q
في هذا المقال المخصص لشبكة النبأ المعلوماتية، نتناول بصورة دقيقة وموجزة، أبرز التهديدات والتحديات التي تواجه الأمن الوطني العراقي وتعيق أداء مؤسساته وأجهزته المتنوعة، وتؤثر في عمليات إعادة بناء الدولة العراقية بعد التغيير الحاصل فيها منذ عام 2003، وتعزيز قدراتها الاستراتيجية الشاملة...

أولاً-ماهية التهديدات التحديات الإقليمية والعالمية التي تواجه الأمن الوطني العراقي:
(وطن الأسود لا يهمه طول الليالي المظلمة، أو كثرة الأعداء والطعنات)

أن مجمل التهديدات والتحديات الإقليمية والعالمية التي تواجه الأمن الوطني العراقي، يكون مصدرها معظم دول الجوار الجغرافي العربية وغير العربية، وبعض القوى الكبرى ذات المصالح الكونية، والتي لها مصالح محددة في منطقة الشرق الأوسط عامة أو في منطقة الخليج العربي خاصة، والتي تدفعها للتدخل في الشؤون الداخلية للعراق بمختلف الأساليب والوسائل مباشرة أو بالوكالة.

ولعل من أبرز تلك التهديدات والتحديات الإقليمية والعالمية التي تواجه العراق وأمنه الوطني في القرن الحادي والعشرين، هي ما يأتي:

1- المشاكل الحدودية مع الدول المجاورة، المعلنة والكامنة: إذ أن معظم الدول المجاورة قد تجاوزت على الأراضي العراقية، مستغلةً انشغال العراق بحروبه قبل عام 2003، وبأزماته الداخلية والإرهاب الدولي بعد هذا التاريخ. وهذا ملف خطير يُعد بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت من جهة أحد الأطراف المعنية، ومن المعروف أن المشكلات الحدودية هي أحد أسباب الحروب النظامية الرئيسة.

2- تحكّم دول الجوار الجغرافي تركيا وسوريا وإيران بالموارد المائية الواصلة إلى العراق كونه دولة مصب، بالتأثير على كميتها بما يضر بمصالحه، ويجعل هذا الملف ورقة ضغط على الحكومات العراقية المتعاقبة، على الرغم من الحقوق المكتسبة التي يقرها العرف الدولي وقواعد القانون الدولي للعراق.

3- تواجد القوات الأجنبية في العراق: التي انقسم الفرقاء السياسيين بشأن استمرار تواجدها من عدمه فعلاً وحقيقةً، إذ تبين ذلك، في الموقف من قبول وتنفيذ القرار النيابي الذي صوّت عليه مجلس النواب بتاريخ 05/01/2020 في جلسته الاستثنائية التي حضرها 172 نائب، واستضافة رئيس مجلس الوزراء (مٌقدّم الطلب)، بشأن إلزام الحكومة بإنهاء تواجد القوات الأجنبية في العراق.

ويبدو أن مؤشرات الانقسام في هذا الموقف تجسد في غياب 67 نائباً عن الجلسة، وفي تحديد ماهيّة القوات الأجنبية المشمولة بهذا القرار، أم جميعها من دون تمييز، وفي أن الحكومة هي التي قدمت الطلب لإصدار هذا القرار النيابي، بينما في الأصل أن هذا الاختصاص هو من صُلب واجباتها التنفيذية، فلو كانت قادرة عملياً على إخراج القوات الأجنبية التي جاءت بطلب منها أصلاً، لأخرجتها على الفور، من دون اللجوء الى مجلس النواب.

من الجدير بالذكر، أن الأساس القانوني لتواجد القوات الأجنبية نجده صادراً من الحكومة العراقية ذاتها وليس من مجلس النواب، إذ تجسد في الرسائل المقدمة من وزيري الخارجية (الأسبقين) السيد هوشيار زيباري في 25 حزيران 2014 والسيد إبراهيم الجعفري في 20 أيلول 2014 التي أوصلها الممثل الدائم للعراق لدى الأمم المتحدة بشأن الظروف الصعبة التي يمر بها العراق وطلب المساعدة العاجلة لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي.

وعلى الرغم مما تقدم، فإن تواجد القوات الأجنبية في العراق يمثل تهديدا حالياً ومستقبلياً، قد يجعل منه ساحة صراع لأطراف إقليمية وعالمية، يكون فيها المتضرر الأكبر هو الشعب العراقي.

4- بقايا خلايا الإرهاب الدولي لاسيما فلول تنظيم داعش الإرهابي: إذ أنه مازال هنالك جهات أجنبية تقوم بدعم الإرهاب وتنظيماته في العراق، من حيث التمويل، والتجنيد، والإيواء، بهدف منعه من إعادة بناء دولته وقدراته واستعادة موقعه ومكانته الدولية التي يستحقها في هذه المنطقة الحيوية من العالم. والأخطر من هذا الأمر هو أن تلك الجهات تسعى بمختلف الوسائل إلى إعاقة عمليات إصلاح وتطوير مؤسساته وأجهزته الأمنية والدفاعية الوطنية.

ولا شك في أنه كلما تصاعدت العمليات الإرهابية في العراق، كلما ازداد التنافس والصراع الإقليمي والعالمي في إقليمه، ما يجعله ساحة عمليات لتلك القوى المتنافسة والمتصارعة، الأمر الذي يسبب أضراراً جسيمة بالشعب العراقي، فضلاً عمّا يمثله من اختراق للأمن الوطني العراقي، وانتهاك صارخ لسيادة الدولة.

5- الانتشـار النووي وسباق التسلح في منطقة الخليج العربي وشرق المتوسط:

أن الاستخدام غير السلمي للطاقة النووية يخالف قواعد القانون الدولي، المتجسدة في معاهدات نزع السلاح النووي، ومعـاهدة عـدم انتشـار الأسـلحة النوويـة لعام 1968، ومعاهدة حظر الأسـلحة النووية لعام 2017، وفي قرارات مجلس الأمن بشأن استخدامات الطاقة النووية، ونزع السلاح النووي العام والشامل، وإقامة المناطق الخالية من الأسلحة النووية.

وعلى هذا الأساس تكون حيازة إسرائيل للأسلحة النووية خارج إطار قواعد القانون الدولي، بوصفها وسيلة قوة نوعية غير تقليدية يُمكّنها من تحييد التفوق الكمي العربي، هو في الواقع، تبريراً مرفوضاً ومداناً، نظراً لما يمثله من مخاطر كبيرة على دول المنطقة وشعوبها، إذ قُدرّت حيازتها بحوالي 90 سلاح نووي في عام 2020 . وهذه الحقيقة تستدعي تكاتف الجهود المختلفة من أجل إزالة هذا الخطر الداهم على شعوب المنطقة.

وفيما يخص إيران فأن برنامجها النووي السلمي قد ألحقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية به الشكوك حول تصميم وبناء مفاعل (آراك IR-40)، ومستويات تخصيب اليورانيوم (235)، وكمية مخزونها منه، وأعداد أجهزة الطرد المركزي، والقذائف التسيارية القادرة على حمل رؤوس حربية. وعلى الرغم من أن إيران قد تبنت الخيار النووي، إلاّ أنها لم تكتسب حتى كتابة هذه السطور حيازة أسلحة نووية، لأنه لم يُجرى أي تفجير نووي إيراني يؤشر نجاحها في تحقيق ذلك.

ولقد تم توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) ، في فيينا بتاريخ 14 تموز 2015 بين إيران وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة (E3) والصين وروسيا الاتحادية والولايات المتحدة (+3) ووساطة الاتحاد الأوربي، وأصدر مجلس الأمن بالإجماع قراره (2231/2015) الذي أيّد فيه هذه الخطة، التي اعتمدت بتاريخ: 18 تشرين الأول 2015، وكان بدء تنفيذها في: 16 كانون الثاني 2016 .

وفيما يخص موقف دول مجلس التعاون الخليجي، فقد تخوفت من عدم اكتمال تنفيذ الخطة، ما يعيد خطورة المشكلة النووية من جديد على أمن الخليج العربي . وبالفعل فقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتاريخ: 8 أيار2018 انسحاب بلاده من خطة العمل الشاملة المشتركة المبرمة مع إيران عام 2015 وإعادة العمل بالعقوبات المفروضة عليها، مع الاستعداد لمفاوضات موسعة حول اتفاق جديد .

لا شك في أن دول مجلس التعاون الخليجي العربية هي الأكثر تضرراً في حالة تمكّن إيران من حيازة السلاح النووي، لأن ذلك سوف يؤدي إلى الإخلال بتوازن القوى الإقليمية في المنطقة لصالح إيران، ما يدفعها الى السير في ذات التوجه وهي صاحبة الثروات المالية الكافية والعلاقات الدولية الساندة، الأمر الذي سوف يعزز من فرص سباق التسلح النوعي في المنطقة، مع زيادة احتمالات التوتر والاحتكاك على مختلف المستويات، بما يهدد الأمن الإقليمي ومن ضمنه الأمن الوطني العراقي.

ثانياً- سبل المواجهة العامة للتهديدات والتحديات التي تواجه الأمن الوطني العراقي:
(لنجعل العراق أولاً قلباً وقالباً في السرّاء والضرّاء)

أن تحديد السبل العامة الناجحة لمواجهة التهديدات والتحديات الإقليمية والعالمية التي تواجه الأمن الوطني العراقي، في القرن الحادي والعشرين، تقتضي أولاً تهيئة الأرضية المناسبة بين جميع الفرقاء السياسيين في العراق، لتحقيق ما يأتي:

1-الاتفاق على ماهية المصالح العراقية الوطنية العليا، ومن ثم تحديد مصادر تهديدها الإقليمية والعالمية.

2-العمل على تعزيز سيادة الدولة، وإدامة وحدتها الوطنية ومجتمعها متعدد المكونات.

3-اقامة علاقات دولية متوازنة.

4- العمل على ترصين أمن الدولة الداخلي والخارجي.

5-تطوير القدرات الوطنية الخاصة بمكافحة الإرهاب.

ثالثاً- سبل المواجهة الخاصة للتهديدات والتحديات التي تواجه الأمن الوطني العراقي:
(من أجل وطننا المفدّى، لنمنح المتخصصين فرصتهم في سوح المواجهة وإيجاد الحلول)

تتجسد المصالح العليا للعراق وأمنه الوطني، حل مشكلاته مع دول الجوار، وفي دحر التنظيمات الإرهابية، فضلاً عن تحديد وإنهاء التنافس والصراع الإقليمي والعالمي الحاصل في إقليمه. لذا نقترح باختصار شديد سبل المواجهة الخاصة لكل تهديد أو تحدي يواجه الأمن الوطني العراقي، في القرن الحادي والعشرين، وكما يأتي:

1- حل المشاكل الحدودية مع الدول المجاورة:

أ-السعي نحو حل المشاكل الحدودية السياسية الدولية البرية والنهرية والبحرية مع دول الجوار الإقليمي خاصة مع إيران والكويت وتركيا، بصورة قانونية دقيقة وعادلة في اتفاقات رسمية تسجل في منظمة الأمم المتحدة، على وفق قواعد القانون الدولي، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.

ب- السعي الى عقد اتفاقية دولية ثنائية مع إيران لأنهاء وضع وقف إطلاق النار للحرب العراقية الإيرانية وإنهائها رسمياً.

ج- السعي نحو إعادة الأراضي العراقية التي منحها النظام السياسي السابق الى بعض الدول المجاورة أو تلك الأراضي التي تم التجاوز عليها من قبلها.

2- إنهاء تحكم دول الجوار تركيا وسوريا وإيران بالموارد المائية الواصلة إلى العراق:

أ-إبرام اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف مع الدول المتشاطئة وهي تركيا وسوريا وإيران تضمن حقوقه المكتسبة، في حسم حصة العراق المائية بصفته دولة مصب، بما ينسجم مع قواعد القانون الدولي وخاصة اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية والدولية للأغراض غير الملاحية لعام 1997.

ب-حث دول الجوار على الانضمام الى اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية والدولية للأغراض غير الملاحية لعام 1997، النافذة منذ 17 آب 2014، وحل المشكلات والنزاعات المائية على أساس أحكامها، هذه الاتفاقية تضمن حقوق العراق المائية في الأنهر المشتركة، خاصة وإن العراق قد انضم اليها في عام 2001 .

ج- دعوة الدول المجاورة الى تطبيق اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982.

3-تعويض انسحاب القوات الأجنبية من العراق:

هنالك علاقة طردية بين تصاعد العمليات الإرهابية في العراق، والحاجة الى الدعم الدولي لمكافحتها، ومنها جهود حلف شمال الأطلسي.

أ- أن تقوم الجهات المختصة والمتخصصة بإعداد تصميم موحد لاتفاق ينظم سحب القوات الأجنبية تدريجياً من العراق من دون أن يرافق ذلك الانسحاب حصول أي ثغرات أمنية خلاله أو بعد إتمامه، وان يضمن المصالح الأمنية لجميع الأطراف.

ب- استمرار الشراكة مع حلف شمال الأطلسي التي بدأت منذ نيسان 2011، وتم التوقيع على برنامج شراكة وتعاون ثنائي مشترك (IPCP) تم الاتفاق عليه في24 أيلول 2012، حيث وفرّ إطاراً للحوار السياسي والتعاون المتخصص في تطوير قدرات مؤسسات الأمن والدفاع العراقية . وسوف تزداد أهمية هذه الشراكة بعد انسحاب القوات الأجنبية، نظراً لما يقدمه الحلف في مجال التدريب والتطوير، فضلاً عن مساندته للعراق ضمن إطار الجهود الدولية في مكافحة الإرهاب الدولي.

ج- تجديد اتفاقية تدريب قوات الأمن العراقية بين حكومة جمهورية العراق ومنظمة حلف شمال الأطلسي، الموقعة في بروكسل بتاريخ 26 تموز 2009 ، التي اتفق الطرفان فيها على أن تقدم بعثة الحلف في العراق، المساعدة لمؤسسات تدريب قوات الأمن العراقية وتطويرها على أساس التخصص، من أجل بناء قوات أمن عراقية فعالة ودائمة ومهنية محترفة .

4- معالجة خلايا تنظيم داعش الإرهابي:

أ-يتعين على الحكومة العراقية تعزيز قدرات الدولة الدفاعية والأمنية والاستخباراتية بقدراتها الذاتية ومن خلال التعاون الدولي.

ب-أن تقدم الحكومة العراقية ومجلس النواب، الدعم اللامحدود إلى جهاز مكافحة الإرهاب كونه درع الوطن الحصين في مهام منع وردع وقمع الإرهابين ودحرهم، فضلاً عن كونه أحد أعمدة احترام سيادة الدولة وإعادة هيبتها.

5- وقف الانتشـار النووي وسباق التسلح في منطقة الخليج العربي وشرق المتوسط:

إن حيازة الأسلحة النووية في هذه المنطقة الغنية والاستراتيجية من العالم سوف تشجع على سياسة الانتشـار النووي وسباق التسلح فيها، ما ينعكس سلبياً على الأمن الوطني العراقي، ومن ثم على السلم والأمن الإقليمي والعالمي. وعلى هذا الأساس نقدم المقترحات الآتية:

أ-حث دول المنطقة على الاستخدام المدني السلمي للطاقة النووية، الذي هو حق غير قابل للتصرف للدول الأطراف بموجب معـاهدة عـدم انتشـار الأسـلحة النوويـة لعام 1968 ومعاهدة حظر الأسـلحة النووية لعام 2017، والقواعد القانونية ذات الصلة باستعمال الطاقة النووية.

ب-حث صناع القرار والرأي العام في دول المنطقة على رفض الانتشار النووي العسكري وإحلال صيغ تعاونية بدلاً من الصراع، والالتزام بقواعد القانون الدولي وخاصة حسن الجوار والتعاون السلمي ونزع السلاح والمحافظة على السلم والأمن الدوليين.

ج- حث إسرائيل على توقيّع معاهدة حظر الأسـلحة النووية لعام 2017 والانضمام إليها ونزع أسلحتها النووية بموجب اتفاق دولي يبرم تحت رعاية الأمم المتحدة.

د- حث إسرائيل وإيران على توقيّع معاهدة حظر الأسـلحة النووية لعام 2017 والانضمام إليها، وتطبيق نظام ضمانــات الوكالة الدولية للطاقة الذرية وبروتوكـولاتها الإضافيـة.

ومما تقدم، نخلص إلى أن العراق واجه وما زال أكبر وأخطر التهديدات والتحديات الأمنية منذ عام 2003، والتي لم تواجه مثلها أية دولة في العالم. ورغم ذلك فإنه مازال يحقق الانتصارات الباهرة على مستويات عديدة، منها مكافحة التنظيمات الإرهابية وخلاياها النائمة، بتضحيات أبنائه المخلصين، وبمطاولته في مواجهة جميع التحديات. ولسوف يتحقق النصر النهائي ويتم إعادة بناء الدولة العراقية على أسس جديدة ومتطورة، تؤدي إلى صيانة الأمن الوطني العراقي وتعزيز أداء مؤسساته وأجهزته، بما يحقق أهداف ومصالح الدولة الاستراتيجية العليا.

اضف تعليق