تعدّ الانتخابات ركيزة مهمة من ركائز الديمقراطية، ويجري التعامل معها بوصفها حقا للمواطن ينبغي ترسيخه وتعزيزه وترصينه؛ وشهدت الكثير من الدول في العالم تنامياً ملحوظا في الوعي العام بأهمية المشاركة في الانتخابات كآلية للتطور الديمقراطي السلمي، وكوسيلة لاستدامة الديمقراطية، ولكن يبدو الأمر مختلفاً مع المواطن العراقي...
تعدّ الانتخابات ركيزة مهمة من ركائز الديمقراطية، ويجري التعامل معها بوصفها حقا للمواطن ينبغي ترسيخه وتعزيزه وترصينه؛ وشهدت الكثير من الدول في العالم تنامياً ملحوظا في الوعي العام بأهمية المشاركة في الانتخابات كآلية للتطور الديمقراطي السلمي، وكوسيلة لاستدامة الديمقراطية.
ولكن يبدو الأمر مختلفاً مع المواطن العراقي، إذ لوحظ في الاعوام الأخيرة ارتفاع مضطرد في نسبة العزوف عن التصويت، وتشير مؤشرات عديدة الى أنَّ المشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة لن تكون بأفضلٍ حال، وستشهد عزوفاً غير مسبوق؛ وهناك عدَّة عوامل تضافرت كأسباب لهذا العزوف، لعلَّ منها اعتقاد جمهور المقترعين أن مشاركتهم لن تغير من الواقع شيئاً.
لذا ينبغي التعامل بجدية مع الانتخابات كثقافة ووعي سياسي وقيمة أخلاقية وآليات ديمقراطية في تشكيل بنية السلطة وإدارة المصالح العامة، واعتماد أسئلةٍ يفترض أن تسبق مناقشة تقنيات النظام الانتخابي؛ لأنَّها تحيط بجدوى الانتخابات كَكُل، والإجابة عليها تؤثر بالقطع على “احتمالية” نجاح أي نظام انتخابي.
ومن هنا تثور تساؤلات أخرى بشأن علاقة الثقافة والوعي السياسي بالنظام الانتخابي، وكما يشير الدكتور علي الصاوي في بحثه “ديمقراطية الانتخابات.. إدارة أم إرادة؟” إلى الحاجة إلى بلورة مؤشرات عملية لمعنى “نجاح” الانتخابات: هل نسبة المشاركة في التصويت؟ أم الأصوات الصحيحة؟ أم مدى تمثيل تلك النسبة للتنوع المجتمعي (السياسي، والحزبي، والثقافي، والاقتصادي، والاجتماعي…)؟
وما المشكلة الحقيقية في الانتخابات بالدول العربية؟ ولماذا لا نزال نناقش “كيفية إدارة الانتخابات” في بلادنا ونقضى وقتًا طويلاً عند أبجدياتها في حين أغفلنا طرح أسئلة قبلية مهمة تسبق التناول الفني للعمليات الانتخابية! وهل يمكن تصور انتخابات ديمقراطية؟ هل الثقافة العامة (الشعبية التي نراها في الشارع) ترحب بآلية الانتخاب أم ترفضها في العمق النفسي ولكن ربما تمتطيها إذا احتاجتها لتحقيق مصالح وجلب منافع من السلطة وخدمات من المرشحين؟
نظام انتخابي
وهل النظام الانتخابي هو الذي يطور الثقافة المحيطة به والمنسجمة مع مقولاته أم يجب أن يفصل هو على مقاس تلك الثقافة حتى يشارك الناس بكثافة باعتبار أنَّ المشاركة أهم قرائن فعالية النظام الانتخابي ومؤشرات نجاح الانتخابات على الأقل في الدول المستقرة انتخابياً؟
اسباب سلبية
إنَّ من أسباب السلبية وعدم المشاركة في الانتخابات، كما يقول القاضي والمحكم الدولي مصطفى أحمد أبو الروس في كتابه “فقه الانتخابات” هو عدم إحساس الناخب بأهمية صوته واعتقاده أنَّ النتيجة محسومة سلفاً لصالح مرشح بعينه، وانَّ الانتخابات شكلية وانَّ الحكومة ستُنجح من تريده أن ينجح، وان صناديق الانتخابات يمكن أن تستبدل، وأحيانا يكون سببها الأسماء المطروحة، فهي قد تكون غير جديرة بالثقة، وهناك من يرى أنَّ انخفاض مستوى المشاركة في الانتخابات البرلمانية يرجع بصفة أساسية إلى “الأغلبية الصامتة” التي لا ترى في الأحزاب أنَّها تعبر عنها فضلاً عن وجود خلل تربوي انتخابي لاسيما عند كبار السن بعدم معرفة أسماء المرشحين أو القوائم.
ويعلل البعض أنَّ الانتخابات سلوك حضاري راق كيف يمكن أن يجرى في أجواء يسودها التزوير والابتزاز والغوغائية وشراء الأصوات، والانتهازية؟!. وقد يعزو سبب ضعف المشاركة وسلبية الناخبين إلى بعض النواب أنفسهم الذين تعاملون مع الانتخابات كصفقة رابحة، لا بد أن يخرج منها رابحاً بالكذب أو التدليس والتحايل، ومهم من خدع ناخبيه وسرق أصواتهم عند جلوسه تحت قبة البرلمان؛ فقد اختفوا عن الأنظار وغيروا أرقام هواتفهم، كما أنَّ بعضاً يأس من المستقبل ممَّا أدى إلى تفشي روح السلبية وعدم اللامبالاة، لعدم الجدوى من السياسة التي لم تغير شيئاً؛ ففقد الناخب الدافع وعزف عن المشاركة!
وبالتأكيد أنَّ السلبية لا تشمل فقط الناخبين بل المرشحين أيضاً، فيشير القاضي مصطفى أحمد أبو الروس إلى أسباب سلبية المشاركة من جانب المؤهلين الصالحين للترشيح منها: تفضيل أهل الثقة على أهل الخبرة في الكوادر الحزبية، وعدم وجود تغيير كلي شكلاً ومضموناً في العمل السياسي ممَّا يجعل مشاركتهم مؤثرة، وعدم إحساسهم بوجود مرشحين أقوياء يحترمون عقلية الناخب، فلا يرشح أحدهم حتى يشعر بالحيدة والنزاهة وحتى تسود روح المنافسة الايجابية والتسابق السياسي الشريف بعيداً عن سرقة أصوات الناخبين بأساليب لا صلة لها بالقانون والقيم والأخلاقيات، بل يفترض الاستناد على فكر منظم رؤى سياسية ثاقبة للأوضاع السياسية والاقتصادية.
ولا شكّ أنَّ تقاعس الجمهور عن ممارسة حقوقه السياسية يؤدي إلى نتائج سلبية أخطرها صدور قوانين وتشـــريعات لا ترضي القاعدة العريضة من الجماهير، كما انه التخلف عن المشاركة تعطي الفرصة للتزوير والتلاعب بالأصوات؛ لذا فنحن بحاجة إلى رؤية جديدة من أجل تامين العملية الانتخابية؛ ولضمان المشاركة الجماهيرية في الانتخابات بالنسبة المرضية واللائقة، يجب توفير الضمانات الكافية للمواطن، فالعبرة ليس بالشكل والاطار القانوني والدستوري الذي ينظم عملية الانتخابات بقدر ما هو في المشاركة الجماهيرية.
اضف تعليق