هناك الكثير ممن يحاول ان يشكك برسالة الامام الحسين (ع) يوم الطف من خلال المقارنة بين موقف الامام الحسن (ع) من خلافة معاوية بن سفيان لعنة الله عليه وبين موقف الامام الحسين (ع) حتى صور البعض ان موقف الامام الحسن هو استسلام او ضعف لإرادة الخليفة, والحسين رجل حرب ودم وخروج عن طاعة الامير الفاسد يزيد بن معاوية, والحقيقة التي لا تخفى عن ذي لب وعاقل ان سيف الحسين هو امتداد لسلم الحسن (عليهما السلام) كما ان فسق وفجور يزيد هو امتداد لكفر ومكر وخديعة معاوية لعائن الله عليهما.
ان العلاقة بين المنهجين الحسنيين هي علاقة الهدف من قبول الاول بمبايعة الخليفة ورفض الثاني لها وهنا اعني بها تحقيق السلم المجتمعي مع اختلاف الوسيلة لتحقيقه ,وهنا ربما يجد البعض غموضا او صعوبة في فهم السلم الذي تبناه الامام الحسين (ع) واصحابه وآليات تحقيقه ,فهناك من يريد السلام ويسعى لتحقيقه. ولكنه سلام لا يتعدى حدود الذات ومحيط حياته مقابل الاستسلام والابتعاد عن الاخرين وهذا هو احد مصاديق حب الذات والمصالح الشخصية بعيدا عن المجتمع حيث نجد ان اصحاب هذا المنهج والفكر لا يفكرون باحداث تغيرات في العناصر الفاسدة والضارة في المجتمع كما لا يفكرون باي من الاحداث السياسية والاجتماعية وكانهم في حل منها ومن ابعادها وتاثيراتها على المجتمع الذي يعيش فيه ويشكل جزءا منه.
وهناك طرفا اخر يفهم السلم من وجهة نظره ويحبه ويسعى لتحقيقه في مجتمعه والعالم الذي حوله ولكنه يعتقد انه لا يتحقق الا من خلال امتلاكه ادوات السيطرة على المجتمعات الاخرى, حيث يعتقد ان السلم يعني احكام القبضة وامتلاك وتصنيع الاسلحة اي كانت نوعها وتاثيرها بل يكون تحقيق السلم اسهل واكثر قربا للتحقيق اذا ما كان يملك الاسلحة الفتاكة كالقنابل الذرية والهيدروجينية وهذا هو النوع المضحك المبكي والذي يرفع اليوم شعارات السلام العالمي ويعتدي على الشعوب ويسيطر على اراضيها بحجة تحقيق السلام والسلم العالمي والدفاع عن حقوق الانسان.
ان المنهج الحقيقي لتحقيق السلم والسلام هو منهج الاحرار الذين يرفضون اي شكل من اشكال الخنوع والذل والركون للظالم مهما كانت النتائج ومهما بلغت التضحيات من محل ,ولا يبرز لهذا المنهج رمز الحرية الذي رفع شعار الاباء من خلال (هيهات منا الذلة) لانه ابن تلك الرسالة الانسانية التي حققت السلام للعالم اجمع ,الامام الحسين (ع) هو المنهج الداعي للسلام ,سلام وسطي يختلف عن المنهجين ,منهج القبول بالذل والخنوع والخضوع ,ومنهج سفك دماء الشعوب من خلال محاولة استعبادهم بقوة السلاح كما هي اليوم دول الاستكبار العالمي ممن تسمى اليوم بالدول الكبرى والتي تمارس كل فنون القتل والابادة مرة بحجة محاربة الارهاب ومرات بحجة تخليص الشعوب من حكوماتها الظالمة وتحريرها من استعباد رجالاتها.
ان منهج الامام الحسين في تحقيق السلم هو امتداد للرسالة المحمدية الشريفة ولانه ابن تلك الرسالة, ولانه تربى عليها وفي كنف من حملها بكل اخلاص وامانة رسول الانسانية محمد بن عبد الله (ص) الذي نجح في تحقيق رسالته من خلال دعوته الناس الى الايمان بالاسلام باسلوب المسالمة البعيد عن اي شكل من اشكال العنف والترهيب, قال تعالى (ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا افانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) سورة يونس 99, هكذا نجح الرسول (ص) بتحقيق رسالته وتحقيق السلم ,كذلك مدرسة الحسين مدرسة تقف من العنف والعدوان والتعسف والارهاب موقف الرافض والمضاد فكرا وسلوكا.
اننا ناسف اليوم حين نرى ان البعض ممن يرفعون شعار (لبيك يا حسين) او (هيهات منا الذلة) وممن يقدمون الخدمات ويبذلون الغالي والنفيس في اشهر الشهادة الحسينية عاشوراء الطف وصفر السبي واربعينية الامام الحسين روحي له الفداء او ممن يدعون عشق الحسين واتباعه ولكنهم في ذات الوقت يتبعون ساسة الفسق والفجور بل يصنعون منهم طواغيت من خلال التصفيق لهم والتعظيم لسوء اعمالهم ومواقفهم اللا انسانية وتسمية البعض منهم بالقائد الثوري والوطني وهم من كل ذلك بعيدون كل البعد .
واليوم وبمناسبة ذكرى اربعينية الامام الحسين (ع) والتي تمر على الشعب العراقي بشكل خاص وعلى اغلب الدول المبتلية بنار الحروب والفتن والعدوان بكل اشكاله ولاننا شعب ودولة عندنا الطف مدرسة والحسين (ع)معلم وملهم, ولاننا نعيش في زمن يخلو من مثل ثوري نقتبس منه القيم والمبادئ, مثل ثوري يضاهي الحسين (ع) لذلك وحتى نحقق مصاديق ما نقول سلوكا (لبك ياحسين)علينا ان نوقف البحث عن ثائر ولنقف عند الحسين لنقتبس منه ما يعنينا في الصراع مع الباطل بكل الوانه واشكاله فالطف لا يختزل درسها بمقطع زمني اومكاني, مدرسة الطف قائمة مادام هناك صراع بين قيم السماء والارض.
لنتعلم من ثورة كربلاء كيف نضحّي من أجل القيم وكيف نعمل من أجل المبادئ ويمكن أن نفهم أن الحياة قيم ومبادئ وإذا انتفت تنتفي معها الحياة ولا يعني أن ننتحر ولكن نعمل من أجل توثيق القيم على أرض الواقع حتى نموت دونها وكما قال الإمام الحسين عليه السلام (ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برم) ولنحقق السلم من خلال دراسة وفهم منهج الامام الحسين (ع)، عظم الله لكم الاجر شعبنا الذي لابد ان يفهم واجبه تجاه كرامته ومستقبل بلاده.
اضف تعليق