أبعاد التدخل الإسرائيلي في سوريا ترتكز على فرض هيمنة أمنية وسياسية، مع استغلال الأزمات الداخلية لتحقيق هذه الابعاد والاهداف الإستراتيجية، وفي ظل غياب موقف دولي حاسم، يبدو أن إسرائيل ستواصل تعميق وجودها في الأراضي السورية، مما يهدد بتمديد أزمة سوريا وتعقيد أي حل سياسي مستقبلي. ستواجه إسرائيل معارضة...
منذ سقوط نظام بشار الاسد في كانون الاول/2024 عمدت اسرائيل الى إتباع أبعاد استراتيجية تقوم على اسلوب (الدفاع المتقدم)، وبدأت منذ اليوم الاول بتدمير البنى التحتية العسكرية السورية، وقامت بتوغلات عسكرية متكررة على الأراضي السورية، ثم اتبعت سياسة التأثير في الصراعات الداخلية لاستدامة عدم الاستقرار السياسي اذ تسعى إسرائيل إلى إبقاء الاوضاع في سوريا ضعيفة ومقسَّمة، مما يجعلها لاعباً رئيساً في تحديد مستقبل سوريا.
ورغم ان إسرائيل رحبت بسقوط نظام بشار الأسد، معتبرة إياه ضربة للوجود الإيراني ولحزب الله، لكنها سرعان ما عبرت عن معارضتها للسلطة الجديدة، اذ اتخذت موقفاً عدائياً صريحاً، كما ظهر في تصريحات وزير خارجيتها، جدعون ساعر، الذي وصف التحول السياسي في سوريا بأنه (سخرية)، محذراً من سيطرة الجماعات الإسلامية الجهادية.
ولهذا تبنت اسرائيل استراتيجية أمنية وعسكرية عرفت بإستراتيجية التدخل الاستباقي، تركز هذه الاستراتيجية على ابعاد عديدة اهمها: تأمين حدودها الشمالية وتفكيك أي بنية عسكرية معادية، مع استغلال الاضطرابات الداخلية السورية وذلك من خلال الابعاد والاهداف الآتية:
اولا/ المقاربة الاسرائيلية المعتمدة على الأدوات العسكرية والأمنية:
انتقلت اسرائيل من استراتيجية الاحتواء إلى التدمير المباشر لأي تهديدات محتملة، وتضمنت هذه المقاربة على مايلي:
١- إنشاء منطقة أمنية في جنوب سوريا، تشمل جبل الشيخ والمناطق العازلة، بعد إعلان انهيار اتفاق فض الاشتباك لعام ١٩٧٤.
٢- نزع السلاح بشكل كامل من محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، ومنع أي وجود عسكري أو مدني تابع للسلطة السورية الجديدة.
٣- تقسيم المناطق السورية المحتلة إلى ثلاثة مناطق:
أ- منطقة عازلة: سيطرت عليها إسرائيل بعد سقوط الأسد مباشرة.
ب- منطقة تأمين: حيث تنفذ عمليات نزع سلاح وطرد المسلحين.
ج- منطقة تأثير: التي تمتد حتى طريق السويداء-دمشق، وتهدف إسرائيل من خلالها، الحفاظ على وضعها الراهن.
ثانياً/ الاحتلال الاسرائيلي التدريجي وإدارة المناطق السورية:
تعمل إسرائيل على تعزيز وجودها في جنوب سوريا عبر الاتي:
١- التنسيق مع القيادات المحلية، مما يشير إلى نيتها تأسيس احتلال دائم وليس مجرد وجود عسكري مؤقت.
٢- استغلال الاضطرابات الداخلية لتقديم نفسها قريبة من الأقليات السورية وحامية لها كالدروز والأكراد، في محاولة لتعزيز نفوذها وتقسيم سوريا.
ثالثا/ الأهداف الإستراتيجية الاسرائيلية في سوريا:
تسعى إسرائيل إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية في سوريا، تنطلق من مخاوف أمنية وتطلعات جيوسياسية، مع التركيز على ضمان تفوقها الإقليمي، ويمكن تصنيف هذه الأهداف كالتالي:
١- تعطيل النفوذ التركي وضمان الوجود الروسي: اذ تُعد تركيا منافساً استراتيجياً لإسرائيل في سوريا، خاصةً مع احتمالية توسع الوجود العسكري التركي عبر قواعد أو اتفاقيات أمنية مع النظام الجديد، وتخشى إسرائيل من أن يُستخدم هذا النفوذ لدعم حركات معادية مثل حماس في جنوب سوريا، أو لعرقلة عملياتها الجوية ضد إيران في حال حصول ذلك.
كما تعمل إسرائيل على تعزيز التنسيق مع روسيا للحفاظ على وجودها العسكري في سوريا كحاجز ضد التمدد التركي، مع الضغط على الولايات المتحدة للإبقاء على قواتها في شمال شرق سوريا لموازنة النفوذ التركي.
٢- تحييد التهديدات الأمنية المباشرة: تركز إسرائيل على منع أي بناء عسكري في جنوب سوريا (خاصةً درعا) الذي قد يُستخدم لشن هجمات ضدها، مستفيدةً من دروس هجوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ وتستهدف الضربات الجوية الإسرائيلية البنى التحتية العسكرية المرتبطة بإيران وحلفائها، وهي تسعى إلى إبقاء سوريا ضعيفة عسكريا وغير قادرة على تشكيل تهديد متجدد، سواء عبر منع إعادة بناء الجيش السوري أو تقويض أي تحالفات إقليمية داعمة له.
٣- تفكيك الوحدة السورية ودعم الانقسامات الداخلية: تتبنى وتدعم إسرائيل استراتيجية (تقسيم سوريا) غير المعلنة، عبر دعم كيانات مستقلة أو شبه مستقلة مثل الأكراد في شمال شرق البلاد لخلق منطقة عازلة، كذلك دعم الدروز في الجنوب لضمان ولاءها في مناطق متاخمة للجولان، كما ستدعم العلويين على المدى المتوسط لتوظيفها كقوة مضادة للنظام السوري الجديد اذا ما هدد مصالحها لاحقاً، وهي من خلال ذلك ستُحفز الانقسامات الطائفية والمحلية عبر عمليات استخباراتية وتمويل نخب محلية، مع تجنب إعلان دعم علني لضمان عدم توحيد السوريين ضدها.
٤- إضعاف النظام السوري الجديد ومنع استقراره: تهدف اسرائيل إلى إبقاء سوريا في حالة من الفوضى والضعف الاقتصادي والأمني، مما يحول دون تحولها إلى لاعب إقليمي فاعل أو جسر للتعاون الخليجي-المتوسطي، وستستخدم الضربات المتكررة داخل الأراضي السورية لاختبار رد فعل النظام الجديد، وإجباره على الاختيار بين الإهانة الأمنية أو المخاطرة بمواجهة عسكرية كاسحة مع إسرائيل.
٥- قطع الطرق التجارية البديلة عن إسرائيل: تحاول إسرائيل إفشال أي مشاريع ربط بين الخليج والمتوسط عبر سوريا (مثل خطوط الغاز أو الممرات الاقتصادية)، لحماية مصالحها في تصدير الغاز ومنع تحول الموانئ السورية واللبنانية إلى منافس لميناء حيفا، اذ تعمل الان على تعزيز وجودها في جنوب سوريا لمراقبة وتحريك المعادلات اللوجستية، خاصةً مع تصاعد التعاون الأردني-السوري-الخليجي.
ان أبعاد التدخل الإسرائيلي في سوريا ترتكز على فرض هيمنة أمنية وسياسية، مع استغلال الأزمات الداخلية لتحقيق هذه الابعاد والاهداف الإستراتيجية، وفي ظل غياب موقف دولي حاسم، يبدو أن إسرائيل ستواصل تعميق وجودها في الأراضي السورية، مما يهدد بتمديد أزمة سوريا وتعقيد أي حل سياسي مستقبلي.
مع ذلك ستواجه إسرائيل معارضة لهذه الاستراتيجية والاهداف خاصة تقسيم سوريا من خلال عدم رغبة واشنطن بهذا الخيار حالياً، وبروز تحالفات إقليمية كالتقارب العربي-السوري الحالي الذي قد يقوض مخططاتها.
باختصار، تعتمد إسرائيل على استراتيجية الضربة الاستباقية او الدفاع المتقدم امنياً، والفوضى الخلاقة سياسياً، لتحقيق اهدافها في سوريا، لكن نجاح ذلك مرهون بتوازنات ومواقف وتوجهات القوى الإقليمية والدولية المتغيرة خاصة تركيا وايران وروسيا والولايات المتحدة، فضلاً عن الدول العربية.
اضف تعليق