q

في الصراعات العالمية التي تجري الان، لا شيء اكثر وضوحا من امتطاء اغلب المتصارعين لصهوة الكذب والتناقض بين الخطاب المعلن والواقع على الارض من اجل عبور صحراء التورطات في المناطق الاكثر تعقيدا، او الحروب العبثية التي لا مجال للخلاص منها الا باختراق القواعد الاخلاقية المتعارف عليها.

وحينما تذكر الحروب فان امريكا تحجز مكانها في المقاعد الامامية متقدمة على بعد اميال عن ثاني المنافسين لها، اذ تملك اكبر ميزانية عسكرية تعادل ميزانيات الدول الكبرى الخمس الاعضاء في مجلس الامن مجتمعة حيث تزيد عن ٦٥٠ مليار دولار، وبالطبع فان لها اكبر جيش في العالم واكثر دولة تدخلا في شؤون الدول الاخرى باساطيلها العملاقة.

خلقت امريكا بيئة عالمية عنوانها التفوق منقطع النظير، وهي لا تريد لاحد ان يتنفس خارج اسوارها والا يتم استبعاده في التجويع الشامل كما حدث مع العراق ابان حكم الديكتاتور صدام حسين، وايران منذ مجيء الثورة الاسلامية وحتى الان، او ما يجري من تجويع مرعب للشعب الكوري الشمالي لان زعيمه تمرد على الاوامر الامريكية.

هذه الحروب الاقتصادية "التجويعية للشعوب"، هي مجرد امثلة بسيطة يعرف القاريء الكثير غيرها، الا ان المثير في كل ما يجري في العالم وتحت الراية الامريكية وباوامرها ان واشنطن هي الراعي الرسمي لكل ما هو انساني وديمقراطي، وحتى الكتابات التي تنشر يوميا تشعرك ان الديمقراطية هي مرادف لامريكيا والعكس صحيح. الا ان هذا الارتباط ورغم ما فيه من نسبة عالية من الصحة الا انه يحمل الكثير من المغالطة ايضا فالديمقراطية بالنسبة لامريكا وسيلة وليست غاية وهو نفس الاسلوب الذي تقوم به الجماعات الاجرامية التي تتخذ من الدين وسيلة للوصول الى السلطة حتى وان ادى ذلك الى سفك الدماء.

حقوق الانسان والديمقراطية هي مطية امريكا في كل حروبها العالمية، وكوريا الشمالية التي يطلق زعيمها الصواريخ تارة والتصريحات تارة اخرى يدخل في بنك الاهداف الامريكية الجدية هذه المرة، فقد أعلن مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان وعلاقات العمل، بوزارة الخارجية الأمريكية، عن مناقصة للمنظمات المهتمة بمشروعات دعم حقوق الإنسان والتدفق الحر للمعلومات على أراضي كوريا الشمالية.

المكتب قال في بيان نشره يوم الثلاثاء، ١٦ كانون الثاني ٢٠١٧:"إن مناقصة مفتوحة تعلن للمنظمات المهتمة بتقديم طلبات لخدمة المشروعات التي تدعم السياسات الرامية إلى تعزيز حقوق الإنسان وزيادة الشفافية وتدفق المعلومات مجانا من وإلى كوريا الديمقراطية". وكشف البيان أن الولايات المتحدة ستخصص مبلغا إجماليا لهذه الأهداف، يبلغ حوالي 1.5 مليون دولار هذا العام.

دعم حقوق الانسان بالنسبة لامريكا يعني مقدمات للحرب بكل الاحوال، فالشعب الامريكي خدع بحرب الخليج الثانية "حرب الكويت" من خلال حاضنات الاطفال الخدج التي كسرها جنود الجيش العراقي كما زعمت وسائل الدعاية الامريكية واكتشف كذبها بعد نهاية الحرب.

ان تخصص امريكا اموالا لدعم حقوق الانسان وزيادة الشفافية يعني الحصول على باب للانفاق على وسائل الدعاية السياسية في المرحلة المقبلة ضد كوريا الشمالية، لان هذا الطريق يعني زيادة شيطنة النظام الحاكم في بيونغ يانغ، وتسويقه باعتبارها تهديدا للقيم الديمقراطية الغربية لان مزاعم خطره العسكري لم تكن مقنعة للرأي العام الامريكي، كما ان استرار العواطف هو جزء من استراتيجيات الدول، فالديمقراطيات تجذب جمهورها بحقوق الانسان، والديكتاتوريات تستخدم الدين او شعارات خلق الامجاد لتحقيق شرعيتها.

لو كانت امريكا حريصة على تدفق المعلومات ونشر القيم الديمقراطية فالافضل ان تبدأ بحلفائها لان هذه القيم هي نعمة امريكيا يجب ان ينالها الحليف قبل الخصم. نظام الحكم في بورما يشن اكبر حملات التطهير العرقي وحشية في القرن الحادي والعشرون، والسلطات تعتقل الان صحفيين يعملان في وكالة اخبارية كبرى، وكل هذا يجري امام عيون ومسامع الولايات المتحدة دون ان تخصص سنتا واحدا لايقاف الجرائم في بورما بل تدافع عن نظام رئيسة الوزراء الحاصلة على جائزة نوبل للسلام. واي سلام هذا مع تطهير عرقي. قد تكون هذه هي الديمقراطية وهذا السلام؟

في الشرق الاوسط هناك السعودية، لديها الكثير من المشتركات مع بورما فهي حليف لامريكا وترتكب جرائم بحق الانسانية هي الابشع في التاريخ الحديث كما تقول المنطمات الدولية من بينها هيومن رايتس ووتش واوكسفام، اذ ادى الحصار السعودي المفروض على اليمن الى تجويع شعب كامل وتحويل البلاد الى كومة من الركام والجثث المتفحمة.

الديمقراطية الامريكية وحقوق الانسان تعني قطع نصف المساعدات المالية عن بعثة الاونروا المعنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين كنوع من العقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني لان العالم كله صوت في مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة على رفض الغطرسة الامريكية ومحاولة واشنطن فرض سياستها على جميع دول العالم، وهو فعل يشبه كثيرا الممارسات النازية التي تتخذ من الهيمنة على العالم هدفا لها.

من الموضوعية الزعم ان امريكا هي اكثر دولة فيها حريات مدنية وتطبق فيها النسبة الاكبر من مباديء الديمقراطية (داخل حدودها فقط)، ومن الموضوعية ايضا القول ان كل فضائل النظام الديمقراطي الامريكي اقيمت على اشلاء ضحايا الحروب الامريكية المدمرة لامم باكملها ابتداء من مجازر الهنود الحمر ومرورا بحروب فيتنام والخليج الثانية والثالثة وافغانسان والصومال وليبيا واليمن وسوريا وقد تكون كوريا ضمن القائمة في الاعوام المقبلة.

اضف تعليق