في العراق لا يمكن التعويل على الصداقات السياسية، ولنا في علاقة القوى السياسية الكبرى الحاكمة في البلد الكثير من الشواهد، فمثلا علاقات كتلة دولة القانون في السنوات الماضية كانت اكثر حيوية وانفتاحا على الآخرين الذين يتقربون منها بدافع المصلحة والاستفادة الوقتية...
بعض العراقيون تفاجأ من لقاء شخصيين سياسيتين كانا في الأشهر الماضية من اشد الأعداء، يتبادلان الاتهامات التي تصل الى حد الاحتكام الى القضاء للبت في موضوعة الأدلة والدفوعات المقدمة من كليهما، وبعد هذه العاصفة الخلافية تجد ذات الشخصين في حلف استثنائي لخوض مرحلة سياسية معينة.
ما جمع هاتين الشخصيتين هي المصلحة السياسية، متجاوزتا الخلافات القائمة عبر سنين، وكأن التحالف الأخير بمثابة اللقاء الأول، ما يعني أن ما يربط الاثنين من مصلحة ينبغي ألا تتأثر بالخلافات السياسية، وان لكل مرحلة ملامحها وقواعدها الخاصة.
وعالمنا مليء بقصص العداوات السياسية التي تنتقل إلى صداقات فيما بعد قبل أن يحدث ما نراه بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والملياردير ماسك.
عموماً، الصداقة والعداوة في السياسية علاقة مبنية على المصلحة وتتغير بطبيعة هذه المصالح، وفي كثير من الأحيان تتحول الصداقة الى عداوة قاسية تتجاوز قيم الصداقة والأخلاق، لذلك من الغريب أن يستهجنها البعض ممن يعمل في السياسة أو يكتب فيها، ويراها بأنها غير أخلاقية مع أنه يدرك حجم الفرق بين الصداقة في المجال السياسي والصداقة الإنسانية والأخوية.
فلا عجب عندما تقرأ تصريح او تستمع في لقاء متلفز مع قائد فصيل عسكري الى تهجم على الحكومة العراقية، بعد ان فكرت او أوضحت في خطتها المقبلة دمج الفصائل مع القوات الأمنية، لكن ومع اقتراب موعد التحالفات السياسية والدخول النهائي في الانتخابات المقبلة الذي يقتضي النزول الممنهج تجد هذا القائد يتحالف او يتفاوض مع رئيس الحكومة المُهاجمة قبل شهور.
وهذه النوعية من الصداقة أو العداوة مفهومة لدى أغلب السياسيين، لذلك كانوا متأكدين من الوصول الى المرحلة النهائية وهي لحظة الدخول الى الانتخابات وما يعقبها من توزيع المناصب السيادية وغيرها.
في العراق لا يمكن التعويل على الصداقات السياسية، ولنا في علاقة القوى السياسية الكبرى الحاكمة في البلد الكثير من الشواهد، فمثلا علاقات كتلة دولة القانون في السنوات الماضية كانت اكثر حيوية وانفتاحا على الآخرين الذين يتقربون منها بدافع المصلحة والاستفادة الوقتية.
فمن كان في السابق صديق لزعيم هذه الكتلة، تحول بفعل اختلاف المصالح الى عدو لدود، عبر التحالف مع الجبهات والكتل المختلفة في الفكر والمبدأ والتوجهات والاهداف.
فهل كانت صداقة؟
لم تكن صداقة مطلقا، بل كانت نوع من المفاضلة بين المصالح الشخصية والوطنية.
فالنظر الى السياسة بهذا المنظار، يمكن ان يكون المسوغ الرئيس وراء اتخاذ اغلب القرارات بالنسبة لشريحة كبيرة من سياسيي اليوم، الذين يتعاملون مع النتائج، مع تغييب كامل للأخلاق وتجاوز على القيم والأعراف السياسية القائمة.
وقد كشفت نتائج الانتخابات الأخيرة واقعا قديما وهو أن المصالح هي التي تحكم العلاقات السياسية ليس فقط بين الدول، بل حتى بين السياسيين وبمجرد حدوث خلاف بينهما تبدأ الخلافات والمشاكل إلى درجة "المعايرة" بطريقة فجة لا نتمي للعرف والخلق السياسي، الى جانب استخدام الأسلحة والأوراق المشروعة وغيرها.
قد تختفي قوة حزبية فاعلة في الوقت الحالي من الساحة السياسية، وقد تخسر جميع مؤيديها وحلفائها، لكن هذا لا يعني ان اعداءها يواصلون موقفهم العدائي في حال عاد الزمن وتمكنت هذه القوة من لملمة أوراقها واحدثت تأثيرا جديدا في المعادلة السياسية، وما حدث ويحدث في عالمنا المعاصر يخبرنا بعدم التفاجأ ... فلا صداقة صادقة ولا عداوة ثابتة.
اضف تعليق