تستخدم اللغة كأهم وسيلة اتصال بشرية بين أفراد المجتمع في جميع ميادين الحياة، فهي ليست مجرد وسيلة تعبير عن الافكار وانما هي أداة مهمة لنقل المشاعر العاطفية والشؤون الثقافية، لذلك يظهر دور اللغة في الفعاليات الانسانية المختلفة ويعبر بها الانسان عن كل ما يحيط به، فهي محرك الافكار التي تعتمد في علمية ترتيب الافكار والآراء في سياقات منسقة يمكن عن طريقها التأثير بالآخرين، وبهذا فان الدعاية احد اساليب الحرب النفسية ترتبط بعلاقة وثيقة مع اللغة لتحقيق غاياتها، حيث يمكن من خلال اللغة اخفاء الدوافع الشريرة والسلوك السيّئ، كما يمكن ان تُبرز المثل العليا وفقا للقائم بالدعاية وأجنداته.
فمبدأ الدعاية باستخدام اللغة هو ترتيب الافكار وتماهي الاهداف في الطرح وابرازها عبر وسائل الاتصال والاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، لكن هذا يتطلب امتلاك قدرة في التعبير اللغوي، وإمكانية في تنسيق الكلمات وفق سياقات معينة تجعل منها فاعلة ومؤثرة، بالشكل الذي يبرز معانيها المتوهجة والفاعلة في النفس البشرية.
ويرى المتخصصون في الدعاية، وفي مجال الحرب النفسية، أن العمل الدعائي يجب ان يدرك " الداعية" الكيفية التي من خلالها يكون قادرا على التأثير في جمهوره، بالأسلوب الامثل، لتحقيق درجة عالية من القبول لدى المتلقي، وكذلك للوصول الى درجة الاقناع المطلوبة، وبذلك سيحصل الداعية على نتائج مرضية لمجهوده الدعائي.
ويرى هؤلاء المتخصصون ان اللغة يمكن أن تؤدي وظائف عدة في النشاط الدعائي، وتختلف هذه الوظائف استنادا الى النوايا المبيّتة، وحسب غايات القائمين بالعمل الدعائي، من أجل الحصول على التأثير المتحقق من هذا العمل، وان ابرز هذه الوظائف هي الوظيفة المعرفية التي تساعد على إيصال المعلومات المحددة الى الوسط المستهدَف، كما يوجد هناك وظيفة توجيهية للغة، وذلك للحصول على تأثير واضح في سلوك المستهدفين، في حين تستخدم الوظيفة التعبيرية بالدرجة الاولى للتعبير عن العواطف وما يدور ويمور في دواخل النفس البشرية في المجالات كافة، ويمكن أن يتم التمييز لوظائف اللغة في الدعاية" عندما تكون الغاية هي عطاء قوة مضافة وهناك ما يستوجب التأثير، فأننا سنتحدث عن التأثير السياسي في اللغة، بحيث نجد ان علم المعاني السياسية يتداول أهدافا دعائية، باستخدام اللغة وترتيب الكلمات، وصياغة وتركيب الجمل السياسية لأنها تخص العلائق النحوية والمنطقية، وهذا ما يتجسد في الخطابات الدعائية للسياسيين وكيفية التعامل مع اللغة من اجل توظيف الخدمة الاعلامية وفق مضامينها الدعائية، وهذا ليس عملا يسيرا، حيث يتداخل فيه الهدف السياسي مع الوظيفة الاعلامية، لذلك يجب ان يستخدم المخطط الدعائي أفضل الأساليب اللغوية كي تكون رسائله الدعائية اكثر تأثيرا في نفوس المستهدَفين.
فهنا يبرز دور الدعاية في تحقيق مستوى معين من النجاح في اقناع الجهور بالرسالة الدعائية، ويؤكد علماء الدعاية انه بإمكان تصنيف الجهود الاقناعية على انها دعاية عندما تكون نتائجها في صالح المخطط الدعائي، بعلمية الاقناع وليس لصالح المقصودين بالدعاية.
وهذا يعني ان الفعل الدعائي يكرس محاولات جاهدة لغرس قيم وممارسات المخطط له، وفقا لما يسعى اليه وليس كما يريد الجمهور، الذي تتطلب عملية اقناعه إعدادا وتخطيطا منظما كي يحدث ويتحقق التأثير المراد.
وبهذا فإن عملية الاقناع لا تتم إلا بالفهم الدقيق للغة واستخداماتها المؤثرة والمثيرة، كون هدف اللغة في الدعاية ليس هدفا ادبيا ينحصر في مجال التذوق الفني والجمالي، او لغة علمية خالية من الممارسات النحوية، بل الهدف هو تبني نسق علمي اجتماعي مؤثر ليحقق مستخدمها حتمية وخاصية التأثير والاقناع على النحو الاكثر فعالية.
وعليه في ضوء ما تقدم، فإن الدور الدعائي الذي تؤديه اللغة باستخدام رموزها ومعانيها المؤثرة في إدراك العالم والاستجابة له، بعيدا عن الانقياد وراء وسيلة اتصالية او اعلامية ذات توجه عقائدي، محدد أصلا بأهداف الحرب النفسية بشكل عام.
اضف تعليق