q
تُركز التوجهات الرئيسية لاستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة 2021-2025، في ولاية جوزيف بايدن الأولى على محاور مهمة، وهي: تجديد مزايا الولايات المتحدة في القيم الديمقراطية والدفاع عنها داخلياً وخارجياً، وتحديد مصادر تهديد الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها، لاسيما تلك الصادرة من جرّاء التنافس المتزايد مع الصين وروسيا الاتحادية...

تُركز التوجهات الرئيسية لاستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة 2021-2025، في ولاية جوزيف بايدن الأولى على محاور مهمة، وهي: تجديد مزايا الولايات المتحدة في القيم الديمقراطية والدفاع عنها داخلياً وخارجياً، وتحديد مصادر تهديد الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها، لاسيما تلك الصادرة من جرّاء التنافس المتزايد مع الصين وروسيا الاتحادية، والدول التي اكتسبت الحيازة النووية مثل كوريا الشمالية، والدول الساعية نحو تحقيق هذا الهدف مثل إيران، فضلاً عن التهديدات الناجمة عن قضايا عالمية، كما هو الحال مع تفشي وباء فايروس كورونا المسبب لمرض COVID-19 وطفراته المحوّرة، وأزمات تغيير المناخ، وغيرها.

أولاً- تجديد مزايا الولايات المتحدة:

يرى الرئيس جوزيف بايدن ( President Joseph R. Biden, Jr) أنه يتوجب البدء في تنشيط (revitalization) الميزة الأساسية لدى الولايات المتحدة وهي الديمقراطية. ويعتقد أن الأمريكان في خضم نقاش تاريخي وأساسي حول الاتجاه المستقبلي للعالم. وهناك من يجادل بأنه، في ضوء كل تلك التحديات التي تواجه العالم، فإن الاستبداد (autocracy) هو أفضل طريقة لمواجهتها. وهناك من يفهم أن الديمقراطية ضرورية لمعالجة جميع التحديات التي تواجه عالمنا المتغير.

ويعتقد الرئيس بايدن أن الديمقراطية تحمل مفتاح الحرية والازدهار والسلام والكرامة. وأن الديمقراطية ما زالت أفضل طريقة لتحقيق أهداف الشعب الأمريكي وضمان مستقبله بصورة متفوقة (outpace) على جميع منافسي (challenger) الولايات المتحدة.

إن مزايا الولايات المتحدة تعتمد على قوتها وحيويتها الوطنية، في التنوع، والاقتصاد القوي، والمجتمع المدني الديناميكي، والقاعدة التكنولوجية المبتكرة، والقيم الديمقراطية الدائمة، والشبكة الواسعة والعميقة من الشراكات والتحالفات، وأقوى جيش في العالم.

لذا يعتقد الرئيس بايدن بأنه يتوجب على الولايات المتحدة تجديد مزاياها الدائمة حتى تتمكن من مواجهة التحديات الحالية من موقع القوة المتجددة.

ويرى الرئيس جوزيف بايدن أنه يتوجب التوضيح للشعب الأمريكي أن قيادة الولايات المتحدة للعالم هي مصلحة وطنية، لأنها الطريقة التي تضمن له أن يكون قادراً على العيش في سلام وأمن وازدهار (prosperity).

ثانياً- أهداف إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة:

تكمن الأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة، بما يأتي:

1- تعزيز مصالح الولايات المتحدة والتمسك بقيمها العالمية (universal values) .

2- معالجة التهديدات الناجمة عن قضايا عالمية، من خلال التحالفات والشراكات وعلى أساس مبدأ تقاسم المسؤوليات والأعباء.

3- معالجة التهديدات الصادرة عن الصين وروسيا الاتحادية.

4- معالجة التهديدات الصادرة عن الدول الإقليمية الساعية الى الحيازة النووية.

5- تحقيق الريادة في ثورة التكنولوجيا وتطوير ونشر التقنيات الناشئة.

ثالثاً- مصادر تهديد الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها:

1- التنافس المتزايد مع الصين وروسيا والدول الاستبدادية الأخرى:

سوف يشهد عهد بايدن زيادة التنافس مع الصين وروسيا الاتحادية وكوريا الشمالية وإيران، والتركيز على معالجة تحديات الثورة التكنولوجية غير المسبوقة وتحويلها الى فرصة متاحة. ويرى واضعوا الاستراتيجية الأمنية في عهد بايدن أن هنالك تغييراً حقيقياً في توزيع القوة في العالم نجمت عنها تهديدات جديدة، لذا لابد من التعامل معها.

لقد أصبحت الصين، على وجه الخصوص، بسرعة أكثر حزماً. وهي المنافس الوحيد القادر على الجمع بين ما لديها من قدرات اقتصادية، ودبلوماسية، وعسكرية، وتكنولوجية لتشكيل تحدي مستدام للنظام العالمية المستقر والمنفتح.

ويسعى قادة الصين للحصول على مزايا غير عادلة، ويتصرفون بحزم وإكراه، ويقوضون قواعد وقيم النظام الدولي المنفتح والمستقر. وبذلك يُهدد الصينيون مصالح وقيم الولايات المتحدة بشكل مباشر.

ولا تزال روسيا الاتحادية مصممة على تعزيز نفوذها العالمي ولعب دور عالمي. وقد استثمرت كل من بكين وموسكو بشكل كبير في الجهود التي تهدف إلى تحقيق ذلك، وتحييد نقاط القوة الأمريكية في الدفاع عن مصالحها وحلفائها حول العالم.

وتواصل الجهات الفاعلة الإقليمية مثل إيران وكوريا الشمالية السعي وراء حيازة قدرات وتقنيات تغيير قواعد اللعبة، بينما تُهدد حلفاء الولايات المتحدة وشركائها وتتحدى الاستقرار الإقليمي.

كما تواجه الولايات المتحدة تحديات من داخل البلدان التي تكون حكومتها هشة، ومن طرف الجهات الفاعلة غير الحكومية التي لديها القدرة على تعطيل المصالح الأمريكية. فالإرهاب والعنف والتطرف، على الصعيدين المحلي والدولي، لا يزال يمثل تهديدات كبيرة.

2- تهديدات ناجمة عن قضايا عالمية:

تواجه الولايات المتحدة تهديدات متنوعة ناجمة عن مجموعة من الأزمات والتحديات العالمية المتسارعة، لعل في مقدمتها: تفشي وباء (pandemic) فايروس كورونا المسبب لمرض COVID-19 وطفراته المحورة، وأزمات المناخ (climate crisis)، وانتشار الأسلحة النووية (nuclear proliferation)، وانعكاسات الثورة الصناعية الرابعة (fourth industrial revolution).

وستنضم الولايات المتحدة إلى المجتمع الدولي في مكافحة التهديد المستمر الذي يشكله COVID-19 والأمراض المعدية الأخرى التي يحتمل أن تكون وبائية. وستعمل على إصلاح وتقوية منظمة الصحة العالمية. وتقديم مساهمة أولية بقيمة 2 مليار دولار إلى جانب تعهد بـتقديم ملياري دولار إضافية في السنوات القادمة.

إن التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة ترتبط بالأحداث التي تقع في خارج إقليمها، وبسبب استراتيجيتها الكونية التي تقتضي التنافس أو الصراع أو التعاون مع القوى الأخرى حسب مقتضيات تقاطع الأهداف والمصالح أو تقاربها حيال القضايا العالمية.

وأن المشهد الأمني العالمي يؤشر العديد من التهديدات الخطيرة التي تواجه الولايات المتحدة هي عابرة للحدود، كما في حالة الأوبئة والمخاطر البيولوجية الأخرى، وأزمة المناخ المتصاعدة، والتهديدات السيبرانية والرقمية، والاضطرابات الاقتصادية الدولية، والأزمات الإنسانية الممتدة، والتطرف العنيف والإرهاب، وانتشار الأسلحة النووية (nuclear proliferation)، وأسلحة الدمار الشامل الأخرى. ويجب أن تعالج هذه التهديدات بالعمل الجماعي من خلال تحديث بُنية التعاون الدولي وبمشاركة الولايات المتحدة، لأنه لا يمكن معالجة أيٍّ منها بشكل فعال من خلال تصرف دولة واحدة.

3- تحدي الثورة التكنولوجية:

إن السعي وراء العديد من اتجاهات ثورة في التكنولوجيا يشكل خطراً مستقبلياً، حيث تتسابق القوى الرائدة في العالم من أجل تطوير ونشر التقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي artificial intelligence والحوسبة الإحصائية quantum computing ، يمكن أن تدخل في تشكيل كل شيء من التوازن الاقتصادي والعسكري بين الدول إلى مستقبل العمل، والثروة وعدم المساواة في داخلها.

إن التغييرات السريعة في التكنولوجيا ستمهد الطريق أمام ضخامة التقدم في التجارة والوصول إلى المعلومات ستشكل كل جانب من جوانب حياتنا ومصالحنا الوطنية. ولكن اتجاه وعواقب الثورة التكنولوجية لا تزال غير مستقرة. لا تزال التقنيات الناشئة غير خاضعة للحكم إلى حد كبير بموجب القوانين أو المعايير المصممة لمركز الحقوق والقيم الديمقراطية، وتعزيز التعاون، وإنشاء حواجز حماية ضد سوء الاستخدام أو التصرفات الخبيثة، وتقليل عدم اليقين وإدارة المخاطر.

وبما أن المنافسة ستؤدي إلى الصراع، لذا فإن الولايات المتحدة سوف تعيد الاستثمار في الاحتفاظ بابتكاراتها وملكيتها الفكرية وبحافات العلوم والتفوق التكنولوجي من أجل الريادة مرة أخرى.

رابعاً- أولويات أمن الولايات المتحدة القومي:

منذ تأسيس الولايات المتحدة استمرت المصالح الوطنية الحيوية للولايات المتحدة، ويتطلب تحديث نُهج تحقيقها في القرن الحادي والعشرين.

1- حماية أمن الشعب الأمريكي:

إن تحقيق حماية أمن الشعب الأمريكي يتطلب مواجهة التحديات الصادرة من القوى العظمى والخصوم الإقليميين، ومن الجهات الفاعلة العنيفة والإجرامية الصادرة من الفواعل غير الدول والمتطرفين، ومن تهديدات أخرى مثل التغيير المناخي، والأمراض المعدية والهجمات الإلكترونية والمعلومات المضللة التي لا تحترم الحدود الوطنية.

2- تحقيق الازدهار الاقتصادي:

أن توسيع الازدهار الاقتصادي والفرص، من خلال إعادة تحديد المصالح الاقتصادية الأمريكية من حيث تحسين سبل عيش الأسر العاملة، وتحقيق النمو العادل والشامل، وتشجيع الاستثمارات، والابتكار، وتعزيز التنافسية الوطنية، وإيجاد وظائف جيدة الأجر، وتوسيع الفرص لجميع الأمريكيين، فضلاً عن استمرار الالتزام بالدفاع عن القيم الديمقراطية في صميم طريقة الحياة الأمريكية.

3- تعزيز الأمن السيبراني:

جعلت الولايات المتحدة الأمن السيبراني أولوية قصوى من خلال تعزيزها للقاعدة العلمية والتكنولوجية، من اجل تعزيز قدرتها واستعدادها ومرونتها في الفضاء السيبراني. وستشجع التعاون بين القطاع الخاص والحكومة على جميع المستويات من أجل بناء بيئة آمنة ومأمونة على الإنترنت لجميع الأمريكيين. وسوف توسع استثماراتها في البنية التحتية والأشخاص الذين تحتاجهم للدفاع بشكل فعال عن الأمة ضد النشاط السيبراني الخبيث. وتجديد التزامها بـالمشاركة الدولية في القضايا الإلكترونية، والعمل مع حلفائها وشركائها لدعمها صياغة معايير عالمية جديدة في الفضاء السيبراني، ومحاسبة الفاعلين عن النشاط السيبراني المدمر أو التخريبي أو المزعزع للاستقرار بأي شكل من الأشكال، والاستجابة بسرعة وبشكل متناسب مع الهجمات الإلكترونية (cyberattacks).

4-ضمان أمن إسرائيل:

بموجب استراتيجية بايدن، سوف تحافظ الولايات المتحدة على التزامها التقليدي الصارم بضمان أمن إسرائيل، وتسعى إلى تعزيز اندماجها مع جيرانها واستئناف دورها المشجع لـحل الدولتين القابل للحياة.

5-منع الانتشار النووي:

تسعى الولايات المتحدة في إطار النظام الدولي، الى معالجة التهديد الوجودي الذي تشكله الأسلحة النووية، لتقليل مخاطرها، من خلال تجنب سباقات التسلح المكلفة، والتحرك السريع لتمديد معاهدة ستارت الجديدة New START Treaty مع روسيا الاتحادية، والتفاوض بشأن مجموعة من التقنيات العسكرية الناشئة معها ومع الصين. واستعادة قيادتها وضع ترتيبات جديدة للحد من التسلح، واتخاذ خطوات محددة لتقليل دور الأسلحة النووية في استراتيجية الأمن القومي، مع ضمان إبقاء عناصر ردعها الاستراتيجي آمنة ومأمونة وفعالة، وتوسيع نطاق التزامات الردع لحلفائها بصورة قوية وذات مصداقية.

وتجدد الولايات المتحدة جهودها لمنع انتشار المواد الانشطارية والإشعاعية في جميع أنحاء العالم.

6- مواجهة التهديدات الصينية-الروسية:

تسعى الولايات المتحدة على ضمان بقاء القوات المسلحة الأمريكية في أفضل حالاتها كقوة مدربة ومجهزة، في مواجهة التحديات الاستراتيجية المتزايدة الصادرة عن الصين وروسيا الاتحادية. وسيتم التركيز على تقييم هيكلية القدرات المناسبة، وحجم القوة، عن طريق العمل مع الكونغرس، وتحويل التركيز من المنصات وأنظمة الأسلحة القديمة غير الضرورية لتحرير الموارد للاستثمارات في أحدث التقنيات والتكنولوجيات والقدرات التي ستحدد ميزة الولايات المتحدة العسكرية والأمنية الوطنية في المستقبل، من خلال تبسيط عمليات التطوير والاختبار والاكتساب والنشر وتأمين هذه التقنيات. وسيتم استخدام هذه التقنيات بشكل مسؤول وبحكمة، من خلال المحافظة على كفاءة قوات العمليات الخاصة للتركيز على الاستجابة للأزمات وأولوية مكافحة الإرهاب والحرب غير التقليدية.

وسترد الولايات المتحدة على تحدي الصين، ونواجه ممارسات التجارة غير العادلة وغير المشروعة والسرقة الإلكترونية والممارسات الاقتصادية القسرية التي تؤذي العمال الأمريكيين.

وتعمل الولايات المتحدة على تعزيز دعم تايوان، بوصفها شريك اقتصادي وأمني، بما يتماشى مع الالتزامات الأمريكية طويلة الأمد. وضمان ألاّ تضحي الشركات الأمريكية بالقيم الأمريكية في ممارسة الأعمال التجارية في الصين. والدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، بما في ذلك في هونغ كونغ Hong Kong ، وشينجيانغ Xinjiang ، والتبت Tibet.

وعلى الرغم من ذلك، فأن المنافسة الاستراتيجية لا تمنع العمل مع الصين ولا ينبغي لها أن تمنعها الصين. ويكون من المهم إشراك الصين من موقع ثقة وقوة. وإجراء دبلوماسية عملية موجهة نحو النتائج معها والعمل على تقليل مخاطر سوء الفهم وسوء التقدير. وتعزيز تعاون الحكومة الصينية في قضايا مثل تغير المناخ، والأمن الصحي العالمي، والحد من التسلح، وعدم الانتشار.

خامساً- أساليب مواجهة تهديدات الأمن القومي للولايات المتحدة:

يركز الرئيس بايدن على أولوية إعادة بناء الأسس الاقتصادية للولايات المتحدة بشكل أفضل، واستعادة (reclaim) مكانتها في المؤسسات الدولية، وتعزيز قيمها الوطنية وللدفاع عنها في جميع أنحاء العالم، وتحديث قدراتها العسكرية، مع تعزيز قيادتها الدبلوماسية في العالم، وتنشيط شبكة تحالفاتها وشراكاتها.

وتؤكد الاستراتيجية على أن ضمان أمن الولايات المتحدة، يتطلب القيام بما يأتي:

1-الدفاع عن المصادر الأساسية للقوة الأمريكية وتعزيزها داخل الوطن، المتجسدة في الشعب والاقتصاد والديمقراطية.

2- تعزيز التوزيع المناسب للقوة لردع الخصوم ومنعهم من التهديد المباشر للولايات المتحدة وحلفائها، ومنع الوصول إلى المشاعات العالمية The Global Commons)) كالفضاء الخارجي، أو الهيمنة على المناطق الرئيسية من العالم.

3-الحفاظ على نظام دولي مستقر ومنفتح وقيادته، وضمانه من قبل تحالفات ديمقراطية قوية وشراكات ومؤسسات متعددة الأطراف.

ومن أهم أساليب مواجهة تهديدات الأمن القومي للولايات المتحدة، هي:

1-تنشيط مبادئ الدبلوماسية:

تسعى الولايات المتحدة في عهد بايدن الى العمل الحكيم والمنضبط في الاختيارات المتعلقة بالدفاع الوطني، والاستخدام المسؤول في استخدام الجيش، أثناء تنشيط الدبلوماسية كأداة لها الأولوية.

وستتبع الولايات المتحدة المبادئ الدبلوماسية لمعالجة البرنامج النووي الإيراني وأنشطته الأخرى المزعزعة للاستقرار.

وتمكين دبلوماسية الولايات المتحدة للعمل مع جمهورية كوريا الشمالية واليابان، على تقليل التهديد النووي المتنامي الذي تشكله كوريا الشمالية وبرامج الصواريخ، إلى جانب جمهورية كوريا واليابان.

2-تنشيط دور منظمة الأمم المتحدة:

أن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، سوف تبقى ضرورية لتعزيز مصالح الولايات المتحدة، في مجموعة من القضايا الحاسمة من تغيير المناخ إلى الصحة العالمية والسلام والأمن والاستجابة الإنسانية وتنشيط الديمقراطية وحقوق الإنسان والتواصل الرقمي وحوكمة التكنولوجيا المستدامة والتنمية الشاملة والتشريد القسري والهجرة. وأن التعاون العالمي الفعال يتطلب الإصلاح المؤسسي من أجل استئناف الولايات المتحدة دور قيادي في المنظمات متعددة الأطراف.

3- التحالفات والشراكات:

يركز الرئيس بايدن على أهمية الالتزام بمبادئ التعاون مع بقية دول العالم من أجل مواجهة التحديات السابقة والحالية والمستقبلية. لذا يرى ضرورة العمل الوثيق مع حلفاء وشركاء (allies and partners) الولايات المتحدة في مواجهة القضايا المشتركة مع أقرب حلفائنا وشركائنا، وتجديد تلك التحالفات والشراكات بما يجعلها مصادر دائمة لقوة الولايات المتحدة.

وأن تعزيز التحالفات سوف تزيد من قدرة (ability) وقوة (power) الولايات المتحدة على تعطيل (disrupt) التهديدات (threats) قبل تنفيذها. والاستثمار في المشاريع التنموية الاقتصادية للبلدان الأخرى، سوف ينشئ أسواقاً جديدة للمنتجات الأمريكية، ويقلل من احتمالية عدم الاستقرار والعنف والهجرات الجماعية (mass migrations). وأن تعزيز النظم الصحية في جميع أنحاء العالم، سوف تقلّل من مخاطر الأوبئة المستقبلية التي يمكن أن تهدد الشعب الأمريكي واقتصاده.

وهنالك تهديدات سوف يتم تنشيط حلفاء وشركاء الولايات المتحدة لمواجهتها، وعدم إبقاؤهم متفرجين إلى جانبها ضد تلك التهديدات الصادرة من خصوم الجميع. وتساعد تلك التحالفات والشراكات على تحمل المسؤوليات المطلوبة للحفاظ على أمن شعب الولايات المتحدة وازدهاره، وتنتج رؤية موحدة، وتجمع القدرات المشتركة، لتعزيز المعايير العالمية في إنشاء قواعد دولية فعالة، ومحاسبة دول مثل الصين. ومن هذه الرؤية سوف تقوم الولايات المتحدة في إعادة استثمار منظمة حلف شمال الأطلسي (NATO) وتطويره، واستثمار قدرات حلفائها لاسيما تحالفاتها مع أستراليا واليابان وجمهورية كوريا الجنوبية. كما ستعمل مع الحلفاء على تطبيق مبدأ تقاسم المسؤوليات بشكل عادل (share responsibilities equitably)، في مواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية المشتركة.

أن قوة الولايات المتحدة سوف تتضاعف عندما تتكاتف الجهود لمعالجة المشتركة التحديات وتقاسم التكاليف وتوسيع دائرة التعاون. وهو الأمر الذي ينسجم مع إدراك مفاده: إن مصالحها الوطنية الحيوية تتصل بصورة مباشرة ووثيقة مع المحيطين الهندي والهادئ وأوروبا ونصف الكرة الغربي. لذلك تضع في اعتبارها إشراك الدول الشريكة، من خلال العمل على تعميق شراكتها مع الهند والعمل ونيوزلندا، وسنغافورة وفيتنام ودول رابطة دول جنوب شرق آسيا الأخرى، ودول جزر المحيط الهادئ، وصياغة أجندة مشتركة قوية مع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بشأن القضايا الحاسمة لتعزيز الأهداف المشتركة.

وأن المصالح القومية الحيوية للولايات المتحدة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالثروات الموجودة في الدول المجاورة لها في نصف الكرة الغربي، وخاصة مع كندا والمكسيك، والاستفادة منها بناءً على مبادئ الاحترام المتبادل والمساواة والالتزام بالازدهار الاقتصادي والأمن، واحترام حقوق الإنسان. وتقديم مساعدات لها بالتعاون مع الكونجرس بواقع 4 مليارات دولار على مدى أربع سنوات، واتخاذ خطوات أخرى لمعالجة أسباب انعدام الأمن البشري والهجرة غير النظامية، بما في ذلك الفقر والعنف الإجرامي والفساد، والتي تفاقمت بشكل كبير بسبب COVID-19 والركود الاقتصادي العميق وأزمة الديون التي أحدثتها في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.

وستعمل الولايات المتحدة مع شركائها الإقليميين في الشرق الأوسط، في ردع إيران، ومكافحة تهديدات تنظيم القاعدة وشبكات الإرهابيين المرتبطة بها، ومع عودة تنظيم داعش الإرهابي ومعالجة الأزمات الإنسانية، ومضاعفة جهودها المبذولة في حل النزاعات المسلحة المعقدة التي تهدد الاستقرار الإقليمي، بما ينسجم مع المصالح والقيم الأمريكية. ومن هنا سوف يتم سحب الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية الهجومية في اليمن ودعم جهود الأمم المتحدة لإنهاء الحرب.

4- قيادة الاقتصاد العالمي:

تعتمد استراتيجية للأمن القومي حقيقة أساسية تتجسد في أن الأمن الاقتصادي هو الأمن القومي. وان التجارة والسياسات الاقتصادية الدولية يجب أن تخدم جميع الأمريكيين، ويجب أن تنمو السياسة التجارية في الطبقة الوسطى الأمريكية، وخلق وظائف جديدة، ورفع الأجور، وتقوية المجتمع. لذلك ستقوم الولايات المتحدة بفرض قواعد التجارة الحالية وإنشاء قواعد جديدة تعزز العدالة. والعمل مع الحلفاء لإصلاح منظمة التجارة العالمية بحيث تعمل على دعم الوظائف الأمريكية. وتضمن أعمال الولايات المتحدة الدولية تعزيز السياسات الاقتصادية لسياساتها المحلية لدعم العمال والشركات الصغيرة والبنية التحتية، وتجديد التزامها بالشراكة مع القطاع الخاص في الاستثمارات التنموية، والسعي لخلق فرص استثمارية للشركات الأمريكية في الدول النامية.

وستضاعف الولايات المتحدة استثماراتها في العلوم والتكنولوجيا، بما في ذلك في البحث والتطوير وتقنيات الحوسبة التأسيسية الرائدة والمحلية التصنيع، لتمكين متابعة العديد من الأهداف الاستراتيجية الوطنية، بما في ذلك في المجالات الاقتصادية والصحية والتكنولوجيا الحيوية والطاقة والمناخ والأمن القومي، لبناء بنية تحتية رقمية للقرن الحادي والعشرين، بما في ذلك وصول للإنترنت وشبكات 5G عالية السرعة. واستكشاف واستخدم الفضاء الخارجي مع ضمان سلامة واستقرار وأمن أنشطة الفضاء الخارجي (security of outer space activities ).

5- استخدام القوة العسكرية عند الضرورة القصوى:

من خلال إدامة جيش قوي يتناسب مع متطلبات الأمن، لن تتردد الولايات المتحدة في استخدام القوة العسكرية عند الحاجة للدفاع عن مصالحها الوطنية الحيوية كملاذ أخير، عندما تكون الأهداف والمهمات واضحة ويمكن تحقيقها، وعندما تقترن القوة بالموارد المناسبة وتكون جزءً من التكامل الاستراتيجي. وعندما تكون القوة مطلوبة، ستستخدمها مع الشركاء الدوليين والمحليين حيثما أمكن ذلك لتعزيز الفعالية والشرعية، وتقاسم الأعباء، واستثمار جهود الحلفاء والشركاء في النجاح.

ويؤخذ بنظر الاعتبار إلى أن الولايات المتحدة تقوم بالتشاور الوثيق مع حلفائها وشركائها، بشأن إثبات حقيقة مفادها: يتوجب على الولايات المتحدة ألاّ تخوض حروبا أبدية كالتي حصلت وكلفت الآلاف من الأرواح وتريليونات الدولارات. وستعمل على إنهاء أطول حرب أمريكية بشكل مسؤول في أفغانستان مع ضمان عدم تحولها مرة أخرى إلى ملاذ آمن للإرهابيين الذين يشنون الهجمات ضد الولايات المتحدة. وسيكون هنالك وجود أقوى للولايات المتحدة في الهند والمحيط الهادئ وأوروبا. وسيحدد حجم وجودها العسكري في الشرق الأوسط، بما يساعد في تعطيل الشبكات الإرهابية الدولية، وردع إيران من الأضرار بالمصالح الأمريكية الحيوية.

ولتجنب الاعتماد المفرط على الجيش الأمريكي للقيام بمهام خارجية، وستعطي ميزانية الولايات المتحدة للأمن القومي الجديدة الأولوية لموارد الدبلوماسية والتنمية، والاستثمار في مجموعة أجهزة الاستخبارات، وتعزيز قدرتها على تقديم التحليل والتحذير في الوقت المناسب اللازم لإبلاغ صناع القرار السياسي، لتحديد الفرص وتجنب التهديدات قبل أن تتحول إلى أزمات تكون أكثر خطورة.

وهكذا نخلص مما تقدم، الى أن الولايات المتحدة تسعى في ظل إدارة جوزيف بايدن الأولى إثبات أن الديمقراطيات لا تزال قادرة على ذلك في تحقيق الشعب الأمريكي لأهدافه، من خلال الدفاع عنها، وتقويتها وتجديدها. وإعادة بناء الأسس الاقتصادية بشكل أفضل. واستعادة المكانة في المؤسسات الدولية، وتعزيز القيم الأمريكية داخل الوطن وخارجه، وتحديث القدرات العسكرية، مع ترسيخ القيادة الدبلوماسية، وتنشيط شبكة التحالفات الأمريكية والشراكات التي ترفد القدرات الأمريكية بعناصر قوة مضافة، ليصبح العالم أكثر أمانا لجميع الشعوب.

* الاستاذ الدكتور علي هادي حميدي الشكراوي، أستاذ العلاقات الدولية والاستراتيجية في كلية العلوم السياسية-جامعة الكوفة

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية
SOURCE:
-PRESIDENT JOSEPH R. BIDEN, JR. INTERIM NATIONAL SECURITY STRATEGIC GUIDANCE, THE WHITE HOUSE, WASHINGTON, MARCH 2021.

اضف تعليق


التعليقات

أحمد عنه حاشوش علوان
العراق
وفقكم الله لكل خير دكتورنا الفاضل مقال جميل جدا2021-03-29