استراتيجية الإلهاء تمثل قالبا واضحا لطريقة إدارة الحكومة العراقية الحالية لأزماتها، من خلال تبديل بؤر الاهتمام بين الرواتب، تغيرات السوق، الخدمات، الفساد، التنمية، والمؤسسات، وللخروج من هذا النمط، لا يكفي الإعلان عن النوايا، بل يلزم إعادة هيكلة حقيقية لتعامل الحكومة مع الملفات المهمة، لأن المواطن العراقي يطالب بحقوقه بصدق...
استراتيجية تحويل الانتباه من الأدوات المهمة التي تستخدمها الحكومات للتغطية على فشلها تارة، ولكسب الوقت لحين الوصول الى هدف محدد تارة أخرى، وقد تكون الحكومة العراقية من أكثر الحكومات استفادة من هذه الاستراتيجية؛ نظرا لكثرة المشاكل الداخلية على المستويات السياسية والاقتصادية والخدمية ...الخ.
ويعرف تحويل الانتباه بانه "محاولة أو مناورة من جهة أو مسؤول لصرف نظر أو انتباه الفرد عما يدور حوله من مخططات، قد لا تعود عليه بالنفع في الكثير من الأحيان"، اذ تعتبر هذه الاستراتيجية او الطريقة هي الأكثر مناسبة في التعامل مع المشكلات الداخلية العراقية.
العراق من البلدان الوّلادة للمشكلات على الصعد كافة، ملف التعليم بحاجة الى مراجعة لجميع تفاصيله ومراحله من التعليم الابتدائي وصولا الى المراحل الجامعية والدراسة العليا، فهو يعاني من مشاكل جذرية في المناهج الدراسية وطرق التدريس وغيرها من الجوانب التي تجعل من التعليم في العراق متأخر كثيرا.
ولا يقل دمارا القطاع الصحي وما تعانيه المستشفيات من نقص حاد في الأجهزة والمستلزمات الطبية، خير دليل على ترهل هذا القطاع، وكذا قطاع الخدمات والملف الأمني والكهرباء، جميع هذه الملفات تجبر الحكومة على اتباع سياسية الالهاء التي تحوّل بواسطتها الرأي العام الى قضية اقل أهمية وربما تافهة جدا.
كلما نُقبل على فصل الصيف يكون حديث الشارع العراقي حول الكهرباء وكيف سيمر هذا الفصل مع قلة التجهيز، وبهذه الاثناء والأجواء المشحونة تحاول الحكومة افتعال قضية موازية كأن يكون الحديث عن زيادة في الرواتب، او اعفاء شريحة معينة من الضرائب وغيرها من الطرق التي تأتي ضمن التحويل الكامل لحديث الرأي العام.
ويصف المفكر الأمريكي المعروف نعومي تشومسكي، هذه الاستراتيجية بأنها إحدى الأدوات الرئيسية للسيطرة الاجتماعية عبر تحويل انتباه الجمهور عن القضايا المهمة والتغيرات التي تقررها النخب السياسية والاقتصادية من خلال وابل متواصل من الترفيه والمعلومات التافهة، والهدف منها هو جعل الناس مشغولين ... مشغولين جداً لدرجة لا يجدون معها وقتاً للتفكير فيما يدور حولهم.
تاريخ العراق مليء بالأمثلة التي تؤكد ان كل قضية يتم اثارتها في توقيت محدد، يوجد قصد وغاية في تحريكها، وبهذا يكون المجال السياسي العراقي هو المجال الأول لاستخدام هذه الاستراتيجية المفيدة بعض الأحيان والضارة في أحيان كثيرة.
ومن صور الضرر الذي يحدثه كثرة استخدام (استراتيجية تحويل الانتباه)، هو ان الجمهور الداخلي وتحديدا في العراق وخلال السنوات الأخيرة، أصبح جمهورا واعيا وذكيا جدا، يعرف ابعاد التحركات وأهدافها، ولهذا يكون التركيز على سياسية الالهاء من المضرات في الموقف السياسي بالنسبة للحكومة.
والأمثلة كثيرة في كل مجالات الحياة التي نعيشها، وما يستخدم فيها من تصرفات تنم بطريقة او بأخرى عن عجز حكومي لحل الإشكاليات التي تراكمت كثيرا في السنوات الأخيرة، ولعل الحكومات المتعاقبة عرفت او تعرف جيدا ان كل ما تقوم به من أفعال او تصرفات هي معلومة الغاية من قبل الجمهور.
استراتيجية الإلهاء تمثل قالبا واضحا لطريقة إدارة الحكومة العراقية الحالية لأزماتها، من خلال تبديل بؤر الاهتمام بين الرواتب، تغيرات السوق، الخدمات، الفساد، التنمية، والمؤسسات، وللخروج من هذا النمط، لا يكفي الإعلان عن النوايا، بل يلزم إعادة هيكلة حقيقية لتعامل الحكومة مع الملفات المهمة، لأن المواطن العراقي يطالب بحقوقه بصدق، ولكن مطالبه تضيع في دوامة الاتهامات والتسقيطات.
اضف تعليق