إن أمسك بالحكم اضطهد غيره على طريقة الحكام الديكتاتوريين، أما من تفلت منه السلطة يلجأ لكل ما يملك من أسلحة تؤدي إلى إضعاف سلطة الحاكم حتى يسقطه في النهاية، في الحالتين تدور السياسة في العراق حول محور واحد أساسه إلحاق الأذى بالآخر...
عندما تغيب المعايير القيمية في السياسة ترتفع أسهم المنافع الشخصية والفئوية، بينما يغيب التخطيط طويل المدى، فتتحول الأنشطة السياسية إلى جدل يومي لا نهائي، الغلبة فيه لمن يستطيع إحداث إصابات في طروحات خصمه، ولا يهم هنا طريقة تحقيق هذه الإصابات ما دام يخدم الغاية الأساسية وهي إلحاق الأذى بالخصم.
تلك صفات العمل السياسي في العراق، في الأزمة تبرز عقلية الحرب على حساب عقلية الحلول، والفرق كبير بين أن تكون سياسياً محارباً، أو أن تكون سياسياً تهدف إلى إيجاد الحلول، ولهذه العقلية المحاربة جذور في الصراعات والحروب المستمرة في بلاد الرافدين.
غالبية القوى السياسية العراقية المشاركة في حكم العراق حالياً لديها عقلية المعارض المحارب، وهذا العقل يركز على إلحاق الأذى أكثر من تركيزه على تحقيق مصالح جميع الأطراف بعيداً عن المغالبة والصراعات اللانهائية.
منهم من كان معارضاً قديماً خلال مدة حكم الديكتاتور صدام حسين، ينطبق التوصيف على القوى الشيعية التي بدأت حياتها السياسية معارضة لصدام وانتهى بها المطاف تحكم بعد عام 2003 وحتى اللحظة الراهنة.
لكن إشكالية القوى الشيعية "المعارضة الحاكمة"، ما زالت خائفة من فقدان الحكومة التي بين يديها، مهما امتلكت القوى الشيعية الحكومة وسيطرت عليها تبقى خائفة من فقدانها، فالعقدة التاريخية تلاحقها لدرجة أنهم يملكون دولتهم الموازية بجيوشها القوية تحت مسمى "فصائل المقاومة".
الشيعة يعتقدون أنهم ما زالوا في مرحلة المقاومة ولم ينجحوا في التحول نحو السيطرة والحكم. ومن يقاوم يخطط كثيراً من اجل إلحاق الأذى بمن يقاومه.
وقد يقولون أنهم يقاومون المعتدي الخارجي فقط، لكنهم يعلنون صراحة بأنهم يقاومون من يتعاون مع المعتدي الخارجي، والمقصود من يخالف وجود هذا النوع من العسكرة الشيعية.
وتختلف طريقة النظر للدولة عند الساسة السنة، أنهم يشعرون بحقهم التاريخي في الاستحواذ على السلطة كاملة، ولا يعترفون بالأسلوب الذي يدير به الشيعة الدولة العراقية، وفي العموم ينظر لكثير من الجماعات الشيعية العراقية على أنها ممثلة لإيران، ويبدو ذلك واضحاً في الخطاب الإعلامي التابع للأحزاب السنية.
وتتهم القنوات الإعلامية السنية بأنها هي من دعمت التظاهرات الشعبية المناهضة لحكومة عادل عبد المهدي، ولا يبدو الاتهام خالياً من الحقيقة، فالقنوات التابعة للأحزاب السنية كانت الأنشط والأقوى والأشد تأثيراً في تحشيد الشارع واسقاط الحكومة.
وعند الكرد المسألة مختلفة تماماً، إنهم في دولة أخرى، والعراق ليس دولتهم، واستفاء عام 2017 كان الشاهد على ما نقول، نسبة كبيرة هناك من الشعب والساسة لا يعترفون بالدولة العراقية كلياً.
لا يهم لديهم إن كان الحاكم شيعياً أو سنياً، ولا يهم إن حصلوا على مناصب سيادية في الحكومة الاتحادية؛ لأنهم في النهاية يشعرون بتلك الرغبة في الانفصال والابتعاد عن دولة ارغموا على الاندماج معها.
يراد من هذه الخلطة غير المتجانسة أن تولد حكومة متجانسة.
هذا صعب، وتزداد الصعوبة كلما كان ميزان القوى متقارباً، لا توجد خطة واضحة لدى زعماء المكونات الثلاث – وإن زعموا العكس- من أجل دمج المكونات في هوية وطنية واحدة، كل واحد منهم ينظر للمكونات الأخرى بأنها منافس لا يمكن معه تحقيق الدولة التي يريد.
إن أمسك بالحكم اضطهد غيره على طريقة الحكام الديكتاتوريين، صدام كان مثالاً واضحاً، لكن ما بعد صدام لم يخلو من ديكتاتور وإن جاء بطريقة أقل وضوحاً وعنفاً.
أما من تفلت منه السلطة يلجأ لكل ما يملك من أسلحة تؤدي إلى إضعاف سلطة الحاكم حتى يسقطه في النهاية.
في الحالتين تدور السياسة في العراق حول محور واحد أساسه إلحاق الأذى بالآخر، حاكماً كان أو محكوماً، وكل من يستطيع إلحاق الأذى يعد من السياسيين وتصفق له الجماهير وترفع صوره في الميادين. إنه البطل.
اضف تعليق