نعم خسر الفلسطينيون آلاف الأرواح والبنية التحتية لكن خسارة كيان الاحتلال لا تقل عنها، وقد لا نبالغ إذا قلنا أكثر، فوعود نتنياهو بتدمير حماس لم يتحقق منها أي واحد، وأجبر على التفاوض الذي رفضه سابقاً، وأجبر على الهدنة التي رفضها سابقاً، وسيجبر على إنهاء الحرب كلياً وقد يذهب للمحاكمة على جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها في قطاع غزة...
صباح الجمعة الموافق 24 تشرين الثاني يختلف عن جميع الصباحات التي سبقته نزولاً إلى صباح السبت يوم السادس من أكتوبر 2023، فقد كانت مناطق قطاع غزة ميداناً لأكبر حملة تطهير عرقي قاده جيش الاحتلال الإسرائيلي، وشاهدها العالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام غير الغربية.
تتوقف مؤقتاً حرب الإبادة الجماعية ضد سكان قطاع ولمدة أربعة أيام بدءاً من يوم الجمعة، بعد اتفاق رعته قطر ومصر بإدارة مفاوضات مضنية بين الجانب الفلسطيني ممثلاً بحركة حماس، وطرف الإبادة الجماعية ممثلاً بالولايات المتحدة الأميركية ودولة الإحتلال الإسرائيلي، أفضت إلى إطلاق 50 شخصاً من الأطفال والنساء المحتجزين في قطاع غزة، مقابل 150 طفلاً وامرأة من المحتجزين في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
كما تضمن الاتفاق توقف جميع الأعمال القتالية لمدة أربعة أيام، والسماح بدخول المساعدات الغذائية والطبية لقطاع غزة وبمقدار يتراوح ما بين 100 إلى 200 شاحنة يومياً، فضلاً عن سماح كيان الإحتلال بدخول الوقود لقطاع غزة المحاصر.
وفور دخول الاتفاق حيز التنفيذ خرج الفلسطيونيون للشوارع وكأنهم سجناء أطلق سراحهم، بل هم فعلاً كانوا سجناء بحكم الأمر الواقع نتيجة الغارات الجوية الهمجية التي لم تترك بشراً ولا حجراً ولا طفلاً ولم تراعي حرمة لمستشفى أو مدرسة أو جامعة، أو مسجد ولا أي شيء.
لقد كانت الحرب كما أرادها قادة كيان الإحتلال حرب إبادة جماعية وتطهير عرقي بكل ما للكلمة من معنى، فحينما تسمع عن 6 آلاف طفل شهيد ومثلهم في عداد المفقودين تحت الأنقاض تعرف حجم الدمار والكارثة، وعندما ترى عبر شاشات التلفاز الصواريخ وهي تنهال على المستشفى المعمداني ومستشفى الشفاء والقدس والرنتيسي والاندونيسي وغيرها لا يمكنك تصنيف الحرب إلا حرب إبادة جماعية.
ولأننا نتحدث عن الجرائم لا يمكننا تجاوز ما قاله وزير دفاع الاحتلال يوآف جالانت بأنه سيمنع وصول الماء والكهرباء والطعام والدواء عن سكان غزة، والجرائم التي ذكرت سابقاً هي تطبيق عملي لتهديداته ضد المدنيين في قطاع غزة.
وعند الحديث عن الربح والخسارة، فقد خسر قطاع غزة الأبنية المدنية والبنية التحتية بشكل كبير، والخسارة الأكبر هي عدد الأرواح التي فقدت من المدنيين والأطفال والنساء، وتهجير الأهالي من الشمال إلى الجنوب وقصفهم بالطائرات حتى في طريقهم للهروب من الحرب رغم إعلان جيش الإحتلال تحديد مناطق آمنة للخروج من مناطق الحرب في نقض واضح لوعوده وانتهاك صارخ للقيم الإنسانية وقواعد الحرب.
ولو تحدثنا عن الخسائر على الجانب الإسرائيلي فهي لا تشبه تلك التي على الجانب الفلسطيني، الخسارة هناك كانت وفق قواعد الاشتباك، وتبين الفوارق بين طرفي النزاع، بين طرف يحشد كل قواته وقوات الولايات المتحدة وميزانياتها العسكرية التي تقارب الترليون دولار لقتل أطفال عزل في المدارس والمستشفيات والبيوت.
الطرف الفلسطيني اشتهر في هذه الحرب بأن قتلاه من الرضع والأطفال والنساء، بينما كانت خسائر الإحتلال من ضباط وجنود لم يتجرأ أحد منهم الخروج من دبابته إلا واصطادته رصاصات وقذائف الفلسطينيين، حيث دمرت كلياً أو جزئياً أكثر من 300 مركبة عسكرية ودبابة خلال فترة التوغل الإسرائيلي في قطاع غزة.
لم يخسر الجيش الإسرائيلي كل هذا العدد من الجنود والمركبات العسكرية وحسب، بل خسر الساحة الشعبية عبر العالم، إذ اجتاحت التظاهرات غالبية مدن العالم، للمطالبة بوقف جرائم الإبادة الجماعية ضد شعب فلسطين في قطاع غزة.
كل تلك الخسائر كانت تحدث بشكل يومي أثناء الحرب، أما بعد الهدنة، فقد خسر رئيس الوزراء الإسرائيلي رهانه بجلب جميع الرهائن في قطاع غزة بالقوة واقتياد قادة حماس إلى السجون الإسرائيلية، وأجبر على إجراء المفاوضات مع الجانب الفلسطيني رغم إعلانه الرفض المطلق لهكذا فكرة في بداية الحرب.
لم يستطع نتنياهو جلب أسير واحد بالقوة، واضطر تحت ضربات المقاتلين الفلسطينيين للخضوع لمطالب حركة حماس وإجراء مفاوضات معها رغم رفضه السابق واعتبار هذه الحرب مختلفة عن غيرها.
نعم خسر الفلسطينيون آلاف الأرواح والبنية التحتية لكن خسارة كيان الاحتلال لا تقل عنها، وقد لا نبالغ إذا قلنا أكثر، فوعود نتنياهو بتدمير حماس لم يتحقق منها أي واحد، وأجبر على التفاوض الذي رفضه سابقاً، وأجبر على الهدنة التي رفضها سابقاً، وسيجبر على إنهاء الحرب كلياً وقد يذهب للمحاكمة على جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها في قطاع غزة.
اضف تعليق