ان العمل على بناء ذاكرة وطنية تؤسس لمناهضة العنف وتوثيق جرائم التطرف بشكل موضوعي بعيداً عن الانفعالات المرحلية، بات امرا ضرورياً في ضوء تنامي ظاهرة التطرف، كما ان الامر يستدعي العمل على ترسيخ الهوية الوطنية وفــق سياسات مخططة ومدروسة تشمل زيادة الوعي بثقافة المواطنة والتسامح والحوار وقبول الرأي الأخر لتحقيق التعايش السلمي...
القراءة المتأنية للتأثيرات التي احدثها تمدد التطرف الفكري والديني في بعض دول الجوار تشير ان هناك تهديدات كبيرة ستنال الامن الاجتماعي وامكانية تحقيق التعايش السلمي في تلك المجتمعات، ومن هنا بات التطرف من القضايا الرئيسية التي اصبحت مثار اهتمام عالمي, فهي قضية يومية اجتماعية تمتد جذورها في التكوين الهيكلي للأفكار والمثل التي يرتضيها المجتمع.
ولا يعد التطرف خطراً بحد ذاته لكنه يصبح خطر داهم متى ما حاول المتطرف ان يترجم افكاره بشكل مادي ملموس فيحاول الغاء الاخر بشتى الطرق، بعبارة اخرى ان التطرف يمهد الارضية الخصبة للإرهاب المادي بعد ان يقضي وقتا في بودقة التنظير، حيث تنظر الثقافة المتطرّفة إلى الآخر نظرة خوف وتردّد وتشكّك وتحقير واستهزاء، فصاحب الفكر المتطرّف يعتقد أنّه يمثّل الحقّ كلّ الحقّ وأنّ غيره يمثّل الباطل كلّ الباطل، ولذلك يصنِّف النّاسَ إلى قسمين: مؤمن وغير مؤمن، فالمؤمن مَن قَبِل بأفكار الجماعة، والكافر من رفض تلك الافكار، وعليه ينبغي قتله وسفك دمه ونهب ممتلكاته، وهذا ما عاناه العراق خلال السنوات الماضية حيث عاثت التنظيمات المسلحة في الارض فساداً.
سياسة متطرفة
إن اتجاهات التطرف تشكل تحدي كبير لهوية الأمم والشعوب لان السياسة المتطرفة التي تهدف إلى تنميط البشر وفق معاييرها الجديدة التي ترى ان الاخر مخطأ ولامجال للحوار معه، وتسعى إلى صياغة هوية شمولية تفرضها على الواقع الإنساني ، وتكمن الخطورة في ان الافكار المتطرفة تعمي الأبصار عن رؤية الحقائق، مما يؤدي إلى توهم البعض أن هذه الهوية الدخيلة المستوردة هي الهوية التي ينبغي أن تسود وتقود، وان الهوية المتطرفة إذا سارت في الاتجاه المرسوم لها ستكون إنذارا بانهيار وشيك للاستقرار العالمي، ومن الجانب الديني تلجأ هذه الجماعات الى:
استقطاع جزء من الآيات لإظهار مفهوم بعينه:- اي إظهار جزء من آية من آيات القرآن للحث على العنف وتعمد إغفال باقي الآية، فعلى سبيل المثال «وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً» حتى يحفزوننا على قتال ومحاربة غير المسلمين بصورة عامة دون أن يذكروا لنا باقي الآية ألا وهي «كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً».
طمس آيات السلام في الخطاب الديني: كان من أبشع جرائم الجماعات المتطرفة هو إغفالهم وطمسهم للعديد من الآيات القرآنية الواضحة الداعية للسلام والرحمة. ومنها قوله تعالى «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ» (المؤمنون: 95) والآية تعني أن يرد الإنسان على الإساءة بالإحسان. اما الأسباب العامة لنمو ظاهرة التطرف فهي:
تفرقة اجتماعية
1-الضحالة الفــــــــكرية وضعف البصـــــــــيرة والتفسير الخاطئ للنصوص الشرعية ، فضلاً عن التمسك الاعمى بالرموز المتطرفة.
2- أسباب اجتماعية: ومنها الدور الذي تلعبه الجماعة ولما لها من قوة وضغط تستطيع من خلالها بسط نفوذها على الفرد والتاثير عليه من اجل مسايرته لها والانصياع لادائها وأيضا التفرقة الاجتماعية بين الجماعات داخل المجتمع الواحد بحيث تشعر احداهما انها في منزله اقل من غيرها وان الجماعات تمتاز عليها بالهواء الذي يؤدي الى الشعور بالإحباط والحسد والغيرة .
3-أسباب اقتصادية : لاشك ان الفقر عامل أساس في حدوث الإحباط لدى الفرد لانه يحرمه من اشباع كثير من احتياجاته وهنا قد يصبح الفرد فريسة للاستغلال من قبل من يمتلك الحال اذ يدفع المحتاج الى تحقيق مارب شتى .
4-التفكك الاسري: له مضار عده منها ما هو بسيط ومنها ما هو شديد وقد يسهم أي مظهر منها الى حدوث التطرف ومن هذه المظاهر غياب الاب والام عن المنزل لفترات طويلة او الوفاة لاحداهما او لكلاهما يعد من اهم الأسباب التي تؤدي الى الجنوح واكتساب الصفات السيئة مما يؤدي الى التطرف.
ان العمل على بناء ذاكرة وطـــــــــــنية تؤسس لمناهضة العنف وتوثيق جرائم التـــــــــــــطرف بشكل موضوعي بعيداً عن الانفعالات المرحلية، بات امرا ضرورياً في ضوء تنامي ظاهرة التطرف، كما ان الامر يستدعي العمل على ترسيخ الهوية الوطنية وفــق سياسات مخـــــــــــططة ومدروسة تشمل زيادة الوعي بثقافة المواطنة والتسامح والحوار وقبول الرأي الأخر لتحقــــــــــيق التعايش السلمي.
اضف تعليق