q
إن من ابرز اخفاقات الدعاية الانتخابية للمرشحين هي التسويق المتوحش عن طريق الافتات التي اصبحت محل سخرية من قبل المواطنين، وان دلت على شئ فهي تدل على الارتباك والخوف من الاستبعاد الذي يسيطر على المرشحين، بعد السخط الجماهيري المعلن على نتائج العملية السياسية للسنوات الماضية، وتنم عن عدم دراية باليات التسويق الحديثة...

إن من ابرز اخفاقات الدعاية الانتخابية للمرشحين هي التسويق المتوحش عن طريق الافتات التي اصبحت محل سخرية من قبل المواطنين، وان دلت على شئ فهي تدل على الارتباك والخوف من الاستبعاد الذي يسيطر على المرشحين، بعد السخط الجماهيري المعلن على نتائج العملية السياسية للسنوات الماضية، وتنم عن عدم دراية باليات التسويق الحديثة، وانهم حتى لم يستعينوا على ما يبدو بخبراء التسويق الالكتروني او السياسي او الانتخابي، ولا حتى اطلعوا على تجارب الدول المتطورة في العملية الديمقراطية.

كما ان الارتباك والخوف إذا ما قرأت او لاحظت في الظهور الإعلامي للمرشحين او من تواصل بشكل مباشر مع الجمهور، يظهر ضعف فعلهم الترويجي وتأثيرهم الاقناعي، وان الوعود التي يطلقونها بالبناء والاعمار يفندها الواقع الدعائي الفاشل والاخفاقات السابقة، فكيف تريد ان يصدق الشعب ان اغلب المرشحين سوف يبنون العراق وهم يهدمون الارصفة ويشوهون وجه المدن بالوحات الاعلانية التي تجاوز حجمها عرض الرصيف.

في كتابه اساسيات التسويق السياسي يقول استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور سالم محمد عبود: "ان الهدف من عملية التسويق الانتخابي هو تبديد مخاوف المواطنين وتعريف المرشحين برامجهم وتقديم الضمانات ودراسة راي الجمهور"، ويضيف "هو ضمان بناء علاقة ذات منفعة متبادلة بين الناخبين والكيان السياسي والحفاظ على هذه العلاقة من اجل تحقيق اهداف الاطرفين"، الا ان الاغلبية من السياسين وقعوا في مصيدة التسويق السلبي.

اذ ان الشعب يرى الافتات والاموال التي هدرت عليها، في ظل ادعاءات الحكومة التقشف واستقطاعات الرواتب وانتشار البطالة ونقص الادوية وتراجع الخدمات، وعدم وضوح الرؤيا للناخب وغياب البرامج الانتخابية وان وجدت فهي شفوية تصريحات وتراهات دعائية غير واقعية.

الدكتور اكد في كتابه على" ان التسويق الاعلامي هي محطة اساسية وتتكامل حين تتناسق الاهداف مع بعضها البعض، اذ يجب ان يفعل عناصر الرسالة الاعلامية وان افضل عملية تسويق سياسي هي التي تستخدم وسائل الاتصال كافة في الوقت نفسه"، الا ان ننا نلاحظ ضعف كبير في تفعيل جانب التواصل الاجتماعي في الاستخدام الايجابي في الحملة الانتخابية.

اذ ان المرشحين لم يفهموا الجمهور ولم يستقرأوا ارادته وعمدو الى تلك الاساليب المتخلفة، من شراء الاصوات بالمقابل المادي النقدي او السلعي الرخيص، ولم يعيروا اهتماما للتطور التكنورقمي الذي هو القائد العام للشهرة وايصال الفكرة باقل تكلفة واجمل محتوى ووقت اقصر، اذ كان بامكانهم الاعتماد على خبراء متخصصين قبل انطلاق الحملة وان ابسط ماكان بامكانهم فعله هو فيديوهات التعريفية، بالانجازات والخطط المستقبلية لتتكون رؤية واضحة وشاملة لدى الناخب الا ان اخفاقاتهم اكبر فعمدوا الى الوقوف كالاصنام بجانب اعمدة الكهرباء او بجانب الجدران وفي الساحت العامة كاشباح الليل.

وذكر الدكتور سالم في الصفحة 115 من الكتاب نفسه اساليب وتكتيكات الدعاية الانتخابية "ان الدعاية وان استخدمت نفس وسائل الاعلام فانها تفتقر الى المنطق والتلقائية اذ للاعلام بمفهومه العميق بعدين اساسيين الاول هو الحرية واساسها المعرفة، والاخر هو الجدل والحوار واساسه المنطق والموضوعية، اذ انها ترتبط بتكنيك معين يساهم في نجاحها من عدمه، ويعتبر حجر الزاوية في تحقيق الاقناع، وان اهم الاساليب هو استمالة الراي العام من خلال الوضوح وعرض الرؤى والافكار القابلة للتصديق والتشخيص".

ان مجمل ما تم عرض في بوسترات المرشحين هي الصور الشخصية والارقام والتسلسلات، وبالتالي فهي دعاية بلاهدف حقيقي بلا منطق بلا تلقائية بهذه الشكلية خرجت من اطار مفهوم الدعاية الانتخابية الحقيقي، الذي يستند الى رؤية واضحة وافكار متجددة، وواقعية وقراءة تحليلية وتشخيص للماضي والحاضر واستشراف مستقبلي يعكس ثقافة ودراية سياسية من قبل المرشحين.

على صعيد ذي صلة، يشير الكاتب الى "ماهية التسمم السياسي اذ تعتبر موازية لجرائم القتل، بمحاولة قتل روح الانسان وسلب ارادته واستسلامه للياس، وتعد حرب نفسية من خلال تسمم افكاره وتدليس المعلومات وتاويلها وهو جزء لا يتجزء من الحرب الشاملة، التي تستخدم الادوات المتاحة للتاثير في نفسية وعقل الامة والشعب".

اشتهر المرشحون في هذه الدورة الانتخابية والسابقات منها، بالاسلوب المتخلف في استمالة راي الشارع العراقي ولم تنجح اي كتلة في حصد اغلبية ولو شبه مطلقة لعجز واضح في التسويق الدعائي، لان المرشحين لا يملكون برامج واضحة المعالم ينزلون بها الى الشارع ويواجهون المواطن، فاستغلوا حالة الفقر والعوز التي يعيشها اكثر من 30% حسب اخر احصائية نشرتها رويترز، ليشتروا الاصوات مقابل ثمن بخس او سلعة رخيصة، بذلك هم سلبوا ارادة الناخب مستخدمين الحرب النفسية، في اجبارة على الاستفادة من صوته لحاجته لابسط مقومات الحياة، بداخل رافض لوجودهم فهل سينتصر الشعب على حرب الدهاء التي يقودها زعماء السياسة في العراق؟.

واوضح" ان هناك طرائق لصناعة الافكار تنقسم الى علمية وعقلية الاولى تحتاج الى ملاحظة تجربة واستنتاج والثانية تتطلب ملاحظة واستنتاج فقط، يشرح معناهما اذ ان الطريقة العلمية منهج مبني على الملاحظة والتجربة ثم الموازنة والترتيب ثم الاستنباط، فاذا وصل الى نتيجة كانت علمية خاضعة للبحث والتمحيص والعقلية التي يدرك بها الحقائق العلمية "مع الطوفان الذي اصاب العراق بسبب كثرة المرشحين اختلط الخطا بالصواب والحق بالباطل، وغرق الشعب في موج الافتات الممزقة من سخط الشارع والانواء الجوية، فشل المرشحون في صنع افكار باستطاعتها استقطاب ناخبين على اساس ملاحظة وعرض التجربة وبيان النتائج والاستنتاجات.

واكد الدكتور سالم محمد ان "اي قوة مؤثرة في العملية الانتخابية تنتج عن قوتين رئيسيتين، هما التحولات التكنلوجيا والهيكلية في العملية السياسية، ان مواقع الاعلام الاجتماعي لها تأثير مباشر على الطريقة التي يدير بها المرشحون حملاتهم، يصب التحول الهيكلي في المراحل التمهيدية والمؤتمرات وقواعد المناظرات السياسية"، على مايبدو ان المرشحين في الحملة الانتخابية ليس لهم اي دراية باليات التسويق الانتخابي، ولا اي خبرة باساليب الاقناع والدليل هو اختفائهم خلف تلك الافتات العملاقة التي زرعوها في شوارع العراق وعلى جدران المحال والمنازل ظناً منهم ان كثرتها تحقق الوصول الى اكبر عدد من الناخبين.

اتساءل من موقعي كمواطن حر وبسيط الا تعلم ايها المرشح ان هذه هي احد اسباب الهزيمة في هذا السباق؟ اتعرف لماذا؟ ان التطور الهائل في مجال الاعلام الرقمي يتيح لك الفرصة ان تسوق لبرنامجك بسرعة اكبر وانتشار اوسع والملايين التي انفقت على الحملات الدعائية ماهي الا قلق ينتاب المرشحين وعدم ثقة بالوعود التي يطلقونها.

وفي ختام كتابه عرج الكاتب الى سمات القائد ووجدت ان اغلبها ان لم تكن جميعها لم اجد ولاشخصية قيادية في العراق ووجدوه منجم للخيرات فاتوا لسلب المواطن البسيط اذ انهاحومة نقائض في الوقت الذي يدعون التقشف والازمات ويقومون بحملات اعلانية تجاوز حدها المليار دينار حسب مانشرت وسائل الاعلام.

ففي ظل اجتماع العوامل السابقة من الاخفاقات في الحملات الانتخابية يبرز هنا الدور القيادي للشخص الذي يملك المؤهلات من التغيير الجاد واشباع حاجات الشعب المادية والاجتماعي، والتطوير المؤسساتي للنهوض بالواقع الاقتصادي للبلد، فانه سييحصد المقاعد التي سوف تكون خالية من اصحابها بعد 12 ايار، الا ان النظرة العامة للموقف الانتخابي، واستطلاعات رأي الشارع تعكس صورة الخارطة السياسية الحاكمة في العراق، وبما اننا شعب يصنع الطغاة ثم يطلب المساعدة من الدول العظمى لتاتي وتنحب بحجة التحرير، وان السلوك المجتمعي العام فقد ارادته الحرة ليخضع اربعون عاما لحكم صدام وخمسة عشر اخرى تحت قيادة المحاصصة الطائفية لذلك فان المرشحين لم يبالوا لتلك الامور النفسية التي توسع من القاعدة الجماهيرية لان الجمهور مسلوب الارادة ومسلم بما يحدث والدليل ان شباب تجدهم في العشرينات يجوبون الشوارع ليل نهار من اجل ملئ الفراغات في الشوارع لوضع صور المرشحين ورغم انهم يدركون ان الشباب هم قادة الامم.

اضف تعليق