هناك المئات إذا لم نقل الآلاف من المراهقين العراقيين اليوم، يدخنون ما يُطلَق عليها بالسيجارة الإلكترونية المسماة بـ (الفيب)، والغريب حقا أن هذا النوع من السجائر بات متوفرا في الأسواق ومنافذ البيع بشكل لافت، وهناك من يبرّر ويروج لاستهلاك هذا النوع من السجائر، باعتباره أقل ضررا من السجائر الاعتيادية...
تشير بعض الإحصائيات المقبولة إلى أن نسبة المراهقين بين أفراد المجتمع العراقي تشكل حصة لا بأس بها، أما إذا تحدثنا عن نسبة الشباب فإنها تكاد تشكل 60% (من 14 إلى 60 سنة)، وهذا يدل على أن المراهقين لهم حصة واضحة من بين العدد الكلي للعراقيين، الأمر الذي يترتب عليه استحقاقات لا يصحّ التغاضي عنها لهذه الفئة من المجتمع.
بحسب إحصائية أجرتها شركة "statista" الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين بالعالم كما أشارت بعض المصادر الإعلامية، فإن فئة الشباب في العراق تشكل أكثر من 60% من عدد نفوس العراقيين. ووفقاً لبيانات الشركة لعام 2024 التي اطلعت عليها (وكالة شفق نيوز)، فإن الفئة العمرية التي تتراوح بين عمر السنة الواحدة و14 عاماً في العراق تبلغ نسبتهم 35.24%. وإن فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً نسبتهم 61.17%. كذلك أشارت إلى أن الأعمار التي تبلغ 65 عاماً فما فوق تبلغ نسبتهم 3.59%.
وهكذا نتوقع وجود نسبة عالية من المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين (13 إلى 20 سنة)، وهؤلاء كما يعرف المهتمون بدراسة المجتمع العراقي، يقعون اليوم بين مطرقة (العولمة) وسندانة الواقع الذي يفتقر لأبسط قواعد العيش السليم للمراهقين، مما يُنذر بوقوع كارثة اجتماعية وأخلاقية صاعقة.
فمثلا هناك المئات إذا لم نقل الآلاف من المراهقين العراقيين اليوم، يدخنون ما يُطلَق عليها بالسيجارة الإلكترونية المسماة بـ (الفيب)، والغريب حقا أن هذا النوع من السجائر بات متوفرا في الأسواق ومنافذ البيع بشكل لافت، وهناك من يبرّر ويروج لاستهلاك هذا النوع من السجائر، باعتباره أقل ضررا من السجائر الاعتيادية وكأنه يخيِّر الناس (بين الخطير والأخطر منه)، مع أن كلاهما يحملان الخطر للمتعاطين.
المراهقون ومواجهة التحديات النفسية
ولكن هذا النوع من التبرير ليس صحيحا، إنه مجرد تهدئة ومحاولة بائسة لترويج بيع هذه السجائر للمراهقين، تحقيقا للأرباح المالية السريعة التي ستنقلب قريبا إلى وبال قاتل للعراقيين، السؤال الواضح والملحّ هنا من هي الجهة التي تُغرق السوق بهذه السجائر، ولماذا يتم استهداف المراهقين بهذا النوع من السجائر بدلا من توفير الملاعب، ومعاهد تنمية المهارات، وتعليم المراهقين والشباب على المهن الحرة ذات المنتوج المجزي؟
أما عندما حاولتُ شخصيا أن أتكلم وأنصح المراهقين بخصوص عدم تدخين الفيب، والمخاطر الجسدية والنفسية التي تجلبها لهم، فالحقيقة هم استقبلوا نصيحتي بعدم الاهتمام، وكأنني أريد أن أمنعهم عن حق من حقوقهم، أو أسلبهم حاجة مهمة من احتياجاتهم.
فالمعروف بحسب أصحاب الشأن والاهتمام، أنه من صفات المراهقين الرغبة في إثبات الذات والاستقلالية، ومواجهة التحديات النفسية عبر اللجوء إلى عادات ليست سليمة مثل تدخين سيجارة الفيب، كذلك يحاول المراهقون معالجة حالات الغضب والشعور بالإحباط عبر هذا التصرف غير الملائم، وهكذا نجدهم غالبا ما يعيشون في الخيال أكثر من الواقع.
هل يوجد علاقة بين السلوك الأخلاقي والذهاب إلى العادات المؤذية للنفس؟، مثلا إذا أوغل المراهق في تعاطي سيجارة الفيب والاستمرار في تدخينها، هل هذا السلوك (يخرّب رصيده الأخلاقي) ويُفرغه من محتواه؟
إن المشكلة الحقيقية لا تكمن في الإقبال على هذا النوع من السجائر فحسب، وإنما تكمن المشكلة فيما سيجلبه هذا السلوك من الغرق في سلسلة من العادات المخيفة والتي قد تودي بالمراهقين إلى حافة الانهيار النفسي.
فمثلا حين يتجرّأ المراهق العراقي ويشتري هذا النوع من السجائر المسماة بالإلكترونية، فإن القضية لن تتوقف عند هذا الحد، بل هذه الخطوة ما هي إلا البداية التي تقود المراهقين إلى نهايات خطيرة، مثل تعاطي المخدِّرات، وبالتالي الإدمان عليها، ويمكننا أن نتصور أو نتخيّل كيف ستكون حياة المراهق المدمن على المخدرات؟
القوانين وحدها لا تصنع مجتمعا آمنًا
هل نحن نبالغ في تناول هذا الموضوع وعرضه بهذه الطريقة الواضحة، كلا بالطبع، فالواقع يعرض لنا ما نتكلم به، إنْ لم يعرض الأكثر والأخطر، ونحن في الحقيقة لا نريد أكثر من تذكير وتنبيه الجهات والأفراد والمسؤولين المعنيين على هذا الواقع الذي يعيشه المراهق العراقي.
ألم يسأل صاحب الأسواق نفسه لماذا يبيع السلع الضارة لصحة المراهقين، ولماذا يشجع تعاطيها، وهل يقبل أن تُباع إلى ابنه إذا كان مراهقًا؟
هذه أسئلة لابد من الإجابة عنها، فالعقوبات والقوانين وحدها لا تصنع مجتمعا آمنًا، بل علينا جميعا أن نتحمل مسؤولياتنا تجاه الأصغر منا تجربة وعمرا وخبرة، والمراهق قليل التجربة والخبرة وقليل العمر أيضا، وهو عندما يُقبل على القيام بالعادات السيئة فإنه حتما لا يعرف أضرارها المؤلمة، لذلك مهمة التوعية تقع على عاتق الكبار ومنهم (مالك و صاحب المتجر أو المحل أو الأسواق).
ويبقى هناك دوْران مهمّان يقعان على الأسرة، وعلى الجهات الرسمية المسؤولة، فالعائلة لابد أن تحتوي المراهق وتُشعره بالأمان والاستقرار، وتفتح أمامه أبواب الوعي بشكل واضح وتدريجي وتحذره من مخاطر العادات القاتلة وتعلمه كيف يعيش واثقا مستقرا نفسيا ومعنويا، أما الجهات الرسمية المسؤولة فيجب عليها القيام بكل الخطوات التي تنقذ المراهقين من الضياع وذلك عبر النهوض بواجباتها نحوهم كما يجب.
اضف تعليق