أسباب مشكلة الكهرباء في العراق واضحة المعالم أكثر من وضوح القمر في الليالي البيض، لكن الجميع يحاول السير الى جانب المشكلة غاضا بصره وليس لديه الشجاعة، للنطق بالحقيقة، والحقيقة هي اعتماد الربط الكهربائي على الجارة إيران دون غيرها من الدول، ويتم ذلك عن طريق المتنفذين الذين تناوبوا على....
قالها بالتلميح لأنه يخشى التصريح حين اجتمع رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بشكل طارئ مع عدد من محافظي المحافظات العراقية وخلية الازمة للطاقة الكهربائية، اذ طرح سؤالا اعتبره انه محير، حيث قال، "لماذا لم تعمد الحكومات العراقية طيلة 17 سنة لإبرام اتفاقيات ربط كهربائية مع الدول العربية المجاورة، واكتفت فقط بالربط مع إيران؟".
ليس السؤال الوحيد الذي يدور في خلج السيد الكاظمي، بل هنالك رزمة من الأسئلة، تزدحم في مخيلة ملايين العراقيين شبيهاتها، هل الكهرباء في العراق أصبحت معضلة العصر؟، وهل السبعة عشر عاما الماضية لم تخرج لنا شخصية عبقرية عراقية تبتكر الحل لهذه الازمة التي حيرت العراقيين بمختلف أعمارهم؟
هنالك مثل شعبي يقول، "الما يشوف بالمنخل عمه اليعميه"، أسباب مشكلة الكهرباء في العراق واضحة المعالم أكثر من وضوح القمر في الليالي البيض، لكن الجميع يحاول السير الى جانب المشكلة غاضا بصره وليس لديه الشجاعة، للنطق بالحقيقة، والحقيقة هي اعتماد الربط الكهربائي على الجارة إيران دون غيرها من الدول، ويتم ذلك عن طريق المتنفذين الذين تناوبوا على استأزار وزارة الكهرباء.
ولا يتحملون وحدهم المسؤولية يشاركهم بذلك رؤساء الوزراء الذيم حكموا العراق منذ تغيير النظام الى يومنا هذا، والا ليس من المنطقي ان دولة مثل العراق تعاني من هذه المشكلة المزمنة ولا توجد فيها خطة استراتيجية تخص هذا الملف، والاستفادة من التجارب المشابهة، وأخذ الاحتياطات اللازمة من خلال الربط مع دول الجوار التي هي في الأساس أقرب بكثير من الربط مع إيران.
وتشخيصا لهذا الخلل ذهبت حكومة الكاظمي لطرح مشروع الربط الكهربائي مع دول الخليج التي أبدت استعدادها تجهيز العراق بما يحتاجه من طاقة كهربائية، شريطة الانسلاخ عن الحضن الإيراني، وتؤكد المصادر المقربة من رئيس الحكومة انجاز مراحل متقدمة من هذا الربط الذي سينوع مصادر تجهيز الطاقة، ويقلل الاعتماد على إيران وربما يلغيه، إذا اشترطت الأخيرة مبالغ مالية كبيرة مقارنة بغيرها من منافذ التجهيز العربية.
الربط الأحادي له ابعاد سياسية، ويعكس الارتباط الوثيق من قبل بعض الأحزاب الموالية لإيران، وهي نفسها تدير دفة الحكم منذ سبعة عشر عام، ولم تتمكن الحكومات السابقة الخروج من دائرة التحكم الإيراني بعدد كبير من الملفات أهمها ملف الكهرباء، وهذه حقيقة بحته لا تخطئها عين، على حساب مصالح العراق وعلاقاته العربية والدولية.
وعندما تتوجه بالسؤال لاحد المعنيين حول سبب اقتصار الربط مع الجارة الشرقية، تأتيك الإجابة مضحة في اغلب الأحيان، ان إيران دولة مجاورة وذلك يسهل عمليات الربط، على خلاف غيرها من الدول، وكأن الأردن والسعودية والكويت تقع في القطب الشمالي من الكرة الأرضية، وربطها بالعراق يعتبر من عجائب الدنيا السبع.
التنوع في وجهات الربط قد يكون من أفضل الأوقات في الوقت الحالي، بعد ان قوت العلاقات العراقية مع البلدان العربية، وتكرار الزيارات بين الزعماء العرب، امر يجعل فرصة النجاح أكثر من غيرها، بعد ان هزلت التجربة السابقة، وكبدت العراق خسائر مالية كبيرة، بالإضافة الى خسارة الوقت، فطيلة السنوات الماضية استنزف الجهات المسؤولة المال والوقت ولم تجد العلاج الشافي من هذا المرض العضال.
ولكي يتم تجهيز البيت العراقي بساعات تشغيل تتجاوز العشرين ساعة في اليوم، من المهم وضع حد لسياسة التعامل مع العراق بهذا الخصوص، وجعله ورقة بيد قوى خارجية، والتصرف كدولة قوية لها ارادتها وقولها الفعال بما يخص مصلحة مواطنيها، ومعاقبة الأحزاب التي عجزت عن تقديم الخدمات وبناء دولة الديمقراطية والقانون.
ولا شيء اسمه مستحيل في ظل الانفتاح على الدول والاستعانة بخبرات الشركات العالمية المختصة بمجال الكهرباء، ويتوقف تحقيق ذلك على توفر الإرادة والتمويل الكافي لهذه المشروعات، التي تنفذ وفق خطط مرسومة كفيلة بإيقاف نزيف الأموال وهدرها لمدة سبعة عشر سنة، حيث قدرت المبالغ المهدورة بـ ـ90 مليار دولار ولم تترجم هذه المبالغ على ارض الواقع، وكأنها صرفت بصورة وهمية، او بدون تخطيط يذكر.
ويبدو انها صرفت وفق المبدأ الأخير وهو عدم التخطيط والدليل على ذلك أوضح من شمس النهار في شهر تموز، وهو تشييد محطات توليد تعمل على الغاز، مع العلم ان العراق يخلو من أبراج الاستفادة من الغاز المصاحب لعملية استخراج النفط، وبالنتيجة تكون هذه المحطات غير عملية من جهة، وستحول الى هياكل حديدية مهجورة في الايام القادمة نظرا لتكلفتها من جهة أخرى.
وهنا يتحتم على المعنيين في الحكومة العراقية وضع آلية للاستفادة من الغاز المهدور في حقول انتاج النفط، وتحويله الى خزانات يمكن الاعتماد عليها في تزويد المحطات المشيدة، وبالتالي ضمنا استقرار التيار الكهربائي الذي سينعكس على استقرار عدد واسع من القطاعات منها الزراعية والصناعية والتجارية، وبعد ذلك يودع المواطن حملا كبيرا من همومه اليومية.
لا أحد يجزم ان الازمة الأخيرة التي تعرض لها التيار الكهربائي في العراق لم تكن مفتعلة، والهدف منها هو تسقيط الحكومات السابقة وزيادة النقمة عليها، وأخيرا الوصول الى نتيجة واستراتيجية نافعة وهي، "الي يشوف الموت يرضى بالصخونة"، والجميع شعر بالسعادة عندما عاد تزويد الكهرباء ساعتين بساعتين او ثلاثة باثنين.
اضف تعليق