في مواجهة هذا الواقع المقلق، تقع على عاتق الدولة العراقية مسؤولية كبرى لا تقبل التأجيل. فالتعامل مع “المجهول” يتطلب التحول إلى التخطيط الواقعي، لا الارتجال وردود الأفعال اللحظية. إن تحويل المجهول إلى معلوم يبدأ بوضع خطط طوارئ حقيقية لمواجهة أسوأ الاحتمالات، مع إشاعة ثقافة مجتمعية لفهم الأزمات والتعامل معها بوعي...

في ظل التصعيد الإقليمي المتزايد بين إيران والكيان الصهيوني، يجد العراق نفسه في موقف لا يُحسد عليه. موقعه الجغرافي الحساس يجعله أقرب إلى نيران الصراع، وأكثر عرضة للتأثر بأي تطور مفاجئ في المشهد السياسي والعسكري للشرق الأوسط.

وسط هذه الظروف، يسيطر القلق على الشارع العراقي، ويعيش المواطن حالة من الترقب الممزوجة بالحيرة، وتتنوع ردود الأفعال والانشغالات بحسب الانتماء الطبقي والاجتماعي.

ثلاث طبقات… وهمٌ واحد

الطبقة الأولى، وهي الطبقة الميسورة، تعيش اليوم على أعصابها. فرغم ما تملكه من مال واستقرار نسبي، إلا أن هاجس ضياع الثروة والخوف من الانهيارات الاقتصادية القادمة يُثقل كاهلها. سنون من العمل والادخار قد تتبخر في لحظة، إذا ما تدحرجت الأوضاع إلى ما لا يُحمد عقباه.

الطبقة الثانية، أي الطبقة الوسطى، وتشمل شريحة واسعة من موظفي الدولة، تعيش قلقًا من نوع آخر. فالمعيشة تعتمد كلياً على الراتب الشهري، ما يجعلهم في تساؤل دائم: هل ستبقى الرواتب تُصرف بانتظام؟ وهل سيتحمل الاقتصاد العراقي أي هزة عنيفة قد تنجم عن دخول البلاد في دائرة الصراع المباشر؟

أما الطبقة الثالثة، وهي الفئة الكادحة، فتعاني أساساً في الظروف العادية، حيث يكافح الأفراد يومياً لتأمين لقمة العيش. الأزمة بالنسبة لهم لا تعني تغييراً جديداً بقدر ما تعني تفاقماً لمعاناة مستمرة، يُخشى أن تتجاوز حدود التحمل إذا اشتد الوضع الأمني أو تدهور الاقتصاد.

في ظل هذا المشهد، يبدو أن المثل الشعبي العراقي القديم “الغركان يتعلّق بكشّة” يُعبّر بصدق عن حال العراقيين اليوم. فالجميع يبحث عن طوق نجاة، حتى وإن كان هشاً، علّه يمنحهم لحظة أمان في وسط فوضى الغموض والتضارب.

مسؤولية الدولة… وإدارة الأزمة

في مواجهة هذا الواقع المقلق، تقع على عاتق الدولة العراقية مسؤولية كبرى لا تقبل التأجيل. فالتعامل مع “المجهول” يتطلب التحول إلى التخطيط الواقعي، لا الارتجال وردود الأفعال اللحظية.

إن تحويل المجهول إلى معلوم يبدأ بوضع خطط طوارئ حقيقية لمواجهة أسوأ الاحتمالات، مع إشاعة ثقافة مجتمعية لفهم الأزمات والتعامل معها بوعي، بعيداً عن الشائعات والخوف المُفرط.

ومن بين الأولويات أيضاً، العمل السياسي والدبلوماسي الحثيث لإبعاد العراق عن ميدان المواجهة، والتمسك بسيادته واستقلالية قراره الوطني، قبل أن يتحول المجهول إلى واقع لا يُحتمل.

اضف تعليق