q

إن أهم ما يميز الإصلاح الحسيني السمة الإلهية التي رافقت تفاصيل ذلك الإصلاح من ألفه إلى يائه. كون قائد الإصلاح معصوما ومرتبطا بالإرادة الإلهية. فهو تدبير إلهي أسس للمشروع الإصلاحي لمن جاء بعده من المسلمين وغيرهم من المصلحين. وإن الإرادة السماوية هي التي رسمت خطوطه العريضة وثبتت أهدافه، لحاجة الأمة إليه في ظروف قاسية تعرضت فيها الدعوة الإسلامية إلى محاولات خطيرة من (الطمس) المقصود من قبل الخط الأموي.

وقد شكل المشروع الإصلاحي الحسيني انطلاقة جديدة للحركة الاصلاحية من خلال مجموعة عوامل. منها: (اتسامه بالشمولية والتكامل).

فإن الإصلاح الحسيني حركة شاملة متكاملة متناسبة مع عظمة الإمام المعصوم وكماله، فقد حافظت في انطلاقتها المباركة على المنهج القويم للمجتمع الإسلامي على الصعيد الديني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي جاء به الرسول الأكرم محمد (ص). وكان المجتمع الإسلامي –آنذاك - يعاني من الانحراف الشامل الذي أصاب الأمة بسبب سياسات يزيد الجاهلية.

فكانت ثورة الإمام الحسين(ع) الإصلاحية الشاملة متناسبة مع شمولية الانحراف الذي أصاب جسد الأمة. يقول (ع) في خطبته بالحر وأصحابه حينما أرادوا إبعاده عن الكوفة (ألا وأن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله، وانا أحق من غيَّر)

التمهيد الفكري والعقائدي والنفسي لنهضة الإمام الحسين(ع) الإصلاحية

ويتمثل بالخطب العديدة التي قدمها بين يدي ثورته المباركة، والتي شكلت المنظومة الفكرية والعقائدية والسياسية والعسكرية لعملية الإصلاح. فقد كان للإمام الحسين(ع) خطب كثيرة على طول مسيرته التي امتدت من المدينة إلى مكة ثم إلى كربلاء. وكانت كلمات سيد الشهداء في خطبه تلك نبراسا أضاء طريق الأحرار في العالم على اختلاف توجهاتهم وقومياتهم وأمكنتهم. وحكمة اقتبس منها العارفون مناهج السالكين، وبحور بلاغة انتقى منها الأدباء درر صنعتهم. وهي كثيرة جدا، نختار منها خطبته (ع) لمّا عزم على الخروج إلى العراق. قام خطيباً فقال : الْحَمْدُ لِلّهِ وما شاءَ اللهُ، وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ، [ وَصَلَّى اللهُ عَلى رَسُولِهِ ]، خُطَّ الْمَوْتُ عَلى وُلْدِ آدَمَ مَخَطَّ الْقِلادَةِ عَلى جيدِ الْفَتاةِ، وَما أَوْلَهَني إِلى أَسْلافي اشْتِياقَ يَعْقُوبَ إِلى يُوسُفَ، وَخيرَ لي مَصْرَعٌ أَنَا لاقيهِ، كَأَنّي بِأَوْصالي تُقَطِّعُها عُسْلانُ الْفَلَواتِ بَيْنَ النَّواويسِ وَكَرْبَلاءَ، فَيَمْلأَنَّ مِنّي أَكْراشاً جَوفاً وَأَجْرِبَةً سُغْباً، لا مَحيصَ عَنْ يَوْم، خُطَّ بِالْقَلَمِ، رِضىَ اللهِ رِضانا أَهْلَ الْبَيْتِ، نَصْبِرُ عَلى بَلائِهِ وَيُوَفّينا أُجُورَ الصّابِرينَ، لَنْ تَشُذَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) لُحْمَتُهُ، وَهِيَ مَجْمُوعَةٌ لَهُ في حَظيرَةِ الْقُدْسِ، تَقَرُّ بِهِمْ عَيْنُهُ، وَيُنْجَزُ بِهِمْ وَعْدُهُ، مَنْ كانَ باذِلاً فينا مُهْجَتَهُ، وَمُوَطِّناً عَلى لِقاءِ اللهِ نَفْسَهُ فَلْيَرْحَلْ مَعَنا فَإِنّي راحِلٌ مُصْبِحاً إِنْ شاءَ اللّهُ.

ثورة الإمام الحسين(ع) جذوة متَّقدة في نفوس الثائرين

من الأهداف الرئيسة لثورة الإمام الحسين(ع) إحياء روح المواجهة لدى الامة وخلق الروح التعبوية لدى الجماهير المؤمنة، لمواجهة أي انحراف تتعرض له في مسيرتها على مستوى الأمة الإسلامية، أو على مستوى نظام الحكم، والوقوف بحزم وشجاعة أمام أي إرادة من قبل الظالمين والمتجبرين تحاول سلب إرادتها، يقول(ع) (إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما) ويقول (ع)(يزيد رجل فاسق، شارب الخمر، وقاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله...). حيث اوضح ان الخلافة قد سلبت من أهلها الشرعيين، ووضعت في غير موضعها الصحيح، من خلال اغتصاب يزيد (لعنه الله) للخلافة التي هي من حق اهل البيت عليهم السلام.

فكان إصلاحا تحريريا بامتياز، دعا إلى تحرير إرادة الأمة وإحياء ضميرها وتوعية المسلمين، وإصلاح المجتمع الذي كان يتجاذبه الخوف السياسي من جهة، وضعف الثقة العقائدية من جهة أخرى. فقد كان المسلمون يعرفون الحق وأهله، ويعرفون الباطل وأهله، لكنهم كانوا متقاعسين متخاذلين، وقد أيقن (ع) أن هذا الغرض العظيم لا يتحقق من خلال الخطب الحماسية، فكان للدماء الزكية التي سالت على أرض كربلاء الدور العظيم في إيقاظ ضمير المسلمين، وإعادة ثقة الأمة بنفسها، فأطلق(ع) صرخته المدوية في ضمير الأمة (ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت وأنوف حمية ونفوس أبية من أن تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام)

اضف تعليق