر اختلاق الأزمات، ووسائل التواصل والتزوير فيها، فتح المجال واسعاً أمام تضخيم أمور وجعلها بمصاف الجرائم الكبرى، وإشغال المجتمع بها بشكل مبالغ فيه، وربما يجري خلف هذه الضجة ما لا نعلمه. مرة أخرى أنا لا اهوّن من قبح البذاءة خصوصا على لسان مدرّس يتولى مهمة التربية قبل التعليم...
من يتابع الضجة التي أعقبت ترويج مقطع المدرس الشاب، وحجم الغيرة التي ظهرت على الأخلاق والعفّة وطهارة لسان المعلّم، يتصور أن ما بدر على لسانه هو حالة نادرة بحيث صعق الرأي العام ودق ناقوس الخطر على المؤسسة التعليمية. كأنّ المجتمع تعمّه العفّة والطهارة والأخلاق الحميدة التي عرّضها هذا الشاب إلى خطر التصدّع وخدشها بما لا يمكن جبرانه، وبالتالي فإن المطلوب إنزال أشد العقوبات به كي يكون عبرة لمن يفكر في تكرار هذا السلوك، متجاهلين كل السمعة العلمية والأخلاقية التي يؤكدها الطلبة والطالبات ذويهم. ليذهب إلى الجحيم، علمه وامكانياته التدريسية التي أوصلت عشرات الطلاب إلى كليات الطب والهندسة.
لا يعني هذا التقليل من قبح ما ورد في التسجيل على لسانه، لكنها تبقى زلّة تخفف من ذنبها حسن سيرته وسلوكه التي يشيد بها أهالي الطلبة، فضلا عن مهنيته وعلميته وبراعته التدريسية. لو كان ما بدر منه بمستوى التحرّش والاستغلال والابتزاز، عندها لا قيمة لكل ميزاته الحسنة أمام هذا الفعل.
المصيبة أننا نعيش عصر اختلاق الأزمات، ووسائل التواصل والتزوير فيها، فتح المجال واسعاً أمام تضخيم أمور وجعلها بمصاف الجرائم الكبرى، وإشغال المجتمع بها بشكل مبالغ فيه، وربما يجري خلف هذه الضجة ما لا نعلمه. مرة أخرى أنا لا اهوّن من قبح البذاءة خصوصا على لسان مدرّس يتولى مهمة التربية قبل التعليم، ولا يشفع له إنه قال ذلك خارج الصف أمام جمع من طلابه، لكنها ليست حالة خارجة عن سياق التردي الأخلاقي العام في المجتمع والذي تلاشى فيه قبح القبيح بسبب شيوعه وطغيانه، تحت مسميات "روح العصر" والانفتاح" و"الواقعية"، وبات النشاز هو العفة والأخلاق والنزاهة، التي تعرّض صاحبها إلى التندر والتنمّر، فضلا عن التضييق عليه أو اتهامه بالتخلّف والعيش في زمن ماضٍ.
وفي هكذا مجتمع يصبح الاستنفار أمام بذاءة لسان فردية ضرباً من الضحك على الذات، والانخراط دون وعي في صناعة ما يشغل الناس عما ينتظرهم من كوارث سياسية واقتصادية وبيئية. نعم، يمكن أن يكون هذا الفعل سبباً للتحرّك الجاد من أجل تصحيح المسار الأخلاقي للمجتمع، وهو ما يحتاج إلى تضافر المؤسسة التعليمية مع المؤسسة الدينية والاعلام منظمات المجتمع المدني الحقيقية، بينما تبقى العائلة هي الركيزة والحاضنة للنشء الجديد، الذي يجب أن يعود إلى منظومة العيب والحرام والأدب والنزاهة.
ومن البدهي أن يتحلى أي من هذه القطاعات بهذه القيم أولاً كي يستطيع نقلها إلى المجتمع ككل.
اضف تعليق