مما لا شك فيه هو أن كل عملية إصلاحية تحتاج إلى تنمية الوعي، وهذا الوعي الذي يراد تنميته وعي ذاتي ووعي جمعي. ولو بدأنا بالوعي بالذاتي؛ سنجد أنه يتطلب التجرد في التفكير للوصول لمرحلة التفكير الصحيح التي تتطلب هي الأخرى الفكر الواعي الذي يتبناه المفكر آخذاً بنظر الاعتبار جملة التحولات التاريخية والاجتماعية التي تشهدها البيئة التي ينوي طرح مشروعه الإصلاحي فيها...
مما لاشك فيه هو أن كل عملية إصلاحية تحتاج إلى تنمية الوعي، وهذا الوعي الذي يراد تنميته وعي ذاتي ووعي جمعي. ولو بدأنا بالوعي بالذاتي؛ سنجد أنه يتطلب التجرد في التفكير للوصول لمرحلة التفكير الصحيح التي تتطلب هي الأخرى الفكر الواعي الذي يتبناه المفكر آخذاً بنظر الاعتبار جملة التحولات التاريخية والاجتماعية التي تشهدها البيئة التي ينوي طرح مشروعه الإصلاحي فيها، وإلا فإن أي ابتعاد عن الخصوصية الثقافية والمجتمعية سيأتي بنتائج عكسية تماماً. بينما الاقتراب من البيئة والثقافة التي تنتجها؛ تجعل الفعل الإصلاحي يقظاً. وهنا قد يتكرر الحديث عن الهوية الثقافية؛ لوجود مسار التنكر للخصوصية الثقافية التي تتعالى عليها النخب الثقافية ذاتها من خلال اندماج هجين مع الوافد الثقافي المعني بزمانه ومكانه، وليس بالضرورة أن يكون معنياً بثقافتنا وخصوصيتنا، هذا الاندماج الذي بدأ ينتشر عبر نصوص غارقة في لامعناها ولاجدواها، ونحن نعرف أن الثقافة السائدة ــ بعد تشذيبها فنياً ــ تعد من اشتراطات إنتاج النص المهم والباحث فعلاً عن قضية أو علة لمعالجتها، عدا ذلك فإن مثل تلك النصوص العابرة لخصوصياتها؛ محكوم عليها بعدم المرور أو القبول.
إن عملية الإصلاح في الأماكن التي تشهد المنعطفات تبدو معقدة فيما لو استندت إلى الأحادية والفردية دون الإيمان بضرورة الرجوع إلى الآخر والحاجة إليه. ويستلزم الفعل الإصلاحي المعرفة التي يرى المفكر الفرنسي (إدغار موران) إنها يجب أن تُعلّم منذ الصغر لتلافي مصدر الخطأ الذي قد يكون ثقافياً وليس بالضرورة أن يكون فردياً، أي أنه يمكن (الخطأ) أن يكون مرتبطاً بالسياقات والمعايير والأفكار التي استقبلها الفرد كمسلمات حضارية ووجودية
وفي مثل هذه الحالة فإن أي عملية إصلاحية بحسب هذه المعطيات معرضة لفقدان الاتجاه الصحيح؛ لذلك لابد من مراجعة ونقد بصورة مستمرة، و (إدغار موران) يرى كذلك أن إصلاح الذات يأتي من خلال الرصد النقدي للمجتمعات التي نعيش فيها حتى وإن واجهتنا معضلة الوقت اللازم لهذا الإصلاح، خصوصاً وأن قوة أخرى ستقف بالضد من أجل تشتيت كل المساعي الإصلاحية.
مخاطر الفكر الأحادي
إن الهيمنة الأحادية لفكر معين يقوم على نزعات عنصرية؛ يساهم بعملية طمس هويات الأقليات وتغليب الهويات القومية العنصرية، أو الدينية بشكلها المتطرف، وبذلك تتعزز حالات الاستلاب الثقافي والفكري عند الأفراد سواء كانوا من أتباع الأكثرية أو الأقلية؛ لغياب الانسجام والحوار الحضاري وتصدع قيم التعايش من خلال الانغلاق على الذات التي قد تخضع لمستفزات الانفتاح الفوضوي، وهنا تبدأ أولى عمليات استلاب الأفراد في مزاوجة غير منطقية بين التخلف المعرفي الناتج عن الأحادية من جهة، وآليات الانفتاح الفوضوي من جهة أخرى.
ومثل هذه الإشكاليات؛ نجد لها حضوراً في مجتمعاتنا الشرقية، حيث يفرض الفكر نفسه عقيدة تحتكر الحقيقة، ويمهد لسلطة مطلقة لا تلغي الآخر فقط ، بل تسعى لتحطيمه غير مؤمنة بوجوده أو بحقه في الحياة، وتبدو مثل هذه الظواهر الأحادية متجذرة ونعززها كقيم توارثناها ولم نفكر جدياً بطرحها على طاولة النقد، فالأفكار الأحادية تنفتح، لكن انفتاحها مشروط بكل مامن شأنه يؤيد استمرارها وحدها دون غيرها وهذا أشد وأخطر أنواع الانفتاح؛ لأنه انفتاح مضبب، وأيضاً تنطبق عليه ثنائية القاعدة والقمة، غير أن الفرق هو أن الأحادية تبدأ من القمة ممثلة بأحزاب السلطة نزولاً إلى الفعاليات الثقافية والاعلامية.
التفريق النوعي
نصل هنا إلى ضرورة التفريق بين النظر للإصلاح على انه هدف ينبغي بذل الجهود الكبيرة من أجل الوصول إليه، وبين كونه مشروعاً يحمل في طياته مشاريع آنية تتعلق بمصالح وغايات تبعده عن مقاصده، وتستثمر عنوانه الكبير كقناع للوصول لتلك الغايات المشبوهة.
والوصول إلى الهدف الأسمى يستلزم الجد والمثابرة وعدم صرف الوقت في أشياء يتوهمها الفرد أنها من ضمن آليات تحقيق الهدف. لابد للحركة أن تكون في وقتها المناسب ومكانها المناسب كذلك، فضلاً عن ترك الأمور الجزئية والنظر باتجاه المصلحة الكلية للمشروع أو الهدف الإصلاحي، مع التأكيد المهم على الاستمرارية، وترسيخ القيم التي تمثل جداراً صلباً يقف بمواجهة المخططات التي تحاول اختراقها والنفاذ لثقافتها، والعبث بحضارتها وتمييعها تحت مسميات العولمة والحداثة والقرية الصغيرة وغيرها.
والتاريخ يحدثنا عن كثير من الأحداث التي جاءت تحت مسمى الإصلاح لكنها فشلت فشلاً ذريعاً؛ لأنها التفتت إلى الجزئيات والمصالح الفئوية والحزبية، والصراعات الإيديولوجية، على حساب المصلحة الكلية. فلو أخذنا التغيير السياسي الدموي الذي حدث في العراق عام 1958 وسيطرة العسكر على الحكم؛ نراه قد جاء تحت شعار التخلص من الفساد والإقطاع وهيمنة العائلة الحاكمة على مقدرات البلاد. لكن الذي حصل بعد فترة قصيرة هو التصارع السياسي المحموم بين القوميين والشيوعيين وهم من الأطراف التي شاركت وأيدت الثورة العسكرية التي قادها (عبد الكريم قاسم) الذي انتهى مصيره إلى أن يُعدم ليبدأ مسلسل الانقلابات (الاصلاحية) في العراق أمام أنظار الملايين المتطلعين لمستقبل يؤجلهم عبر مراحل زمنية الله أعلم متى ستنتهي إلى ما تصبو إليه هذه الملايين.
اضف تعليق