q
أيتها الدولة الأم و الأب، رفقا بأبنائك، ليس المرضى منهم فقط، بل حتى الأصحّاء، فإنهم جميعا يحتاجون رعايتك، ويحتاجون أن يشعروا بالأمان والكرامة المحمية، وهذا ليس بكثير على شعب أجمعت أمم الأرض والتواريخ كلها على عراقته وعلى تأسيسه للوجود الاجتماعي البشري على هذه الأرض...

هناك تعاريف واضحة تبيّن ماهيّة الدولة وترى بأنها مجموعة من الأفراد يُمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين مُتفق عليه فيما بينهم يتولى شؤون الدولة، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية واقتصادية واجتماعية والتي تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها، وينقسم العالم إلى مجموعة كبيرة من الدول، وإن اختلفت أشكالها وأنظمتها السياسية.

أما اتفاقية مونتيفيديو بشأن حقوق وواجبات الدول فقد عرفت الدولة بأنها: مساحة من الأرض تمتلك سكان دائمون، إقليم محدد وحكومة قادرة على المحافظة والسيطرة الفعَّالة على أراضيها، وإجراء العلاقات الدولية مع الدول الأخرى.

وبخصوص الأصل اللغوي بالعربية، فقد ورد في لسان العرب أن «الدَّوْلةُ والدُّولةُ: العُقْبة في المال والحَرْب»، بمعنى الغلبة والظفر بهما، والدولة والدول بمعنى «السُّنن التي تغيَّر وتُبدَّل» و«الدَّوْلةُ الفعل والانتقال من حال إِلى حال» و «دُولة بينهم يَتَداوَلونه مَرَّة لهذا ومرة لهذا». وفي القاموس المحيط «الدَّوْلَةُ انْقِلابُ الزمانِ». بمعنى تغيره، مرَّة لهؤلاء ومرّة لهؤلاء.

أما التعريف السياسي فإن الدولة هي تجمع سياسي يؤسس كيانا ذا اختصاص سيادي في نطاق إقليمي محدد ويمارس السلطة عبر منظومة من المؤسسات الدائمة، وبالتالي فإن العناصر الأساسية لأي دولة هي الحكومة والشعب والإقليم، بالإضافة إلى السيادة والاعتراف بهذه الدولة، بما يكسبها الشخصية القانونية الدولية، وما يهمنا في هذا المقال الشعب أو الفرد الموطن وما الذي يريده أو يحتاجه من الدولة؟

المواطن ابن الدولة

تتردد على ألسن الناس جملة معروفة للجميع وهي أن (المواطن ابن الدولة)، وهناك طرفان يرددان هذه الجملة، الأول هو المسؤولون والقادة بدءًا من أقل إلى أعلى مسؤول في الدولة، والطرف الثاني هو المواطن نفسه، حيث يردد المواطنون دائما بأنهم أبناء الدولة، وأنها هي التي ترعاهم وتحفظ كرماتهم وتوفر لهم العيش الكريم.

تتبارى الدول فيما بينها على مداراة مواطنيها، وهناك دول تدخل حروب من أجل حماية رعاياها في دول أخرى، وهناك دول تحفظ كرامة مواطنيها بصورة كاملة، ودول أخرى لا تتمكن من تحقيق الكرامة لمواطنيها ولا لرعاياها في الدول الأخرى، فما هي المعايير التي يمكن أن نحدد من خلالها الدول التي ترعى مواطنيها بصورة صحيحة وتلك التي لا يمكنها تحقيق كرامة مواطنيها، وما هي الأسباب التي تجعل الدول عاجزة عن هذا الهدف؟

المعايير التي تؤكد أن الدولة تستحق صفة الأبوّة لمواطنيها عديدة ومعروفة، وأهمها أن توفر العيش الكريم للشعب، سكن لائق، رعاية صحية جيدة، فرصة عمل مناسبة ومصدر رزق يكفي لتحقيق العيش السليم، بالإضافة إلى قضايا التعليم وتطوير المهارات ورعاية المواهب والطاقات وتطويرها، وليس انتهاءً بالجوانب الرياضية والترفيهية المهمة في حياة الناس.

وهناك معايير تتعلق بحماية الحريات والرأي، وهي مهمة جدا لتأكيد كرامة المواطن، ولكن هناك أولويات، فما فائدة أن أتمتع بحرية الرأي وفي نفس الوقت لا توجد عندي فرصة عمل أعيش منها، وما فائدة رعاية الحقوق في ظل خدمات محدودة أو مفقودة، إذًا الأولوية للعيش الكريم، وبعدها تأتي المعايير الأخرى، أو الأصح أن تتوافر المعايير كلها بموازاة بعضها، فالعيش الكريم يجب أن يرافقه حريات مكفولة ورأي مصان وحقوق غير منقوصة.

حماية الحريات وتقديم الخدمات

من الأمثلة الواضحة عن العلاقة الجيدة بين الدولة و المواطن، أن أحدهم حدّثني عن زيارته لمستشفى حكومي لتطبيب أحد أفراد أسرته، وكيف فاجأته نظافة المستشفى والإجراءات الإدارية السلسة من لحظة دخول المستشفى حتى لحظة الخروج منها، ثم تكلم بتوصيف دقيق ومنبهر عن نظافة هذا المستشفى، وتصميمه الجميل، وأشد ما أعجبه ذلك التعامل اللطيف لكوادر المستشفى وتلك الوجوه البشوشة وذلك التعامل الإنساني الحقيقي.

يقول هذا الرجل، لقد شعرت بكرامتي محفوظة فعلا وأنا أتطلع إلى الخدمات الطبية الراقية التي تقدمها المستشفى للمرضى، حيث النظام بأقصى درجاته، وحيث الإنسانية والتعامل الإنساني بأقصى درجاته، أما نظافة الردهات والممرات في المستشفى فإنها تفوح عطرا يمتزج بالعطور التي بثها حدائق المستشفى الجميلة على الغرف والردهات.

ويضيف هذا المواطن: باختصار أقول لقد شعرت بإنسانيتي وبكرامتي المحمية من قبل الدولة، ولكن داخل هذه المستشفى فقط، لأنني بمجرد أن غادرتها بدأت علامات الاهمال للمواطن واضحة في فوضى الشوارع والأرصفة وأسلاك الكهرباء التي تتشابك فوق الرؤوس لتحجب عنّا وجه السماء وأقصد أسلاك المولدات والكهرباء الوطني.

أيتها الدولة الأم و الأب، رفقا بأبنائك، ليس المرضى منهم فقط، بل حتى الأصحّاء، فإنهم جميعا يحتاجون رعايتك، ويحتاجون أن يشعروا بالأمان والكرامة المحمية، وهذا ليس بكثير على شعب أجمعت أمم الأرض والتواريخ كلها على عراقته وعلى تأسيسه للوجود الاجتماعي البشري على هذه الأرض.

اضف تعليق