q
طريق الوفاق والوحدة الوطنية، يمر عبر نظام الحرية وسيادة قيم العدل والمساواة والتسامح. وكل محاولة لتحقيق هذا الهدف بعيدا عن هذه القيم والمثل، فإن مآله الأخير هو الفشل وتكريس الإنقسامات الاجتماعية والفكرية والسياسية. مما يهدد أصل الوحدة ومرتكزات الأمن والاستقرار. فالترهيب لا يخلق وحدة، والاستبداد لا يبني...

[1]

ثمة معطيات ومؤشرات سياسية وثقافية واجتماعية، على أن الوحدة الوطنية والمجتمع السياسي الواحد، لا تبنى بالذوبان والإنصهار، وممارسة العسف والقهر لخلق مستوى الانسجام والوفاق بين أبناء الوطن الواحد. بل تبنى الوحدة الوطنية بالديمقراطية والنظام السياسي العادل والقبول بقيم التنوع والتعدد وحقوق الإنسان..

وفي المنظور الإسلامي لا يوجد إطلاقا ما يدعو إلى تكوين مجتمعات نقية وصافية من الانتماءات المتعددة. بل التجربة الإسلامية التاريخية تثبت لنا العكس. حيث في ظل حكم الإسلام، تم احترام التعددية الدينية والفكرية المتوفرة في المجتمع المسلم.. ولم يحدثنا التاريخ عن جهود نوعية باتجاه قهر الناس لصالح إنتماء أو دين محدد.

فالحرية هي حجر الأساس في تجربة الإنسان المسلم في الحياة والمشكلات والأزمات التي توفرت في العديد من المجتمعات والتجارب، هي من جراء عدم الأعتراف الحقيقي بالتنوع والتعدد، والعمل بآليات سلطوية وقهرية لتحقيق إنسجام اجتماعي قوامه الفرض والقهر والاستبداد.

فالانتماءات الدينية والمذهبية، لا يمكن أن تقهر بالاستبداد السياسي، والوحدات الاجتماعية لا يمكن أن تبنى بالعسف والقهر، والانسجام الاجتماعي الفعال لا ينجز بالتوحيد القهري والتعسفي للناس.

وعليه فإن طريق الوفاق والوحدة الوطنية، يمر عبر نظام الحرية وسيادة قيم العدل والمساواة والتسامح.. وكل محاولة لتحقيق هذا الهدف بعيدا عن هذه القيم والمثل، فإن مآله الأخير هو الفشل وتكريس الإنقسامات الاجتماعية والفكرية والسياسية.. مما يهدد أصل الوحدة ومرتكزات الأمن والاستقرار..

فالترهيب لا يخلق وحدة، والاستبداد لا يبني مجتمعا فعالا.. ولا خيار أمامنا إلا إعادة بناء فضائنا الاجتماعي والوطني على أسس العدالة والديمقراطية والقبول بقيم التنوع والتعدد وحقوق الإنسان.. وإن الدعوة إلى الوحدة وتعزيز الجبهة الداخلية، لا يعني بأي حال من الأحوال القبول أو التشريع لعملية النبذ والإقصاء والاستبداد.

إننا نرى ومن خلال تجارب العديد من الأمم والشعوب، أن الوحدة لا تبنى بالقهر والاستبداد، بل بالديمقراطية والاعتراف بالتنوع والتعددية. وأن تعزيز الجبهة الداخلية، لا يعني قمع الحريات ورفض الحوارات ومحاربة التعدد ومقتضياته.. بل إننا نعتقد أن طريق تعزيز الجبهة الداخلية يتم عن طريق بناء نظام العلاقات الداخلية بين مختلف التعبيرات والمكونات على أسس الحرية والعدالة والقانون.

[2]

على ضوء تطورات المنطقة السياسية والاستراتيجية، نستطيع القول: أنه لا يمكن لنا أن نستجيب ونتفاعل على نحو إيجابي مع هذه التطورات بدون الإصلاح السياسي الذي ينهي حالة الاستفراد بالقرار والاستئثار بالسلطة، ويعمل على توسيع مستوى المشاركة الشعبية. وذلك لوجود احتقانات عميقة وأزمات بنيوية، لا يمكن التخلص منها بدون إحداث تغييرات سياسية حقيقية على مستوى العلاقة بين السلطة والمجتمع، ومستوى إدارة حالة التعدد السياسي والثقافي.

لذلك فإن الإصلاح السياسي والوطني هو الخيار الذي لا بد منه، إذا أردنا البقاء والوقوف بحزم ضد مخططات الأعداء ومشروعاتهم الخطيرة. وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن الإصلاح السياسي هو الحل السحري لكل أزماتنا ومشاكلنا، ولكننا نقول أن خيار الإصلاح السياسي هو اسلم الخيارات لواقعنا الراهن وهو أقلهم خطرا.. صحيح أن هذا المشروع تكتنفه صعوبات وهواجس، ولكنه الخيار الذي ينقذنا من كوارث مستقبلية على صعد ومستويات عديدة.

وعليه فإن فعالية الإصلاح السياسي والوطني، مرهونة إلى حد بعيد بوقتها وزمنها، وإننا نعتقد وبعمق أن تفويت هذه اللحظة التاريخية قد يكلفنا جميعا على مستوى السياسة والاجتماع والاقتصاد الكثير من الخسائر والكوارث.

وواهم ذلك الإنسان الذي يعتقد أن بإمكانه كسب الوقت والإلتفاف حول مطالب الإصلاح، وذلك لا يقف فقط ضد المطالب الشعبية الملحة، بل يقف ضد كل التطورات والتحولات التي تجعلنا بين خيارين لا ثالث لهما. فإما الإنخراط في مشروع الإصلاح وفق أجندة ورؤية ذاتية للحاجات والأولويات، أو نتحول بفعل زخم التطورات ومتوالياتها المتسارعة إلى ريشة في مهب الريح. فإما الإصلاح الذي يعزز من قدرتنا الذاتية أو الخضوع إلى شروط الأجنبي ومخططاته.

ولا ريب أن العقل والمنطق والمصلحة السياسية، كلها تقتضي الخيار الأول، لأنه يوفر لنا الإمكانية الفعلية لتجاوز مخاطر اللحظة وتحديات المرحلة.

فالأوضاع الوطنية التي نعيشها، تحتاج إلى تغيير وإصلاح، وإن التخلف عن مشروع الإصلاح أو عدم القيام بمتطلباته، يعد وفق كل المقاييس تضييعا للفرص وإدخالا للوطن برمته في المصير المجهول.

[3]

إن الوفاق الوطني بكل مستوياته، لا يبنى على مفاهيم الغلبة والقهر والقوة العارية، بل بالتسويات المتكافئة التي تصون حقوق الجميع، وتعمل على مشاركة الجميع على قدم المساواة في كل شئون الوطن. والعيش المشترك بين جميع الإطياف والمكونات، بحاجة إلى صيغة جديدة، تلحظ وتأخذ بعين الاعتبار كل الخصوصيات المتوفرة في الفضاء الاجتماعي، ويتم إستيلاد نظام لا ينفي الخصوصيات، وإنما يبني وحدته وتضامنه الداخلي على أساس الانفتاح والحوار وتطوير الجوامع المشتركة.

والوفاق الوطني ليس كلمة تقال أو إدعاءً يدعى، بل هو نهج سياسي وحقيقة اجتماعية ومرتكزات ثقافية ومنهجية وإرادة وطنية تبلور قدرة الجميع على تحمل مسؤولياتهم في هذا الإطار. والدولة هنا تتحمل مسئولية مباشرة في بناء التوازن وتحقيق المشاركة الشاملة والعادلة.

لذلك فإن المطلوب دائما، هو التطور السياسي ـ الديمقراطي باتجاه بناء واقع الدولة والمجتمع على مبادئ السلم الأهلي والعيش المشترك والعدالة والكرامة.

ولا شك أن الطريق إلى الوفاق الوطني الحقيقي، يقتضي الإنخراط في مشروع المصالحة الوطنية الشاملة الذي يستند على صون حقوق وكرامة الجميع وقبول الآخر واحترام خصوصياته والاعتراف بثقافته وتطلعاته.

فالوفاق الوطني لا يتأتى بمحاولات الصهر والتذويب، ولا عبر آليات القهر والاستبداد، وإنما عبر الاعتراف بالتعدد والتنوع والمشاركة.

إذ قال تعالى [ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين] (يونس 99).

[4]

لعل من الظواهر الإنسانية الثابتة، والتي تتطلب قراءة عميقة لمعرفة العوامل والأسباب المفضية إليها، والطرق المناسبة لتجاوز التأثيرات السلبية والمدمرة لهذه الظاهرة، أو التقليل من حدوثها وبروزها في الفضاء الإنساني. هي ظاهرة الكراهية والعداء والعداوة بين بني الإنسان. حيث تشترك عوامل عدة، موضوعية وذاتية، داخلية وخارجية، في بروز حالة العداء والعداوة بين الإنسان وأخيه الإنسان.

وفي إطار سعينا الحثيث في إرساء ثقافة الحوار والتسامح وحقوق الإنسان في فضائنا الاجتماعي، من الأهمية بمكان، تفكيك هذه الظاهرة، ومعرفة العوامل المباشرة لحدوثها، وما هي الكيفية أو الآليات المناسبة للتقليل منها في فضائنا الاجتماعي والوطني. فهل من الطبيعي أن يقود الاختلاف الأيدلوجي أو السياسي إلى العداوة والكراهية. أم أن هناك عوامل وأسباب أخرى، تتدخل في هذا الأمر، فتحول الاختلافات بكل مستوياتها إلى مصدر من مصادر العداوة والكراهية.. إننا بحاجة ماسة اليوم، إلى قراءة هذا الواقع، وإزالة كل موجبات الكراهية والعداوة من فضائنا الاجتماعي.

وذلك لأنه حينما يسود العداء الواقع الاجتماعي، فإن الأخطار الحقيقية تتلاحق علينا. ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستقر أحوالنا وأوضاعنا، ونحن نحتضن ثقافة تدفعنا إلى ممارسة الكراهية ضد الآخر المختلف عنا والمغاير لتصوراتنا وقناعاتنا.

وذلك لأن هذه الثقافة بتأثيراتها وانعكاساتها، قادرة على شحن النفوس بشكل سلبي ضد الآخر المختلف والمغاير.

والسلوك العدواني هو في جوهره حالة نفسية سلبية ضد الآخر بحيث تنفيه وترفضه في وجوده ونفسه أو في موقعه ومنصبه أو في مصالحه وعلاقاته، وتتحرك نحوه بطريقة عدوانية ـ تدميرية. والعلاقة جد قريبة بين الثقافة التي تؤسس لمقولات الإكراه والإلغاء والنفي، والسلوك العدواني تجاه الآخر. فالثقافة التي لا ترى إلا ذاتها وتلغي ما عداها، هي المقدمة النظرية لذلك السلوك العدواني الذي لا يرى إلا قناعاته ومصالحه ويعمل على تدمير الآخر بمستويات متعددة.

فالعلاقة بين الثقافة التي تبث الكراهية بين بني الإنسان لدواعي أيدلوجية أو سياسية، وبين السلوك العدواني بكل مستوياته والذي يستهدف تدمير الآخر وإلغاء هي علاقة السبب بالنتيجة. فلا يمكن أن تنتج ثقافة الكراهية والبغضاء والإلغاء واقع المحبة والألفة والتسامح، بل تنتج واقعا من سنخها ومن طبيعة ماهيتها وجوهرها. وهو العدوان بكل صوره ومستوياته.

فالسلوك العدواني هو عبارة عن فكرة في العقل وغريزة في النفس وممارسة تدميرية وإلغائية في الواقع والموقف. لذلك نجد أن المجال الإسلامي المعاصر، يعيش هذه المحنة في صور ومستويات متعددة.

فالأفكار والأيدلوجيات التي تلغي الآخر المختلف والمغاير، ولا تعترف بحقوقه، فإنها أوصلتنا في المحصلة النهائية إلى انتشار ظاهرة العنف والتطرف والإرهاب. والتي تعمل على معالجة خلافاتها مع الآخرين عن طريق استخدام القوة العارية. فتحسم اختلافاتها عن طريق ممارسة القهر والعنف.

والمشروعات السياسية التي سادت في مجالنا الإسلامي بصرف النظر عن أيدلوجيتها وشعاراتها، والتي كانت تحمل مضمونا سيئا من الآخر. قادتنا هذه المشروعات وأوصلتنا إلى أنها تحولت إلى مصدر من مصادر العدوان والعنف في الواقع الاجتماعي والسياسي.

فالمشروعات الأيدلوجية والسياسية، التي لا تحمل موقفا حضاريا وتعدديا من الآخر المختلف والمغاير، فإنها ساهمت بشكل أو بآخر في نشوء ظاهرة العدوان والعنف والتطرف. فالذي يرفض الآخر على مستوى الشعور والفكر، هو الذي يؤسس للحرب وممارسة العنف تجاهه في الواقع الخارجي.

لذلك فإن المدخل الحقيقي لعلاج ظاهرة العنف والعدوان في الفضاء الاجتماعي، هو إعادة تأسيس العلاقة والموقف من الآخر المختلف والمغاير. فالأنا لا تقبض على كل الحقيقة، والآخر ليس شرا وباطلا بالمطلق.. إن تأصيل هذه الحقيقة، هو الذي يزيل من نفوسنا وعقولنا كل المسوغات النظرية والنفسية لمعاداة الآخر باعتباره مخالفا لنا في الأيدلوجية أو الموقف الثقافي أو السياسي.

فالآخر هو مرآة ذواتنا، وإذا أردنا أن نتعرف على خبايا وخفايا ذواتنا، فعلينا أن نتواصل مع الآخر فهو مرآتنا الذي نكتشف من خلالها صوابية أفكارنا أو خطئها، سلامة تصوراتنا أو سقمها.

لهذا كله فإن إعادة تأسيس العلاقة بين الذات والآخر على أسس القبول بالتعددية والاعتراف بحق الاختلاف ونسبية الحقيقة، هو الذي يزيل من ذواتنا وفضائنا الاجتماعي الكثير من موجبات العدوان على الآخرين.

فالاختلاف الأيدلوجي أو السياسي أو الثقافي، ليس مدعاة لانتهاك حقوق الآخرين، بل على العكس من ذلك تماما، حيث أن الاختلاف بكل مستوياته، ينبغي أن يقود إلى التواصل والتعارف ومعرفة الآخرين على مختلف المستويات.. إذ يقول تبارك وتعالى [ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير].. (الحجرات 13)..

فإلغاء الخصوصيات لا يمثل نهجا واقعيا في التعاطي مع الواقع، لأن الإلغاء من أي طرف كان لا يغير شيئا من المسألة في طبيعتها الذاتية، أو من تأثيراتها الموضوعية، باعتبار أنها تمثل بعدا في عمق الذات، لا مجرد حالة طارئة على الهامش، مما يجعل من مسألة الإلغاء مشكلة غير قابلة للحل.. والرؤية القرآنية تؤكد على ضرورة أن تتحرك الخصوصية في دائرتها الداخلية في الجانب الايجابي الذي يدفع الإنسان للتفاعل عاطفيا وعمليا مع الذين يشاركونه هذه الخصوصية في القضايا المشتركة..

ويبغي التعارف غاية إنسانية من أجل إغناء التجربة الحية المنفتحة على المعرفة المتنوعة والتجربة المختلفة للوصول إلى النتائج الإيجابية في مستوى التكامل الإنساني..

ويقول عز من قائل [ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم].. (فصلت 33-34)..

فحينما يختلف الناس في مواقع الفكر أو في مواقع الحياة الخاصة والعامة، فتثور المشاعر، وتتعقد المواقف، حتى تتحول إلى خطر كبير على العلاقات الإنسانية في المجتمع، عندما يتجه الموقف إلى الصدام الذي يهدد الجميع، ويقطع التواصل في أفراده.. فهناك أسلوب السيئة الذي يعمل على إثارة الانفعال الذي يتحرك بالحقد والعداوة والبغضاء ويدفع بالموقف إلى القطيعة والصراع، وذلك بالكلمة الحادة والنابية، والموقف الغاضب، واليد المعتدية..

وهناك أسلوب الحسنة الذي يعمل على تحريك الموقف والرؤية على أساس الدراسة العقلانية ـ الموضوعية لكل المفردات المتناثرة في ساحة الأفكار والمواقع والمواقف ومحاولة اكتشاف العناصر والمفردات الداخلية والخارجية التي تضيق الهوة بين هذا الموقف أو ذاك، أو تردمها، وتجمع العقول والقلوب على قاعدة فكرية وحياتية واحدة، وذلك بالكلمة الطيبة والنظرة الحانية والموقف الموضوعي واليد المصافحة والالتفاف على كل المشاعر السلبية بالمشاعر الإيجابية التي يختزنها الفكر والواقع.

فـ [ادفع بالتي هي أحسن] ليتحول العدو إلى صديق، والبعيد إلى قريب، والخصم إلى رفيق، وذلك لأن الإيمان يفرض على الإنسان أن يختار الأحسن في حركة العلاقات، كما يريده اختيار الأحسن في حركة الحياة..

ولعل هذا الهدف يحتاج إلى الكثير من الجهد النفسي والفكري والعملي، الذي يتجاوز الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية التي تريده أو تقوده إلى الاستسلام إزاء المشاعر الانفعالية والعدوانية.

لذلك يقول تعالى [وما يلقاها إلا الذين صبروا] على مشاعر الحرمان التي يفرضها الانفتاح على الآخرين، في مجاهدة النفس ضد رغباتها الذاتية الضيقة، وضد نزواتها العشوائية، وعلى بعض الأوضاع الصعبة التي قد تحصل للإنسان من خلال ذلك، وعلى الوقت الطويل الذي يحتاجه الفكر الموضوعي المتزن للوصول إلى الحلول العملية التي تتناسب مع طبيعة المشاكل الموجودة في الساحة.. [وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم] من الإيمان والوعي والإنسانية النابضة بكل معاني الخير والإحسان.

إن وأد ثقافة الكراهية من مجتمعنا وفضائنا الوطني، بحاجة إلى إعادة الاعتبار إلى الآخر وجودا ورأيا ومشاعر، حتى يتسنى للجميع صياغة العلاقة بين الذات والآخر، بين مكونات المجتمع وتعبيرات الوطن المتعددة على أسس الاعتراف بحق الآخر في التعبير عن وجوده وأفكاره بعيدا عن ضغوطات الإكراه وموجبات النفي والإلغاء..

فالاختلاف مهما كان حجمه، لا يشرع للحقد والبغضاء وممارسة العدوان الرمزي والمادي، بل يؤسس لضرورة الوعي والمعرفة بالآخر. وعيا يزيل من نفوسنا الأدران والأحقاد والهواجس التي تسوغ لنا بشكل أو بآخر معاداة المختلفين معنا.

ومعرفة تضيء كل محطات العلاقة بمستوياتها المتعددة، وتحول دون إطلاق الاتهامات الجوفاء والشعارات الصفراء.. إننا اليوم وفي ظل الأوضاع الحرجة التي نعيشها على أكثر من صعيد، أحوج ما نكون إلى تلك الثقافة التي تدفعنا إلى تجسير الفجوة مع المختلفين معنا، وتحثنا على التعارف والتواصل والتفاهم والحوار المستديم، وتلزمنا باحترام الإنسان وحقوقه.

وإلى تلك المبادرات الاجتماعية والسياسية، التي تستهدف إزالة كل ما من شأنه أن يشين إلى بعضنا البعض، ويعمق أواصر التلاقي والمحبة، ويجذر خيار التعايش والسلم الأهلي..

فلتتكاتف كل الجهود والطاقات والإمكانات، من أجل الخروج من شرنقة التعصب الأعمى إلى رحاب التواصل والحوار، ومن ضيق التطرف والغلو إلى سعة الرفق والتيسير، ومن دائرة الجمود المميتة إلى فضاء التجديد والاجتهاد والكدح المتواصل من أجل الحق والحقيقة..

وإن الظروف الحساسة التي نعيشها، تتطلب منا جميعا الانعتاق من أسر الجمود والتعصب والأنانية القاتلة، وذلك حتى نتمكن من مجابهة هذه الظروف والتحديات التي تستهدفنا جميعا.

فلنأخذ جميعا بأسباب العدالة في تعاملنا مع الآخرين، في نطاق الرؤية التي تقول: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به.

اضف تعليق