عيد الفطر يمثِّل ختام مرحلة زمنيَّة تزوَّد فيها الإنسان بصفات حميدة وخلال طيِّبة، ليكون منطلقًا نحو تحقيق أهداف ساميَّة وإنجاز أعمال صالحة تعكس أثر تلك المرحلة على سلوكه وحياته؛ وبالتَّالي تثمر هذه المدَّة الحصول على رحمة الله ومغفرته. يشبه يوم القيامة في كونه نهاية فترة من الاختبار والعبادة...
لكلِّ مجتمعٍ على وجه الأرض مناسبات جميلة يحتفل بها سنويًّا وفقًا لمعتقداتهم، وعند النَّظر إلى الدِّيانات الإلهيَّة، نجد أنَّ كلَّ دينٍ له مناسبات مميَّزة تُسمى (العيد)؛ فالدِّيانة اليهوديَّة تحتفل بعددٍ من الأعياد مثل عيد الفصح، وعيد رأس السَّنة، وعيد السَّبت وغيرها، وأمَّا الدِّيانة المسيحيَّة، فلها أيضًا مجموعة من الأعياد مثل عيد البشارة، وعيد الميلاد، وعيد القيامة وغيرها(1)؛ قال الله (تبارك وتعالى): (قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(2)، والإسلام مثل بقيَّة الأديان والمجتمعات خصص مناسبات للاحتفال بذكريَّات هامَّة في تاريخه؛ مثل عيد الأضحى المبارك، وعيد الفطر المبارك، ويوم الجمعة، وعيد الغدير، ويوم التَّاسع من ربيع الأوَّل، وكذلك مناسبات مواليد المعصومين (عليهم السلام)، والبعثة، والإسراء، والمعراج، وما إلى ذلك ممَّا يدخل الفرح على النُّفوس ويذكِّر بالمناسبات المفرحة(3).
فكيف ينظر الإسلام إلى مفهوم العيد؟
وما هي أبرز خصائصه؟
وكيف يمكننا استثماره بشكل فعَّال؟
هذه محاور أساسيَّة لا بدَّ من الإلمام بها؛ إذ إنَّ المعرفة تقود إلى العمل وتحقيق ثمار هذا اليوم المبارك؛ لذا، سيتمحور مقالنا حول نقطتين رئيسيتين، تسبقهما تمهيد يُعرِّف بمفهوم العيد.
تعريف العيد:
العيد لغةً: "يستعمل العيد في كلِّ يوم فيه مسرَّة"(4)، وقيل: "العيد السرور العائد"(5).
وأمَّا العيد في المصطلح الشَّرعي: "هو عبادة يعبِّر بها المسلم من خلالها عن انتصاره فيما سبقها من واجب كعيد الأضحى في إكمال فريضة الحج، وعيد الفطر بعد إكمال فريضة الصِّيام"(6)، وإذا صار معلومًا تعريف العيد نأتي الآن حتَّى نركِّز على محورينِ مهمَّين للغاية:
المحور الأوَّل: مميزات عيد الفطر
يقع عيد الفطر السَّعيد في أوَّل شهر شوَّال المكرَّم وكما هو المعروف، ويتميَّز بمميِّزات عدَّة:
أوَّلًا: يوم نزول الرَّحمة والمغفرة.
عيد الفطر يمثِّل ختام مرحلة زمنيَّة تزوَّد فيها الإنسان بصفات حميدة وخلال طيِّبة، ليكون منطلقًا نحو تحقيق أهداف ساميَّة وإنجاز أعمال صالحة تعكس أثر تلك المرحلة على سلوكه وحياته؛ وبالتَّالي تثمر هذه المدَّة الحصول على رحمة الله (تعالى) ومغفرته؛ عن رسول الله محمَّد (صلى الله عليه وآله): "فَإِذا كانَت غَداةُ يَومِ الفِطرِ بَعَثَ اللهُ المَلائِكَةَ في كُلِّ البِلادِ، فَيَهبِطونَ إلَى الأَرضِ ويَقِفونَ عَلى أفواهِ السِّكَكِ، فَيَقولونَ: يا أمَّةَ مُحَمَّدٍ، اخرُجوا إلى رَبٍّ كَريمٍ؛ يُعطِي الجَزيلَ ويَغفِرُ العَظيمَ، فَإِذا بَرَزوا إلى مُصَلَّاهُم قالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لِلمَلائِكَةِ: مَلائِكَتي، ما جَزاءُ الأَجيرِ إذا عَمِلَ عَمَلَهُ؟
فَتَقولُ المَلائِكَةُ: إلهَنا وسَيِّدَنا، جَزاؤُهُ أن تُوَفِّيَ أجرَهُ.
فَيَقولُ اللهُ (عزَّ وجلَّ): فَإِنّي أشهِدُكُم مَلائِكَتي، أنِّي قَد جَعَلتُ ثَوابَهُم عَن صِيامِهِم شَهرَ رَمَضانَ وقِيامِهِم فيهِ رِضايَ ومَغفِرَتي"(7).
وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "إنَّ أدنى ما لِلصَّائمينَ والصَّائماتِ أن يُنادِيَهُم مَلَكٌ في آخِرِ يَومٍ مِن شَهرِ رَمَضانَ: أبشِروا عِبادَ اللهِ؛ فقَد غُفِرَ لَكُم ما سَلَفَ مِن ذُنوبِكُم، فَانظُروا كَيفَ تَكونونَ فيما تَستَأنِفونَ؟"(8).
وعن الإمام الحسن (عليه السلام): "إِنَّ الله (عَزَّ وجَلَّ) خَلَقَ شَهْرَ رَمَضَانَ مِضْمَارًا لِخَلْقِه لِيَسْتَبِقُوا فِيه بِطَاعَتِه إِلَى رِضْوَانِه، فَسَبَقَ فِيه قَوْمٌ فَفَازُوا، وتَخَلَّفَ آخَرُونَ فَخَابُوا؛ فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنَ الضَّاحِكِ اللَّاعِبِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يُثَابُ فِيه المُحْسِنُونَ، ويَخِيبُ فِيه المُقَصِّرُونَ، وأيْمُ الله لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ لَشُغِلَ مُحْسِنٌ بِإِحْسَانِه ومُسِيءٌ بِإِسَاءَتِه"(9).
ثانيًا: الشبيه بيوم القيامة.
عيد الفطر يشبه يوم القيامة في كونه نهاية فترة من الاختبار والعبادة، وبعدها ينال المؤمنون جزاء أعمالهم، ويستعدُّون للانطلاق نحو مرحلة جديدة من الطَّاعات والإنجازات؛ عن الإمام الصَّادق (عليه السلام): "خَطَبَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ ابنُ أبي طالِبٍ (عليه السلام) يَومَ الفِطرِ فقالَ: أيُّها النّاسُ، إنَّ يَومَكُم هذا يَومٌ يُثابُ فيهِ المُحسِنونَ ويَخسَرُ فيهِ المُبطِلونَ، وهُوَ أشبَهُ بِيَومِ قِيامِكُم، فَاذكُروا بِخُروجِكُم مِن مَنازِلِكُم إلى مُصَلَّاكُم خُروجَكُم مِنَ الأجداثِ إلى رَبِّكُم، وَاذكُروا بِوُقوفِكُم في مُصَلَّاكُم وُقوفَكُم بَينَ يَدَي رَبِّكُم، وَاذكُروا بِرُجوعِكُم إلى مَنازِلِكُم رُجوعَكُم إلى مَنازِلِكُم في الجَنَّةِ!"(10).
ثالثًا: يوم الجوائز الإلهيَّة.
عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "ادعُ فِي الجُمُعَةِ وَالعيدَينِ، إذا تَهَيَّأتَ لِلخُروجِ فَقُل: اللَّهُمَّ مَن تَهَيَّأَ في هذَا اليَومِ أو تَعَبَّأَ أو أعَدَّ وَاستَعَدَّ لِوِفادَةٍ إلى مَخلوقٍ رَجاءَ رِفدِهِ وجائِزَتِهِ ونَوافِلِهِ، فَإِلَيكَ يا سَيِّدي كانَت وِفادَتي وتَهيِئَتي وإعدادي وَاستِعدادي، رَجاءَ رِفدِكَ وجَوائِزِكَ ونَوافِلِكَ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبدِكَ ورَسولِكَ وخِيَرَتِكَ مِن خَلقِكَ، وعَلى أميرِ المُؤمِنينَ ووَصِيِّ رَسولِكَ، وصَلِّ يا رَبِّ عَلى أئِمَّةِ المُؤمِنينَ: الحَسَنِ وَالحُسَينِ وعَلِيٍّ ومُحَمَّدٍ. تُسَمّيهِم إلى آخِرِهِم حَتَّى تَنتَهِيَ إلى صاحِبِكَ (عليه السلام)"(11).
ويروى أنَّه نظر الإمام الحسن (عليه السلام) إلى قوم يضحكون ويلعبون في عيد الفطر؛ فقال (عليه السلام): "إنْ كَانَ هؤلاءِ ممنْ غفرَ لهم فما هذا فعلُ الشَّاكرينَ، وإنْ كانَ لم يغفرْ لهم فما هذَا فعلُ المذنبينَ"(12)، وقال العالم الجليل ابن طاووس (رضوان الله عليه): "اعلم أنَّ نهار يوم العيد فتح باب سعيد وتجديد فضل جديد لم يجر مثله منذ سنة ماضيَّة ويمضي، فلا يعود مثله الى نحو سنة آتية. وما يخفى على ذوي الألباب أنَّ فتح الأبواب التي تكون في الأوقات المتباعدات بزيادات السَّعادات لها حقُّ التعظيم والاحترام، وحقُّ الاعتراف لصاحب الانعام ولزوم الآداب في سائر الأسباب مع مالك يوم الحساب"(13).
رابعًا: يوم النَّدم على فوات الفرص.
يوم العيد فرصة يخسر كلُّ من لم يستغلها للحصول على خير الدنيا والآخرة، وتبدأ هذه الفرصة من مغرب الليلة التي تسبق اليوم إلى مغرب يوم العيد (14).
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "مَنْ وَجَدَ مَوْرِدًا عَذْبًا يَرْتَوِي مِنْهُ فَلَمْ يَغْتَنِمْهُ يُوشِكُ أَنْ يَظْمَأَ وَيَطْلُبَهُ فَلَا يَجِدَهُ"(15).
وعنه (عليه السلام): "مَاضِي يَوْمِكَ فَائِتٌ وَآتِيهِ مُتَّهَمٌ وَوَقْتُكَ مُغْتَنَمٌ، فَبَادِرْ فِيهِ فُرْصَةَ الْإِمْكَانِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَثِقَ بِالزَّمَانِ"(16). وعنه (عليه السلام): "مَنْ أَخَّرَ الْفُرْصَةَ عَنْ وَقْتِهَا فَلْيَكُنْ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ فَوْتِهَا"(17).
"نقل أحد العلماء: كنت جالسًا في صحن مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) في النَّجف الأشرف مع زميل لي، وكان مرجعًا دينيًّا كبيرًا حينذاك، ثمَّ توفَّاه الله (تعالى) إلى رحمته، وكنَّا نتداول بعض البحوث العلميَّة إذ مرَّ من أمامنا سقَّاء يوزِّع الماء من أجل الثَّواب وكسب بعض المال ممن يتطوَّع بتقديمه له، وكان رجلًا كبير السن يحمل جرَّة الماء بصعوبة، فقال لي زميلي المرجع (رحمه الله) هل ترى هذا السقَّاء؟
لقد كنَّا معًا زميلين في الدراسة قبل ثلاثين عامًا، وكان يمتاز بالذَّكاء؛ ولكنه توقَّف عن مواصلة الدراسة بسبب ضغوط الحياة، فلم يقاوم، فترك الدرس، واتَّخذ مهنة السِّقاية للزائرين بدلًا عنها، لعلَّه يحرز جانبًا من تكاليف معيشته!!
ثمَّ قال الناقل: فاصطحبني زميلي (رحمه الله)، ونهضنا إليه لنسأله عن حاله، فقال لنا بعد أن تذكَّر زميلي: إني أتحسَّر وأتأسف ليلي مع نهاري على قلَّة صبري وعدم تحملي بضع سنوات من الصعوبة حتَّى استبدلت الأدنى بالذي هو خير!
إنَّ الحسرة في الحياة الدنيا تنتهي خلال سنة أو سنوات معدودة ونادرًا ما تستغرق العمر كلَّه؛ ولكن حسرة الدار الآخرة قد تكون أبديَّة ولا حيلة للإنسان حينها في التَّخلُّص منها ألبتة"(18).
المحور الثَّاني: أعمال من شأنها تعظيم هذا اليوم.
1. التهيؤ بدنيًّا بالغسل.
غسل العيد هو من السنن المستحبَّة التي وردت في الشريعة الإسلاميَّة، ويُعدّ رمزًا للطهارة الجسديَّة والمعنويَّة في يوم العيد؛ إذ يعكس رغبة المسلم في بدء يومه بنقاء كامل، استعدادًا للقاء الله (تعالى) في صلاة العيد، وكذلك يُعتبر الغسل تأكيدًا على تجديد التوبة والعهد مع الله (تعالى) بعد موسم العبادة، مثل شهر رمضان أو أعمال الحج؛ قال الإمام الصادق (عليه السلام): "صَلاةُ العيدِ يَومَ الفِطرِ أن يُغتَسَلَ مِن نَهرٍ، فَإِن لَم يَكُن نَهرٌ، وَلِّ(19) أَنتَ بِنَفسِكَ استيفاءَ الماءِ بِتَخَشُّعٍ، وَليَكُن غُسلُكَ تَحتَ الظِّلالِ، أو تَحتَ حائِطٍ وتَستَتِرُ بِجَهدِكَ، فَإِذا هَمَمتَ بِذلِكَ فَقُل: اللَّهُمَّ إيمانًا بِكَ وتَصديقًا بِكِتابِكَ وَاتِّباعَ سُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ (صَلَّى الله عَلَيهِ وآلِهِ)، ثُمَّ سَمِّ واغتَسِل، فَإِذا فَرَغتَ مِنَ الغُسلِ فَقُل: اللَّهُمَّ اجعَلهُ كَفّارَةً لِذُنوبي وطَهِّر ديني، اللَّهُمَّ أذهِب عَنِّي الدَّنَسَ"(20).
2. استحباب التَّكبير.
التكبير في الأعياد هو تجسيد لمعاني التوحيد وتعظيم لله (سبحانه)، حيث يُذكِّر الإنسان بأن الفرح لا يكتمل إلَّا بذكر الله (سبحانه) وشكره، وقد أوصى النبيُّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) بذلك حين قال: "زَيِّنوا أعيادَكُم بِالتَّكبيرِ"(21)؛ ليكون العيد مرتبطًا بالرَّوحانية لا بالمظاهر الدنيوية فقط، كما أنَّ التكبير يعكس شكر الله (سبحانه) على إتمام العبادات الكبرى، كالصيام في عيد الفطر ومناسك الحج في عيد الأضحى، وفي الوقت نفسه، يخلق جوًا من الإيمان والوحدة بين المسلمين حين تتعالى أصواتهم بتمجيد الله (عزَّ وجلَّ)؛ وبذلك يكون العيد مناسبة للفرح المشروع، حيث يمتزج السرور بذكر الله (تعالى) والتوجه إليه.
3. أداء صلاة العيد.
"وأما صلاة العيدين فاحضر في قلبك أنَّها في يوم قسمة الجوائز وتفرقة الرَّحمة وإفاضة المواهب على من قبل صومه وقربانه، وقام بوظايفهما، فأكثر من الخشوع في صلاتك، والابتهال إلى الله (تعالى) فيها وقبلها وبعدها في قبول أعمالك، والعفو عن تقصيرك، واستشعر الحياء والخجلة من حيرة الردِّ وخذلان الطرد.
فليس ذلك اليوم بعيد من لبس الجديد، وإنَّما هو عيد من أمن الوعيد وسلم من النقاش والتهديد واستحقَّ بصالح أعماله المزيد، فاستقبله بما استقبلت به يوم الجمعة من الوظايف"(22).
4. استحباب قراءة الأدعيَّة والسور القرآنيَّة.
ويراجع بهذا الشأن كتب الأدعيَّة والزيارات كمفاتيح الجنان، وضياء الصالحين وغيرها.
5. مبادلة التَّهاني والعودة للمجتمع.
يستحب أن تذهب الى مكان إقامة الصَّلاة عن طريق، وتعود الى بيتك من طريق آخر؛ ليكون لك أن تلتقي بأكبر عدد ممكن من الناس في السلام ومبادلتهم التَّهاني، كما يُستحب تبادل الهدايا التي تزيل أي تباعد أو تعكر في العلاقات، وتجلب المحبَّة والمودَّة بين الناس، وقد تكون الهديَّة بسيطة؛ لكنَّها تفتح قلوبًا وعقولًا وأرواحًا كانت مغلقة، وتُعزِّز من الروابط الإنسانيَّة، وتزيد من أواصر الأخوَّة والمودَّة، وهذه الأعمال بنفسها تورث الخير للفرد والمجتمع، فكيف إذا اقترنت بيوم عظيم كيوم العيد؟
ثمَّ إنَّ هذا التواصل وتجدد الاندماج في المجتمع العودة يؤدِّيان الى توثيق العلاقات وبنائها وتقويَّتها؛ ولذلك ينبغي علينا أن نحاول إعادة العلاقات السَّابقة وبالخصوص ذوي الرَّحم؛ بل والتأمُّل العميق والسَّعي الجاد لإزالة كلِّ العقبات التي قد تضعف وحدة المؤمنين وتماسكهم؛ فالعيد ليس مجرَّد مناسبة للفرح، بل هو يوم مبارك تتجلَّى فيه نفحات الرَّحمة الإلهيَّة، حيث يبارك الله (عزَّ وجلَّ) كل جهد يُبذل في سبيل إصلاح الفرد والمجتمع، وتعزيز روح الأخوة، وترسيخ أسس التلاحم بين القلوب؛ فما أجمل أن يكون هذا اليوم محطةً لتجديد العهد بالمحبَّة والتسامح، ونقطة انطلاق نحو مستقبل تسوده المودَّة والتعاون، فكلُّ خطوة تُتخذ في سبيل إزالة الخلافات وتقوية أواصر الإيمان هي خطوةٌ نحو مرضاة الله (تعالى) ونيل بركاته.
6. وضع برنامج لجبر الخواطر.
العيد هو فرحةٌ تتسع لتشمل الجميع؛ لكن هناك من تعصف بهم قسوة الحياة، فيمرُّ عليهم العيد بلا بسمة، وكأنَّهم غرباء عن هذا الفرح؛ إنَّهم الفقراء، والأيتام، والأرامل، والمرضى، والمهجَّرون، أولئك الذين أنهكتهم المصاعب وأثقلتهم الأوجاع. فحريٌّ بنا، في هذا اليوم المبارك، أن نجعل من جبر خواطرهم رسالةً نعيشها ونطبّقها، لا مجرَّد فكرة نذكرها.
ومن هنا، لا بدَّ من وضع برنامج متكامل يهدف إلى إدخال السرور على قلوب هؤلاء، من خلال زيارتهم، وتفقد أحوالهم، وتحسين أوضاعهم الاقتصاديَّة بمدِّ يد العون لهم، والدُّعاء لهم بقلوب صادقة.
إن أبسط لفتة طيِّبة قد تكون نورًا في حياتهم، وتمنحهم الأمل بأنَّ المجتمع لم ينسَهم؛ فهنيئًا لمن خصّص جزءًا من عيده لرسم البسمة على وجوه المحرومين، فذلك عملٌ لا يضيع عند الله (تعالى)، بل يُكتب في ميزان الرحمة والبركة، ويعود على صاحبه بالسعادة الحقيقيَّة؛ لأنَّ جبر الخواطر من أعظم القربات وأحبّ الأعمال إلى الله (تعالى) ورسوله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطيبين الطاهرين (عليهم السلام).
ويروى أنَّ الإمام زين العابدين (عليه السلام) كان يشتري العبيد ويربيهم ويهذِّبهم وهم في بيته، ويتزوَّدون من أخلاقه رفعةً، فإذا كانت ليلة العيد جمع عبيده وعظهم وذكَّرهم بالله (تبارك وتعالى)، ثمَّ يطلق حريَّتهم بعد أن يمنحهم من المال ما يبدأون به مرحلة جديدة من حياتهم متزودين بالعلم والورع وأخلاق أهل البيت (عليهم السلام).
7. وضع برنامج تربوي.
من الضروري أن نضع خطةً تربوية متكاملة تهدف إلى الحفاظ على المكاسب الروحيَّة والكمالات الأخلاقيَّة التي حققناها خلال شهر رمضان المبارك، حتَّى لا يكون هذا الشهر مجرَّد محطَّة عابرة في حياتنا؛ بل نقطة تحول حقيقيَّة نحو السمو والرُّقي.
إنَّ تربيَّة النَّفس وتثقيفها هو الأساس الذي تقوم عليه أي عمليَّة تغيير إيجابي؛ فهو الذي يضمن استمرار الأثر الإيماني بعد انتهاء الشهر الفضيل، وهذا يتطلَّب خطةً واضحة تقوم على المداومة على الطاعات، والاستمرار في ضبط النفس ومجاهدتها، حتَّى تصبح هذه العادات جزءًا أصيلًا من شخصيَّة الإنسان، لا مجرَّد حالة مؤقتة تنقضي بانقضاء شهر رمضان المبارك.
فليكن هذا البرنامج التربوي وسيلةً لترسيخ التقوى، وبناء الإرادة القويَّة، والسير بخطى ثابتة نحو الكمال الإنساني، سائلين الله (تعالى) التوفيق والثبات على طريق الحقِّ.
8. الدعاء للمؤمنين والمؤمنات.
الإكثار من الدعاء للمؤمنين والمؤمنات هو من أرقى صور الإحسان؛ فهو تعبير عن المحبَّة الصادقة والرغبة في الخير للآخرين، ومن بركات هذا الدعاء أنَّه يعود على الدَّاعي نفسه بالرحمة والقبول؛ إذ يقول الله (تعالى):) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ والكَافرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) (23).
ومن أوجب من يستحق الدعاء، الوالدان اللذان كانا سببًا في وجود الإنسان، إذ أوصى الله (تعالى) ببرّهما والإحسان إليهما، سواء كانا على قيد الحياة أو انتقلا إلى جوار ربّهما.
أمَّا أعظم الدعاء وأشرفه؛ فهو الدعاء لصاحب العصر والزمان، الإمام المهدي (صلوات الله وسلامه عليه)، فهو إمام الكون، ورمز العدل الإلهي، وبه تتحقق الآمال وتندفع البلاءات؛ فالدعاء له بتعجيل الفرج هو في حقيقته دعاءٌ للنفس وللأمة جمعاء.
العيد في الإسلام ليس مجرَّد احتفال بالفرح، بل هو يومٌ للعبادة والتقرب إلى الله (تعالى) وشكر نعمه، وفرصة لمحاسبة النفس والاستعداد لمرحلة جديدة من الطاعة والعمل الصالح؛ لذا ينبغي استثماره بما يعود بالخير على الدنيا والآخرة، وعدم التفريط في بركاته ونفحاته الإلهيَّة.
اضف تعليق