مع اقترابنا من اجتياز العقد الأول لحركات ما يعرف بـ (ثورات الربيع العربي)؛ تهب نسمة أخرى من نسمات هذا الربيع على الجزائر باندلاع احتجاجات شعبية ضد سياسات الرئيس الجزائري الذي قدم استقالته عبد العزيز بو تفليقة. وإذا أردنا العودة إلى الوراء قليلاً فإننا سنكون بمواجهة أسئلة ملحة...
مع اقترابنا من اجتياز العقد الأول لحركات ما يعرف بـ (ثورات الربيع العربي)؛ تهب نسمة أخرى من نسمات هذا الربيع على الجزائر باندلاع احتجاجات شعبية ضد سياسات الرئيس الجزائري الذي قدم استقالته عبد العزيز بو تفليقة. وإذا أردنا العودة إلى الوراء قليلاً فإننا سنكون بمواجهة أسئلة ملحة: كيف ستكون مخرجات الربيع الجزائري؟ وهل سنكون أمام تكرار لمشاهد تونس ومصر وليبيا؟ وهل أن هذه الاحتجاجات هي فعلاً انعكاس للصراع الأميركي الفرنسي؟
ومع تباين الرؤى الخاصة بالحركات الجديدة التي تشكلت مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية؛ نرى أنها اتفقت على بعض الخطوط الرئيسة للمرحلة المستقبلية ومنها تشكيل حكومة (إنقاذ وطني) يتم تعيينها من قبل (رئاسة جماعية)، وهذا يذكر بأول حكومة انتقالية شهدها العراق بعد التغيير أزال نظام صدام حسين وحزبه بقوة التدخل العسكري الأجنبي عام 2003 في تجربة (مجلس الحكم)، وكذلك في التزام الجيش والمؤسسات الأمنية بعدم التدخل في الشأن السياسي.
ومع إيماننا بضرورة التغيير، وتقليص حجم التشبث بالسلطة، إلا أن ذلك لا يمنع الحديث عن مخاوف أن تكون الجزائر بين المطرقة الربيعية وسندان استقرار الأوضاع؛ لأن الذين سيخسرون امتياز السلطة وإن أظهروا المواقف الناعمة تجاه الاحتجاجات؛ فإنهم سيواصلون رغبة العودة إليها متسلحين بتجربة ال 20 عاماً من الحكم، خصوصاً مع إصرار السلطويين المشاركة في أية انتخابات قد تشهدها الجزائر بعد المرحلة الانتقالية.
الاحتجاجات متواصلة، ولا سبيل للتراجع، هذا ما تؤكده الأحداث حاليَّاً، بل أن الباحثة (ليندة طرودي) ترسم عدة سيناريوهات واقعية للمرحلة القادمة تتمثل بتطور الاحتجاجات لعصيان مدني قد يتحول لانفلات أمني تراه ــ ليندة ــ (أول مراحل الديموقراطية) لكنها على ما يبدو أغفلت النتائج العنفية المترتبة على هذا الانفلات الأمني المحتمل!
وثمة سيناريو آخر أشد حراجة من الذي قبله يتمثل بالمرحلة الانتقالية وهو سيناريو يشابه كثيراً ما حدث في المراحل الانتقالية للبلدان التي سبقت الجزائر إلى (الربيع) حيث تم الخلاص من رأس السلطة المتشبث بسلطته بصور الاحتلال العسكري (العراق)، والتنحي (مصر) والهروب (تونس) والقتل (ليبيا) والاستقالة كما في تجربة الجزائر الأخيرة. وفي كل هذه الصور كانت المرحلة التي أتت بعد زوال السلطة مرحلة ضبابية بعد إفراط بالتفاؤل المستقبلي، فالمراحل اللاحقة شهدت تسلق النفعيين والانتهازيين على اختلاف توجهاتهم ضاربين بعرض الجدار التطلعات الشعبية.
وبعد الفشل الذريع للتجربة الإخوانية في كل من (تونس) و (مصر) لا يبدو أن الجزائريين سيغامرون بتسليم مستقبلهم لـ "الإسلاميين" كما أن الحديث عن حكم ينبثق من الإرادات الشعبية ومن فحوى الاحتجاجات يبدو مفرطاً بالتفاؤل حد السذاجة، فالواقع شيء والمخيال شيء آخر؛ لذلك تبدو صورة العلمانية المؤطرة بالعسكرة هي الأقرب للوضع الجزائري في مشهد يذكِّر بالتجربة المصرية التي تلت مرحلة الإخوان المسلمين، خصوصاً بعد تقارير كثيرة تشير إلى رهانات جزائرية على الجنرال المخضرم قايد صالح الذي يشغل منصب رئيس الأركان في أن يكون صمام أمان المرحلة القادمة للربيع الجزائري. لكن إلى أي مدى سينتصر الرهان العسكري لموجات الربيع؟
صراع الإرادات الخارجية
حالها حال كثير من بلداننا العربية؛ تبقى الجزائر تحت نظر القوى العالمية التي لا هاجس لها سوى تعزيز نفوذها. ويبدو الصراع الأميركي الفرنسي واضحاً في الحالة الجزائرية وقد يعيدنا إلى التاريخ قليلاً؛ لاستذكار الدور الأمريكي الضاغط على الفرنسيين في ضرورة التحاور مع الثوار الجزائريين حتى لا تقع الجزائر في حضن الخصم الشيوعي للولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن دعمت الصين والاتحاد السوفياتي السابق حركات التحرر الجزائرية.
في الحقيقة إن مشكلة كل ثورة تكمن في السلطة التي ستُنتِجها والتي تكون عادة سلطة تستند لشرعية القوة بلحاظ تطور أشكال القوة، وتعدد صورها، الأمر الذي يتيح للإرادات الخارجية الدخول بقوة على خط الأحداث من أجل أن يكون لها دور حيوي في اختيار من يحكم البلاد بما ينسجم مع مصالحها طبعاً.
اليوم تدخل الولايات المتحدة الأمريكية بقوة لمنافسة (المُهَيْمِن) الفرنسي على اختيار الشخص الذي سيحل محل الرئيس الجزائري المستقيل، بعد أن أدركت أن فرنسا مدعومة بقوة الاتحاد الأوروبي تمثل قوة صاعدة يمكن ان تنافس أميركا على الزعامة العالمية خصوصاً بعد الشد والجذب بين الطرفين الأمريكي والأوروبي في قضية العقوبات الاقتصادية على إيران، وغيرها من ملفات عدم الاتفاق بين الطرفين.
ولعلنا نشاهد هذا التصارع بين المحورين الأمريكي والفرنسي يتجلى في ضرب القبائل الجزائرية بعضها ببعض وهو أمر قطعاً لا نتمناه.
اضف تعليق