المثير للسخرية أن كل الدول الغربية الراعية للحرية وحقوق نشر المعلومات تتحالف فيما بينها، وتمنع نشر الإعلانات على منصة ذنبها الوحيد محاولتها السماح بحرية الرأي والتعبير، لا توجد حرية تعبير، إنما هي حرية التخويف، وهو ما تمارسه إسرائيل وحلفائها ضد المحتوى الفلسطيني الذي يفضح حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني...
ارتدى الملياردير الأميركي إيلون ماسك سترة واقية من الرصاص، لم يكن وزيراً لدفاع الولايات المتحدة، ولم يرتديها لأنه جندي أميركي، إنه في زيارة إلى مستوطنات غلاف غزة للاطلاع على حجم الخراب الذي احدثته الهجمات الفلسطينية ضد المضطهدين الإسرائيليين، فقد ارتكبت حركة حماس والفصائل الفلسطينية مجازر مروعة لذبح الأطفال والنساء... لكن مهلاً هذا غير صحيح في أغلبه، وعليك الاستماع إلى الرواية المضادة لتعرف الحقيقة.
ما هي الرواية المضادة؟ ومن يتبناها؟ وأين تنشر؟ من الذي سمح بنشرها؟ بل علينا أن نسأل هل ما زالت بعض الدول لا تقبل بحرية الرأي والتعبير ونشر الاخبار؟
الرواية المضادة هي الرواية الفلسطينية للأحداث، وهي بسيطة وخالية من التعقيد، بعض الفلسطينيين الذي يتمتعون بترف شحن هواتفهم بالطاقة الكهربائية يقومون بتصوير مقاطع فيديو قصيرة وحقيقية للمذابح الإسرائيلية بحق أطفال ونساء الشعب الفلسطيني، وينشرونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ليس في جميع مواقع التواصل الاجتماعي لأن شركة فيس بوك وأخواتها تقيد المحتوى الفلسطيني حماية لمشاعر الاسرائيليين، ما ينشر للفلسطينيين تجده في موقع أكس فقط، والذي يملكه الملياردير الأميركي إيلون ماسك وهو ما أثار حفيظة جهات عدة، لا سيما وأن ماسك أبدى استعداده لتوفير خدمة الاتصالات لمنظمات الإغاثة المعترف بها دولياً في قطاع غزة المحاصرة إسرائيلياً وذلك بعد مطالبات له بتوفير الانترنت الفضائي عبر شركة ستارلنك للاتصالات.
أثارت حالة الحرية الممنوحة للمحتوى الفلسطيني على موقع أكس المسؤولين الإسرائيليين، ومعهم الأوروبيين والأميركييين، وانتظروا ماسك ليقع في خطأ بسيط ليتم تضخيمه وتوجيه ضربة قاضية ضده، ولأن الرجل غريب الأطوار فقد رد على منشور عبر منصة إكس يشير إلى نظرية مؤامرة تؤكد وجود خطة سرية لليهود لإحضار مهاجرين غير نظاميين إلى الولايات المتحدة لإضعاف هيمنة الغالبية البيضاء بالقول "لقد قلت الحقيقة الفعلية".
لم يكن تعليقاً بل قنبلة وكأن الجميع كان مستعداً للحرب ضد ماسك، إذ طلبت المفوضية الأوروبية من أجهزتها تعليق حملاتها الإعلانية على منصة التواصل الاجتماعي إكس، في الوقت الذي بدأت فيه شركات كبرى مقاطعة المنصة بسبب ما اعتبرته خطابا معاديا للسامية.
وفتحت المفوضية الأوروبية تحقيقا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي يستهدف هذه الشبكة الاجتماعية بتهمة نشرها "معلومات خاطئة" و"محتوى عنيفا وله طابع إرهابي" و"خطاب كراهية" في إشارة إلى المحتوى الفلسطيني الذي يكشف جزءاً بسيطاً من المجازر الإسرائيلية ضد أطفال ونساء غزة.
شركة "آي بي إم" الأميركية العملاقة للكمبيوتر علقت إعلاناتها على منصة إكس، بعد أن ثبت أن إعلانات الشركة موضوعة بجوار محتوى اعتبرته "معاديا للسامية"، وفي الغالب يكون هذا المحتوى فلسطينياً.
الضغوطات ضد ماسك لم تكن وليدة حرب الإبادة الجماعية ضد سكان قطاع غزة، بل سبقتها لقاءات وتنبيها وتحذيرات، أبرزها لقاء رئيس وزراء الاحتلال الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مع ماسك في كاليفورنيا في 18 سبتمبر/أيلول الماضي وحثه على تحقيق "التوازن بين حماية حرية التعبير ومحاربة خطاب الكراهية" بعد أسابيع من الجدل بشأن مزاعم محتوى معادٍ للسامية على منصة إكس.
مشكلة ماسك أنه حاول خلق منصة مختلفة عن تويتر التي اشتراها وتورط بها، ومن بين محاولاته أن تكون المنصة مفتوحة للجميع، ساحة للأخبار والآراء يتبارى فيها الخصوم، ويفوز الأقوى حجة وليس الأقوى على فرض روايته بالقوة والعنف، لكنه في النهاية وجد نفسه معرضاً للانهيار، وقد يخسر كل ما يملك بسبب اجتماع الشركات الكبرى ومعها الدول الغربية للإطاحة به.
المثير للسخرية أن كل الدول الغربية الراعية للحرية وحقوق نشر المعلومات تتحالف فيما بينها، وتمنع نشر الإعلانات على منصة ذنبها الوحيد محاولتها السماح بحرية الرأي والتعبير.
لا توجد حرية تعبير، إنما هي حرية التخويف، وهو ما تمارسه إسرائيل وحلفائها ضد المحتوى الفلسطيني الذي يفضح حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني.
اضف تعليق